منبج –”القدس العربي”- من منهل باريش :
علمت “القدس العربي” أن الخطوة الثانية من “خريطة الطريق” المتعلقة بـ”منبج”، يتم التحضير لها بين الجيشين الأمريكي والتركي، وستتركز على تدريبات مشتركة بين الجانبين، إضافة إلى تدريبات أمنية موازية، الغاية منها التنسيق في الداخل، ومنع احكتاك الطرفين وتكتيات دمجهما في المجالس العسكرية وقطاع الشرطة.
وأشار مصدر محلي إلى أن الخطوة الثالثة هي “اعداد قوائم لتشكيل ثلاثة مجالس محلية في منطقة منبج، بالتراضي بين الجانبين الأمريكي والتركي، وتتوزع المجالس على ثلاث مناطق، الأولى في مدينة منبج، ومجلس في بلدة أبو قلقل جنوب شرق مدينة منبج والقريبة إلى سد تشرين على نهر الفرات، والمجلس الثالث سيكون في ناحية أبو كهف غرب بلدة منبج”.
وبعد التوافق بين الدولتين سيتم نشر شرطة مدنية وعسكرية في المدينة، تتبعان للدولتين لحين انجاز قيادة أمن وشرطة محلية، وتشكيل مجلس عسكري مشترك.
في منطقة “درع الفرات” قال رئيس لجنة دعم إعادة الاستقرار (تشكلت مع بدء معارك طرد تنظيم الدولة الإسلامية في ريف حلب الشمالي) منذر السلال في اتصال مع “القدس العربي” أنهم بدأوا التحضير لعقد موتمر خاص بالفعاليات المدنية من وجهاء وشيوخ عشائر ونشطاء يقيمون في ريف حلب الشمالي، وسيعقد في بلدة جرابلس شمالي منبج بحضور أكثر من 100 مشارك، يناقشون مستقبل منطقة منبج ويضعون تصوراً أوليا وأفكارا عامة لسبل عودة المهجرين والنازحين، وترتيب الاحتياجات الأساسية سواء للعائدين أو لأبناء المدينة المقيمين فيها.
في موازاة ذلك، قالت الأركان التركية، الجمعة الماضي، على موقع “تويتر” إن قواتها سيرت بالتنسيق مع نظيرتها الأمريكيةالدورية المستقلة العاشرة على طول الخط الفاصل بين منطقتي عملية درع الفرات ومنبج، وهو استمرار للدرويات المستقلة المشتركة التي أعلن عنها الجيش التركي في 18 حزيران (يونيو) الماضي. حيث تقوم مدرعات الجيش التركي بدرويات مشتركة مستقلة مع قوات التحالف الدولي على خطوط التماس حول منبج ونهر الساجور. وتوقعت الأركان التركية أن يتواصل تسيير الدوريات في الفترة المقبلة.
غياب التفسيرات بين أنقرة وواشنطن، والخلاف على الجدول الزمني أصبح مدركا، فالمرحلة الأولى التي كانت عبارة عن أسبوعين، تحولت إلى “مرحلة تحضيرية” مدتها شهر، حسب تصريح سابق لوزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، الذي اعتبر أنها تمتد من 4 حزيران (يونيو) إلى 4 تموز (يونيو) الجاري. إلا أن الدوريات المشتركة بقيت مستمرة ولن توقف حالياً، ودخول القوات الأمريكية التركية المشتركة إلى منبج يبدو أنها تحتاج إلى انتهاء مرحلة التدريبات المشتركة قبل دخولها إلى منبج.
ومع تأخر تنفيذ بنود خريطة الطريق بين الجانبين إلا أنه لا خلاف بينهما ويبدو أن الأمور تمضي قدما كما تشاء أنقرة وترغب. على العكس من ذلك، تدلل التصريحات الرسمية التركية إلى رضا واضح، وترغب الدبلوماسية التركية بنقل التفاهم إلى مناطق أخرى شرق نهر الفرات. الأمر الذي تحدث عنه صراحة جاويش أوغلو في لقائه يوم الجمعة مع محرري وكالة “الأناضول”: إن هناك توافقا واضحا في خريطة الطريق (مع واشنطن) للانتقال إلى مناطق أخرى (شمال سوريا) بعد إتمام مهمتنا في منبج.وحول العلاقات مع واشنطن، قال جاويش أوغلو: “إن الإدارة الأمريكية لا ترغب بتعكير علاقاتها مع تركيا (بسبب مسألة منظومة صواريخ إس -400 التي ستشتريها أنقرة من موسكو)” مؤكدا أن “الرئيس دونالد ترامب على وجه الخصوص لا يريد تعكير العلاقات مع تركيا، وأنه يكن احتراماً للرئيس أردوغان”.
وتبقى عقدة اتفاق منبج، تلك المتعلقة بتشكيل المجلس العسكري، ودخول مقاتلي الجيش الحر فيها، وهو ما يفسر الترتيبات على كل الجانبين، إذا أعادت فصائل الجيش الحر المنحدرة من منبج والمتواجدة في منطقة درع الفرات، تسمية رئيس جديد للمكتب العسكري، هو النقيب المهندس عدنان حج محمد، وهو من أبرز القيادات العسكرية كفاءة، وقاد الحرب ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” في منطقة منبج قبل سيطرتها عليها في عام 2014.
في المقابل، يجري مجلس منبج العسكري التابع لقوات سوريا الديمقراطية “قسد” مشاورات لاستيعاب التغيرات القادمة، وحصلت “القدس العربي” على معلومات مؤكدة مفادها “توافقت قيادة المجلس العسكري على تغيير قائد المجلس الحالي، محمد مصطفى أبو عادل، وتعيين قائد جديد، هو ماهر العوني القيادي العسكري في لواء جند الحرمين”. ومن الواضح أن هدف التغيير لا يتعلق بالكفاءة العسكرية للرجلين بقدر ما يتعلق بقطع الطريق على المطالب التركية، التي تحدثت مرارا وتكرارا عن أن أكثرية السكان من العرب ويشكلون ما يزيد عن 90 في المئة من أبناء منبج. فالقائد الحالي ينحدر من القومية الكردية، بينما يأتي القائد المقترح تعيينه، من أصول عربية عشائرية، فهو أحد أبناء عشيرة العوني التي يكنى على اسمها، وهي من العشائر متوسطة العدد في منبج. وبذلك تكون “قسد” قد ضربت عصفورين بحجر واحد، وضعت شخصا عربيا على رئاسة المجلس العسكري، وكرست الدور العشائري العربي ووضعته في وجه المطالب التركية، على اعتبار أن العوني قيادي في جند الحرمين، أحد فصائل الجيش الحر التي التحقت بالمقاتلين الأكراد بعد سيطرة تنظيم “الدولة” على منبج.
وبعيداً عن الجدول الزمني، ومراحل “خريطة الطريق” ومع مقاربة التخلي الأمريكي عن الجنوب السوري، يبدو أن عجلة الاتفاق في منبج ماضية بشكل أسرع مما نتخيل، ويزكي ذلك تحرك “وحدات حماية الشعب” وحزبها السياسي بخطى واثقة إلى معسكر النظام السوري.