تدخّل موسكو يعيد واشنطن للمشهد الليبي بقوة وسط تعاظم مخاطر الصدام بين روسيا وتركيا

إسماعيل جمال
حجم الخط
0

إسطنبول -«القدس العربي»: بإصدار الجيش الأمريكي بيانات وأدلة تثبت إرسال روسيا طائرات حربية متطورة لدعم ميليشيات حفتر في ليبيا الذي أسقط عنه البيان أي شرعية تكون واشنطن قد عادت إلى المشهد الليبي بقوة مع زيادة مخاوف الناتو من نية روسية لتحويل ليبيا إلى “سوريا جديدة” والتأسيس لانتشار عسكري كبير طويل المدى، وسط تعاظم مخاطر الصدام بين روسيا وتركيا على الأراضي الليبية.
ومع تزايد الأدلة على انخراط روسيا بدعم عسكري مباشر وواسع لميليشيات حفتر تصاعدت مخاوف حلف شمال الأطلسي “الناتو” من نوايا موسكو في ليبيا الأمر الذي قلب المشهد الدولي بسرعة كبيرة ودفع واشنطن وأمين عام الناتو إلى إصدار تصريحات متتالية تؤكد على دعم حكومة الوفاق، عقب الأنباء عن إرسال موسكو 8 طائرات حربية لميليشيات حفتر وهي المعلومات التي أوردها وزير الداخلية الليبي ودعمتها صحف غربية قبل أن تبدأ لجان رسمية في الأمم المتحدة بالتحقيق في دقتها.
وفي أبرز تحول في هذا السياق، قالت القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا إنها رصدت إرسال طائرات حربية روسية إلى ليبيا لدعم المرتزقة المقاتلين دعماً لميليشيات حفتر، وإن القيادة “تقيِّم الخطوة التي اتخذتها موسكو لدعم المرتزقة التابعين لشركة خاصة ممولة من الحكومة الروسية والموجودين هناك”، في إشارة إلى مرتزقة فاغنر.
ورجّحت القيادة أن يكون “إرسال تلك المقاتلات بهدف تقديم الدعم الجوي للهجمات البرية التي يشنها مرتزقة فاغنر الموجودون لمساعدة الجيش الوطني الليبي (ميليشيات حفتر) في نزاعه العسكري مع القوات التابعة لحكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً”، وكشفت القيادة أن “المقاتلات الروسية انطلقت من قاعدة جوية في روسيا مروراً بسوريا، حيث أعيد طلاؤها لإخفاء هويتها الروسية”. وأرفقت القيادة مع البيان صوراً للمقاتلات الروسية المرصودة في السماء الليبية.
ونقل البيان عن قائد القيادة الأمريكية في إفريقيا، ستيفن تاونسند، قوله إن “روسيا تحاول بوضوح قلب الموازين العسكرية في ليبيا لصالحها.. وكما فعل الروس في سوريا، فإنهم يحاولون مد نفوذهم العسكري في إفريقيا، معتمدين في ذلك على شركة فاغنر للمرتزقة، التي على الرغم من كونها شركة خاصة، فإن الحكومة هي من يمولها”.
وأضاف تاونسند أنه “لفترة طويلة، دأبت روسيا على إنكار انخراطها في الصراع الليبي الراهن، ولكنهم (الروس) لا يستطيعون أن ينكروا الآن”، وتابع: “رأينا مقاتلات الجيل الرابع تحلّق في السماء الليبية ونعلم جميعاً أنه لا الجيش الوطني الليبي (ميليشيات حفتر) ولا الشركات العسكرية الخاصة المتعاقَد معها يستطيعون إطلاق تلك الطائرات أو صيانتها والإبقاء عليها عاملة، من دون دعم دولة بعينها هي روسيا”.
وقال تاونسيند: “العالم بأسره استمع إلى السيد حفتر وهو يعلن نيته شن حملة جوية جديدة.. السبب هو أن الطيارين المرتزقة الروس الذين سيحلقون بمقاتلات روسية عازمون على قصف الليبيين”، وذلك في إشارة إلى تهديدات ميليشيات حفتر قبل أيام بإطلاق حملة جوية واسعة ضد المصالح التركية في ليبيا.
بدوره، حذر قائد سلاح الجو الأمريكي في إفريقيا وأوروبا، الجنرال جيف هاريجيان، أنه “في حال نجحت روسيا في الوجود عسكرياً على الساحل الليبي، فإن الخطوة التالية منطقياً ستكون نشر معدات عسكرية ذات قدرات كبيرة لوقت طويل في المنطقة.. ويُعد ذلك بمثابة تهديد كبير للأمن القومي لجنوب أوروبا”.
وطوال الأسابيع الماضية، ضغطت تركيا على واشنطن ودول الناتو من أجل اتخاذ موقف أكثر وضوحاً ضد حفتر والدعم الروسي له قبل أن تؤدي الخطوة الروسية الأخيرة بإرسال مقاتلات حربية له إلى كسر صمت الحلف الذي أعلن أمينه العام بوضوح استعداده لتقديم الدعم الكامل لحكومة الوفاق.
وبفعل الدعم العسكري التركي تمكنت حكومة الوفاق الليبية من إلحاق سلسلة هزائم في صفوف ميليشيات حفتر وداعميها، ونجحت الطائرات التركية المسيرة في تدمير أكثر من 10 من منظومات بانتسير الدفاعية الروسية، فيما قتل عناصر من ميليشيات فاغنر الروسية في تطور عسكري استفز موسكو ودفعها على ما يبدو لتقديم دعم نوعي لميليشيات حفتر.
وعقب استلام حفتر عدداً من الطائرات الحربية الروسية قبل أيام، هدد ناطقون باسم ميليشياته بشن أوسع حملة جوية ضد الأهداف التركية في ليبيا، الأمر الذي ردت عليه أنقرة بالتهديد باعتبار ميليشيات حفتر هدفاً مباشراً للقوات التركية وحذرت موسكو بشكل غير مباشر من عواقب تسليم حفتر هذه الطائرات، في تطورات زادت من مخاطر الصدام العسكري بين البلدين.
وفي المقابل، زادت الطائرات الحربية التركية من مناوراتها الجوية في شرق البحر المتوسط وقبالة السواحل الليبية بمشاركة طائرات التزود بالوقود في خطوة تؤكد استعداد أنقرة للرد باستخدام الطائرات الحربية في حال نفذ حفتر تهديداته، وسط تعزيز تركيا إرسال طائرات الشحن العسكرية إلى طرابلس وأنباء لم تؤكد بعد عن تزويد حكومة الوفاق الليبية بعدد من الطائرات الحربية من طراز إف 16 أمريكية الصنع.
والثلاثاء، نشرت روسيا اليوم مقالاً تحدثت فيه عن تنفيذ طائرة روسية الصنع من طراز ميغ 29 هجوماً جوياً على أهداف بحرية تركية في المياه الليبية، وهي الأنباء التي لم تؤكدها أو تنفها مصادر تركية رسمية أو إعلامية، حيث تحدث المقال عن استهداف جوي طال سفينة نقل تجارية وأخرى حربية تابعة للقوات التركية، وحال المقال التأكيد على أن الهجوم المزعوم لم تنفذه روسيا بشكل مباشر مرجحاً أن تكون الطائرة حصلت عليها ميليشيات حفتر من بيلاروسيا أو صربيا. واعتبر الكاتب أن هذه الطائرات التي باتت بحوزة حفتر يمكنها أن “تنهك أعصاب الأتراك بصورة جدية”.
الكاتب التركي هاكان جليك في مقال له بصحيفة بوسطا قال إنه “بدعم من الإمارات مجدداً، تم تسليم مقاتلات روسية من طراز ميغ-29 وسو-24 موجودة في سوريا، إلى ميليشيات حفتر في ليبيا، ورغم أن روسيا لم تتبنَّ عملية تسليم هذه الطائرات حتى الساعة، لكن الجميع يعلم أن مقاتلات ميغ لا يمكن تفعيلها عملياتيّاً دون موافقة موسكو.”، مضيفاً: “إذا استمر سير الأحداث في هذا الاتجاه، واعتدى حفتر على المصالح التركية بشكل مباشر أو غير مباشر، فإن مقاتلات إف-16 التركية قد تنفذ عملية جوية غير مسبوقة، وقد تبقى بعضها في ليبيا إلى حين تحقيق السلام”.
بدوره، اعتبر الكاتب أفق أولوطاش في مقال له بصحيفة أكشام أن “التصريحات الأمريكية القريبة من الموقف الليبي- التركي، وتصريحات الأمين العام للناتو المشابهة، تتمتع بأهمية كبيرة”، مضيفاً: “إلى جانب الدعم التركي الذي يغير قواعد اللعب في ليبيا، يبدو أن المنافسة الأمريكية الروسية ستلعب دوراً في صياغة مسار الأزمة في هذا البلد”.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية