حينما تفجرت قضية المطرب المريب، جاء الى منتديات التلفاز مختلف أنواع المحللين والمستشارين والمفرقعين المختصين بألسنتهم وتحدثوا عن أننا ‘فقدنا المسؤولية الأبوية’. لم يكن من الممكن التهرب في تلك الايام من هذه العبارة العفنة، أعني ‘المسؤولية الأبوية’. كان ذلك في يوم الاحد في الراديو والتلفاز، وفي يوم الاثنين جاءنا من الصالون والمقهى والمدونات في الشبكة وسيارات الأجرة. فقد ردد الجميع عبارة ‘المسؤولية الأبوية’ وترجوا الخير. إن المسؤولية الأبوية أمر مهم، ولا تختصر في أن يُبين الأب لابنته أنه اذا دعاها إيال غولان فينبغي ألا تذهب. إن المسؤولية الأبوية ترمي الى تربية الاولاد وحمايتهم من جهات يفترض أن تربيهم وتحميهم ايضا كالمدرسة مثلا. ففي الاسبوع الماضي نشرت التوجيهات التي أصدرتها وزارة التربية في شأن تدريس تراث اريئيل شارون. احتاجوا في وزارة التربية الى ثماني سنوات لاعداد نظام هذا الدرس وكانت النتيجة هي المواد الخمس التالية: ‘صور حياته’؛ و’زعيم لا عيب فيه’؛ و’الزعيم بصفته راعي أغنام’؛ و’الزعيم بصفته رجل عائلة’، والذي يُسأل الطلاب فيه هل توجد في رأيهم ‘صلة’ بين كون شارون رجل عائلة قدوة وبين كونه ‘زعيما عظيما؟’؛ و’تأبين الزعيم’ (حيث يُطلب الى الطلاب البائسين أن يقارنوا بين مرثية الملك داود ومرثية الرئيس شمعون بيرس في الاسبوع الماضي). من الفضول لكن ربما من المستحسن أن نذكر أن اجزاءا كبيرة من السيرة الذاتية لشارون قد حذفت من نظام الدرس هذا فقد مرت ثمانينيات القرن الماضي مثلا بلا أحداث تقريبا. من السهل أن نسخر من هذه الخطة الدراسية ومن المرغوب فيه أن نغضب عليها، لكن هذا لا ذوق فيه. يعلم الجميع أن جهاز التربية يخضع لتأثير سياسي ولا يمكن أن توصف شخصية شارون بصورة ترضي جميع المعسكرات. ويصعب على المعلمين في الأصل أن ينقلوا وسائل مركبة الى اولاد يشعرون بالملل وهم مصابون باختلالات تركيز واصغاء. وهنا تأتي المسؤولية الأبوية. ففي الاسبوع الذي طلب فيه المعلمون من الطلاب أن يقصوا من الصحف صور رئيس الوزراء الحادي عشر وأن يتحدثوا عن بطولته، توقعت أن يُجلس آباء في الدولة كلها أبناءهم وأن يُحدثوهم عن اريك شارون كما يعرفونه، فتصف أم من مستوطنة اريئيل شارون باعتباره باني ألون موريه ومُخرب نتساريم، ويُحدث أخ ثاكل إبنه عن ‘إنزلي إلينا أيتها الطائرة الورقية وخذينا الى لبنان’؛ ويتذكر مهاجر قديم من الاتحاد السوفييتي كرفانا سكنه برعاية وزير البناء والاسكان. وأنا ايضا لو كنت والدا لأجلست إبني وحدثته عن شخصية اريئيل شارون ‘عندنا في البيت’. ومن المؤكد أن العبارات التي كانت ستثار في الحديث هي: ‘قبية’، و’الاربعون كيلومترا’، و’صبرا وشاتيلا’، و’والد المستوطنات’. وربما كان يظهر الجذر ‘ك.ذ.ب’ وكل ذلك متعلق بسن إبني المتخيل. والقصد هو عدم اثارة شخصية وهمية في خيال إبني بل تصوير النموذج المشحون الذي كان عليه شارون في نظري. لا ترمي دروس الاستكمال في اطار ‘المسؤولية الأبوية’ الى تصوير شخصية هذا الزعيم أو ذاك فقط، ففي ذلك الحديث، لو حدث، كنت سأبين لابني ايضا أنه لا يجب قبول ما يقولونه في المدرسة دائما وأنه يجدر جعل الامر صعبا على المعلم وأن تُسأل اسئلة. وهذا ما لا يفعله جهاز التربية إن ‘صورة الراعي’ التي يُدرسونها ليست أكثر من صورة أوجدها العاملون في الدعاية من اجل معركة انتخابية. وقد تبنى هذه الصورة أنصار مستكينون، وكُتاب سيرة ذاتية متملقون، وتبنوها الآن ايضا في جهاز التربية. وبدل التشكيك في شعارات تسويقية أخذت وزارة التربية نفسها تروج لها بين الطلاب، فيجب حمايتهم من هذا.