القاهرة الأناضول: لا يمضي حدث سياسي، إلا وتكون له تداعياته الاقتصادية، وعقب إعلان ثلاث دول خليجية (السعودية، الإمارات، البحرين) عن سحب سفرائها من قطر يوم الأربعاء الماضي، يطرح السؤال نفسه، ما هي التداعيات الاقتصادية لهذا القرار على دولة قطر؟. وبخاصة أنه قرار ثلاث دولة وليست دولة واحدة.
ولكن القرار يكرس لإدارة تعكس مصالح ورغبة بعض دول الخليج بمجلس التعاون، وهو الموقف الذي تكرر منذ أكثر من شهرين، بعد القمة الخليجية بالكويت، وهددت سلطنة عمان بالانسحاب من المجلس إذا ما أقدمت دوله عن تحويله إلى مرحلة ‘الاتحاد’.
وحتى تكون لدينا قراءة صحيحة للتداعيات الاقتصادية للدول الثلاث بسحب سفرائها من قطر، فإننا يجب أن نطرح عدة تساؤلات، ومنها:
هل سيكون هناك تصعيد من قبل هذه الدول بعد سحب السفراء؟. مثل فرض عقوبات اقتصادية على قطر مثلا؟.
أو أن يكون هناك احتمال للتفكير في محاصرة قطر اقتصاديا على صعيد الدائرة الخليجية الضيقة أولا؟، ثم محاولة توسيع هذه الدائرة عربيا ثم دوليا؟.
وما هو الأثر المحتمل لهذه الخلافات الخليجية على مستقبل مجلس التعاون الخليجي؟.
وفيما يلي نحاول الإجابة على هذه التساؤلات من خلال الاحصاءات المنشورة عن العلاقات الاقتصادية لقطر مع مجلس التعاون الخليجي، ومعرفة طبيعة هذه العلاقة، هل هي علاقة وطيدة، تكاملية، أم أنها علاقة تنافسية، لا تعكس آثارا سلبية ملموسة على الاقتصاد القطري؟.
احتمالات مستبعدة الإجابة على السؤال الأول لإمكانية تخطي التصعيد من قبل الدول الخليجية الثلاث تجاه قطر، بفرض عقوبات اقتصادية، فإن الدول الخليجية لا يتوفر لديها اقتصاديا ما يمكن أن تفرضه من عقوبات تجاه الاقتصاد القطري، رغم أن السعودية تحيط بها من ثلاثة اتجاهات برية.
فقطر تمتلك سلعة اقتصادية واحدة، شأنها شأن باقي دول الخليج، وهي النفط والغاز، وفي ضوء المعادلة الدولية الصعبة في مجال الطاقة، فالدول الكبرى أو الصاعدة المستوردة للنفط والغاز من قطر لن تسمح بمثل هذه العقوبات، لما يمثله النفط والغاز لها من أهمية اقتصادية.
ويُستفاد من تجربة أمريكا والاتحاد الأوروبي تجاه إيران الكثير في هذا المجال، إذ التفت إيران عبر النفط، لتخلق حالة من عدم الوفاق على حصارها اقتصاديا، من خلال مغازلة الصين والهند واليابان بسياسة ‘النفط الرخيص’.
والملاحظ أن قرار سحب السفراء للدول الخليجية الثلاث لا يعبر عن وجهة نظر جماعية داخل دول مجلس التعاون، بدليل عدم مشاركة الكويت وسلطنة عمان فيه، وهو ما يعني أن أية قرارات اقتصادية تمثل عقوبات أو حصار اقتصادي خليجي غير واردة، في شكل جماعي.
أكثر ما يمكن فعله من محاولة توسيع الدائرة العربية تجاه قطر، سيكون في إطار سياسي وليس اقتصاديا، بسبب العلاقة الاقتصادية الإيجابية لصالح قطر تجاه باقي الدول العربية، فضلا عن أن الدول العربية الأخرى تعاني مشكلات اقتصادية، وليست على استعداد لتصعيد اقتصادي يؤدي لترحيل العمالة الخاصة بها، أو التأثير السلبي على قرار قطر الاستثماري في هذه الدول.
وفي إطار المحاولات الدولية، فإن العلاقات الاقتصادية الدولية يحكمها المصلحة، التي لا ترى في فرض العقوبات الاقتصادية على دولة نفطية وثرية مثل قطر، أية مصلحة، بل العكس هو الصحيح ستحرص باقي دول العالم الخارجي أن تستفيد من تطويع هذه العلاقة، أو أن تحل محل أية دولة غير عربية في فرض عقوبات اقتصادية على قطر.
حجم التجارة البينية والاستثمار تقدر التجارة الخارجية لدول مجلس التعاون الخليجي بـ 1.2 تريليون دولار في نهاية عام 2011، منها 811 مليار دولار صادرات، و379 مليار دولار واردات. أما التجارة البينية الخليجية فتقدر 87.6 مليار دولار، أي تمثل نسبة 7.2 ‘ من حجم تجارة المجلس الخليجي مع العالم الخارجي.
وتعد السعودية صاحبة أكبر حصة من التجارة البينية الخليجية على مستوى الصادرات والواردات، فتبلغ الصادرات السعودية 25.6 مليار دولار لدول مجلس التعاون الخليجي، بينما واردتها من دول المجلس تقدر بـ 10.3 مليار دولار، أي أن السعودية وحدها تستحوذ على نسبة 41 ‘ من حجم التجارة البينية الخليجية.
أما الوضع بالنسبة لقطر، فقد بلغت تجارتها الخارجية مع دول مجلس التعاون الخليجي، ما يعادل 8.1 مليار دولار في عام 2012، تمثل صادرات قطر لدول المجلس 4.1 مليار دولار، ووارداتها من دول مجلس التعاون لنفس العام 4 مليارات دولار، وبذلك تعكس العلاقة التجارية وجود فائض لصالح قطر يبلغ نحو 68 مليون دولار.
ويظهر بوضوح تضاؤل العلاقة التجارية لقطر مع دول مجلس التعاون الخليجي عند مقارنتها بحجم تجارة قطر مع دول العالم الخارجي، فوفق بيانات الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي، فإن إجمالي تجارة قطر الخارجية في عام 2011 قد بلغت 136.5 مليار دولار، أي أن تجارة قطر مع دول مجلس التعاون تعادل نسبة 5.9 ‘ من حجم تجارتها مع العالم الخارجي.
أما عن الاستثمارات البينية الخليجية فهي لا تتجاوز العشرين مليار دولار، إذ يتميز الاستثمار الخارجي الخليجي بأنه استثمار دول من خلال صناديق سيادية، وعادة ما تتجه هذه الاستثمارات لأوروبا وأمريكا، ومؤخرًا تتجه بعض الاستثمارات الخليجية للدول الصاعدة، والقليل منها يوجه للدول العربية.
فعلى سبيل المثال لا يعمل من البنوك التجارية الخليجية في قطر سوى بنك واحد، بينما تستحوذ الكويت على 7 بنوك، والإمارات على 6 بنوك، والسعودية على 5 بنوك. كما أن التراخيص الممنوحة من قبل قطر لمواطني مجلس التعاون الخليجي لممارسة أنشطة اقتصادية في عام 2012 بلغت 256 ترخيصا، من إجمالي 35.7 ألف ترخيص أصدرتها باقي دول الخليج لمواطني مجلس التعاون.
ولعل الشيء الأكثر إيجابية من بين العديد من المؤشرات الاقتصادية البينية لدول مجلس التعاون الخليجي، هو أن قطر تستحوذ على نسبة 42.2 ‘ من المساهمين في الشركات التي يسمح بتداول أسهمها لمواطني دول المجلس، بنحو 190.8 ألف مساهم، لتحتل المرتبة الثانية بعد الإمارات التي استحوذت على نسبة 46.9 ‘، بواقع 212.2 ألف مساهم.
الأثر المحتمل على مستقبل المجلس على الرغم من أن البعض كان يراهن على نجاح تجربة مجلس التعاون الخليجي في بداية الثمانينيات، باعتبارها نواة لعودة الروح لنجاح مشروع التكامل الاقتصادي العربي، إلا أن التجربة بعد ما يزيد عن ثلاثة عقود، تعد غير مبشرة.
فمنطقة التجارة الحرة والاتحاد الجمركي التي يعتبرها مجلس التعاون خطوة ناجحة، تعد تحصيل حاصل لعضوية دول الخليج في منظمة التجارة العالمية، كما أنها شهدت خروقات من بعض دول المجلس الخليجي بعقد اتفاقيات تجارة حرة منفردة مع أمريكا دون الرجوع للمجلس.
أما العملة الخليجية الموحدة، أو الاتجاه نحو مرحلة متقدمة بعد السوق الخليجية المشتركة، فهي شبه مستحيلة، نظرًا للموقف الخاص بسلطنة عمان، والتي ترى أن الاتجاه نحو مرحلة الاتحاد لا يتناسب وظروف علاقاتها الخارجية.
ومن قبل انسحبت الإمارات في مشروع إقامة بنك مركزي خليجي، بسبب الإصرار السعودي على أن تكون الرياض مقرا لهذا البنك. كما أن أداء الدول الخليجية الثلاث المتمثل في سحب سفرائها من قطر، قد يكون مقدمة لتراجع العلاقات التجارية والاقتصادية مع هذه الدول، والتي تعاني بطبيعتها من ضعف.
الجدير بالذكر أن العلاقات الاقتصادية بين دول الخليج، علاقات تنافسية وليست علاقات تكاملية، فالنفط هو عماد اقتصاديات منطقة الخليج، بلا استثناء، وفشلت دعاوى العمل نحو اقتصاديات متنوعة داخل دول الخليج، وهو ما يعني أن حاجة قطر الاقتصادية لباقي دول مجلس التعاون الخليجي لا يعول عليها كثيرا، ويمكنها بسهولة تحويل تجارتها البينية وباقي علاقاتها الاقتصادية مع دول مجلس التعاون الخليجي إلى دول أخرى.
فليس لدى دول مجلس التعاون الخليجي سلع وخدمات تتمتع فيها بمزايا نسبية أو تنافسية، تجبر قطر على بقاء علاقاتها التجارية والاقتصادية معها.
ومن خلال الرصد السابق، يمكننا القول إن التأثير الاقتصادي لقرار الدول الخليجية الثلاث على قطر سيكون محدودا، إن لم يكن غير موجود أصلا، إلا أنه سيترك أثرا سلبيا من الناحية النفسية على طبيعة العلاقات الاقتصادية لشعوب المنطقة.
وبالمثل يمكن القول إن قطر لا يمكنها أن تؤثر اقتصاديا على الدول الخليجية الثلاث أو باقي دول مجلس التعاون الخليجي للأسباب ذاتها، التي تقلل من فرص الآخرين داخل مجلس التعاون للتأثير سلبيا عليها.
واقتصاديات دول الخليج الست لم تعد ملكا لها، بل هي معادلة معقدة من العلاقات السياسية والاقتصادية الدولية المرتبطة بمنطقة الخليج، فالمنطقة تمتلك أكبر إنتاج واحتياطي من النفط والغاز، الذي تحتاجه القوى الدولية.
تحليل منطقى جيد . انما هذه الخطوة لسحب السفراء تبدو متسرعة وغير
مدروسة العواقب على اى تقارب عربى فى المستقبل وقد تضر بمصلحة
الدول الثلاثة مستقبلا فى اى تقارب تنوى ان تقيمه مع الدول العربية الاخرى او دول الجوار.