القاهرة ـ «القدس العربي»: رضخ العالم لإسرائيل وصم آذانه لتتوالي مذابحها في الشهر المعظم، وترك بايدن ونتنياهو وجنودهما يواصلون المقتلة في عموم قطاع غزة، انتظارا لسيناريو تهجير الشعب صاحب الأرض، عبر مؤامرة تتضح تفاصيلها شيئا فشيئا، أبرز أدواتها القتل والتجويع وخذلان العرب للغزاويين، ما عزز استمرار العدو في حربه، إذ ظل الموات يخيم على مختلف عواصم العرب والمسلمين، دون أي رد فعل حقيقي لمساندة الفلسطينيين، بينما تواصل المقاومة وشعبها النضال بعزم لافت لتفويت الفرصة على من يريدون التهام كامل التراب الفلسطيني.
على المستوى الداخلي واصلت الحكومة تنديدها بالتجار الذين يرفضون خفض الأسعار، إذ واصلت أسعار السلع خاصة الغذائية منها ارتفاعها الكبير. وما زال الحادث الذي شهده أحد أقدم صروح التصوير الفني، تتوالى إذ قدّم أيمن محسب عضو مجلس النواب، طلب إحاطة موجها إلى رئيس مجلس الوزراء، ووزيرة الثقافة بشأن عدم تطبيق اشتراطات الأمن الصناعي في “استديو الأهرام”، مما تسبب في حريق مروع ومحاسبة المسؤول عن هذا الإهمال.
ومن وقائع الفساد: تلقت الأجهزة الرقابية بلاغا بشأن واقعة فساد جديدة داخل وزارة الري وجرى التحقيق فيها، وبعد جمع المعلومات والأدلة اللازمة تم استصدار إذن من النيابة العامة، وألقي القبض على اثنين من المسؤولين عن قطاع حماية نهر النيل، في منطقة القاهرة الكبرى داخل مكاتبهم في مقر الوزارة. ومن أخبار المحاكم: أعلن عبدالله البلتاجي، محامي مُدرس الفيزياء المتهم بقتل طالب الدقهلية إيهاب أشرف، تنحيه عن الدفاع عن المتهم، قبل ساعات من انعقاد أولى جلسات المحاكمة، أمس الأربعاء، أمام محكمة جنايات المنصورة. وقال البلتاجي قبل بدء الجلسة الأولى للمحاكمة، إنه وافق على تولي القضية بعد تواصل أسرة المتهم معه، وأخبروه بأنه يعاني من مرض نفسي يدعى «القمار القهري»، وارتكب الجريمة دون وعي تحت تأثير المرض.
التلفيق الأمريكي
استندت الإدارة الأمريكية لتبرير أسباب دعمها المطلق لإسرائيل، على الترويج امام المواطن الأمريكي والعالم بأن مصالح الأمن القومي الأمريكي معرضة للخطر في الشرق الأوسط، وقد وضعت الولايات المتحدة مجموعة من الاعتبارات سعت إلى الالتزام بها في إطار دعمها العميق لإسرائيل في حربها على قطاع غزة، وفقا لجيهان فوزي في “الوطن” أهمها احتواء الصراع ومنع تحوله إلى حرب إقليمية واسعة، قد تؤدى إلى تورط القوات الأمريكية في القتال بشكل مباشر، وضمان سلامة الأسرى وضمان إمكانية وصول المساعدات الإنسانية إلى السكان، وحددت سقفا زمنيا للحرب، غير أن إسرائيل تجاوزت هذا السقف وماطلت واستمرت في الخداع، لاستمرار أمد الحرب، بزعم تحقيق الأهداف المطلوبة؛ وأولها القضاء على حركة حماس والمقاومة الفلسطينية وتحرير الأسرى، فكان المدى الزمني للحرب على غزة هو نقطة الخلاف الرئيسية التي نشبت بين الولايات المتحدة وإسرائيل، إذ أن واشنطن لا تريد تحمل المزيد من الضغوط على مواردها المالية والعسكرية، واستمرار استنزاف سمعتها الدولية، وزيادة الانقسام الداخلي بين الجمهوريين والديمقراطيين، فقد كانت الولايات المتحدة تريد تحقيق مكاسب على الأرض في أسرع وقت ممكن، والانتقال إلى مرحلة أخرى تخفف عنها الضغوط، وتتناسب مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ثم نقطة الخلاف الثانية والعميقة بين الطرفين المتعلقة باجتياح مدينة رفح، ورفض الولايات المتحدة دخول إسرائيل في عملية عسكرية برية واسعة لرفح، دون تقديم خطة مقنعة وواضحة للإدارة الأمريكية تشمل كيفية الحفاظ على أرواح المدنيين الذين يتجاوز عددهم المليون ونصف المليون نازح، وتوفير الممر الآمن لإجلاء المدنيين، فضلا عن توفير الغذاء والدواء والكساء قبل العملية العسكرية.
يفهم جيدا
يتساءل كثيرون: كيف يمكن لدولة تعتاش على ما تقدمه الولايات المتحدة من دعم لها أن تجرؤ على مثل هذا التحدى السافر لسياستها؟ وللإجابة عن هذا السؤال علينا، حسب جيهان فوزي فهم طبيعة العلاقة الاستراتيجية بين واشنطن وتل أبيب، فهى علاقة مصالح حيوية ودائمة لا يمكن أن تضعف مفاصلها بغض النظر عن اتفاق أو اختلاف قادة البلدين في رؤية كل منهما لطبيعة الأوضاع في الشرق الأوسط. إنها علاقة محمية بمؤسسات ثابتة يفوق نفوذها نفوذ الرئيس الأمريكي نفسه، وتحت عنوان المؤسسات يأتي مجلسا الشيوخ والنواب، ووزارة الدفاع، وقيادات الأجهزة الأمنية، فضلا عن وسائل الإعلام والجامعات، والمعاهد البحثية وجماعات الضغط وغيرها، وهذه العلاقة الاستراتيجية يمكن لها احتمال التنافر، أو الخلافات التكتيكية التي قد تؤدي إلى فتور في العلاقة بين الإدارتين، لكن لا يمكن لأي منهما أن يتجاوز الحد الفاصل بين العلاقات على مستوى الحكومات والعلاقات على المستوى الاستراتيجي. نتنياهو يفهم هذه المعادلة جيدا، ويدرك أن بوسعه تحدي بايدن دون أن ينزلق نحو إلحاق الضرر بالعلاقة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، وفي المقابل فإن بايدن يحرص بشكل واضح على التمييز بين إسرائيل ورئيس وزرائها، فهو يصرح، علنا أو تلميحا، برفضه قرارات نتنياهو، لأنها ستضر بأمن إسرائيل على المدى الطويل، وتعزلها عن العالم أكثر فأكثر، وهو بذلك يخاطب الرأي العام الأمريكي بما مفاده أن أمريكا حريصة على مستقبل إسرائيل أكثر من نتنياهو نفسه، وتتماثل مواقف بعض السياسيين الأمريكيين في الكونغرس، خاصة مع مواقف بايدن في هذا الشأن، حتى أن بعضهم يزيد من حدة انتقاداته لنتنياهو وحتى لإدارة بايدن بسبب موقفها الداعم له، كما أن المؤسسات الأمريكية المعنية بالأمن القومي والمصالح بعيدة الأمد بدأت هي الأخرى تشعر بالقلق إزاء تهور نتنياهو وأنانيته المفرطة وتجاهله لحجم المخاطر الناجمة عن سياساته على المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط.
ماذا فعلنا؟
تخلى الدكتور وجدي زين الدين في “الوفد” عن حذره وتساءل: ماذا فعل الأشقاء العرب في هذا الشأن سوى الشجب والإدانة والاستنكار، وهي كما قلت سياسة مرفوضة جملة وتفصيلا.. والدول العربية لديها القدرة بأموالها الكثيرة واستثماراتها الواسعة في الولايات المتحدة، أن تضغط على واشنطن، من أجل ردع الكيان الصهيوني.. يحضرني في هذا المقام الدور البطولي الذي قام به الملك الراحل فيصل بن عبدالعزيز الذي اتخذ قرارا حكيما خلال حرب أكتوبر/تشرين الأول عندما ضغط بسلاح البترول، مما كان له أعظم الأثر خلال الحرب مع العدو الصهيوني. نحن الآن في حاجة شديدة وحاسمة لأن تكون هناك وسائل ضغط فاعلة على أمريكا وإسرائيل، ومن نعم الله أن الدول العربية لديها وسائل كثيرة للاستخدام في هذا الشأن، لكن لا يتم تفعيلها، ما يطرح علامات استفهام كثيرة؟ الذي يغيب عن الأمة العربية أن الطناش في هذا الصدد كما هو معتاد، سيجلب – ليس العار فقط – وإنما سيأتي اليوم الذي تلتف إسرائيل على هذه الدول العربية.. أطماع إسرائيل التوسعية لم تنته بعد، ولن تنتهي، خاصة في ظل هذه الفُرقة العربية وهذا الضعف الشديد، رغم ما تملكه الأمة العربية من وسائل ردع شديدة لكنها غير مستخدمة.. لقد آن الأوان للأمة العربية أن تفيق من غفوتها التي طالت، بدلا من الاستيقاظ وقد ضاعت فلسطين، كما حدث في الأندلس قديما.
في متناول اليد
أعلن نتنياهو مؤخرا «أن النصر بات في متناول اليد»، وأنه سيقضي على حماس كليا وسيهاجم رفح بعد أن يضمن حماية المدنيين. والواضح حسب عمرو الشوبكي في “المصري اليوم” أن نتنياهو قرر استكمال حرب الإبادة الجماعية في غزة واستهداف المدنيين الفلسطينيين تحت حجة القضاء على حماس، في حين ظلت الإدارة الأمريكية على موقفها من رفض عملية رفح العسكرية، وضرورة حماية المدنيين، دون أن تقدم على خطوة عملية واحدة تضغط بها على إسرائيل، سواء بوقف شحنات السلاح المقدمة لها، أو وقف الدعم المادي السخي الذي تقدمه يوميا لاقتصادها. والحقيقة أن نتنياهو يتصرف كأن ليس في غزة شعب يجب الحفاظ عليه، أو ممثلون له يجب التفاوض معهم، فقد تمسك بحق إسرائيل في حرية العمل العسكري والأمني في جميع مناطق القطاع، وأنها ستقيم حزاما أمنيا على طول حدوده مع فلسطين التاريخية، بالتعاون مع مصر ومساعدة واشنطن، كما ستقوم إسرائيل بنزع السلاح من قطاع غزة، باستثناء ما هو مطلوب لحفظ الأمن العام، وأكد موقفه السابق الذي كرره مرات كثيرة، وهو أنه سيعمل على إيجاد أشخاص محليين يكونون بديلا لكل من السلطة الفلسطينية وحركة حماس، وهو موقف فشل في تحقيقه على مستوى توزيع المساعدات، فما بالنا في إدارة قطاع غزة مستقبلا. السلطة الفلسطينية، اختارت خبيرا رئيسا لحكومة تكنوقراط مؤقتة، لكنها خطوة لم توافق عليها حماس وانتقدتها علنا، وبات مطروحا سؤال: من سيمثل أهل غزة: هل حماس مرة أخرى؟ أم السلطة الفلسطينية أم بديل ثالث؟ من الواضح أن حماس لن تستطيع تمثيل غزة في أي مفاوضات سابقة أو تالية للحرب، كما أن السلطة تعاني من ضعف وأزمة شرعية كبيرة وتحتاج لإصلاحات جراحية أوسع وأعمق من عملية اختيار حكومة تكنوقراط جديدة. ستبقى مشكلة حماس الأساسية أن قادة جناحها السياسي غير قادرين على قيادة التواصل الدقيق مع جناحها العسكري ولا مع العالم الخارجي، على عكس تجارب التحرر الوطني في العالم، الذين مثلوا غطاء شرعيا للجناح العسكري، وحاولوا أن يؤثروا في الرأي العام العالمي ويدافعوا عن قضايا شعوبهم، وهو بلا شك غير متاح لحركة حماس لأسباب تتعلق ببنيتها الأيديولوجية واستهداف إسرائيل لها. على غزة أن تختار من يمثلها من خبراء وفنيين وسياسيين بالتفاهم مع حماس، ودون أن يكونوا جزءا من تنظيمها، وأن يعدوا أنفسهم لكي يكونوا قادة تيار جديد داخل منظمة التحرير الفلسطينية.
الضحايا ينتظرون
أعلنت وزارة الخارجية الفلسطينية أن عملية اقتحام رفح بدأت من خلال قصف جوي، تمهيدا ودون إعلان لتفادي رفض دولي واسع لها، وفي الوقت ذاته، كما أخبرنا عبد القادر شهيب في “فيتو”، بدأت مفاوضات جديدة في قطر للتوصل إلى هدنة، وأشارت مصادر حكومية إسرائيلية إلى أنها تمتد إلى ستة أسابيع، ويتم خلالها الإفراج عن أربعين إسرائيليا محتجزين في غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.. وفي الوقت الذي أوفدت وزارة الحرب الاسرائيلية وفدا خاصا إلى واشنطن، ليتفاهم مع القادة العسكريين الأمريكيين حول سبل حماية المدنيين الفلسطينيين، خلال اقتحام رفح، فإن نتنياهو قرر أن يوفد وفدا للتفاوض حول الهدنة المنتظرة في الدوحة. وهكذا يبدو أن ثمة سباقا بين الهدنة وعملية اقتحام رفح.. وتمارس الإدارة الأمريكية ضغوطا في اتجاهات شتى للتوصل إلى الهدنة قبل انقضاء شهر رمضان وحلول عيد الفطر.. وفي الوقت نفسه لم ترفض تماما تنفيذ عملية اقتحام رفح، وإنما طالبت الإسرائيليين فقط بضمانات تخص حماية من يعيشون فيها الآن، ويبلغ عددهم 1.3 مليون فلسطيني.. أما نتنياهو فأكد أن عملية رفح ستتم سواء كانت هناك هدنة أو لم تكن هناك هدنة.. أي إنه عقد العزم على اقتحام رفح حتى بعد انقضاء الهدنة المقترح لها ستة أسابيع.. ولذلك يرفض أن تكون تلك الهدنة مرحلة في خطة لوقف القتال، وانسحاب القوات الإسرائيلية، ولو بالإشارة حتى إلى أن هذه الهدنة سوف تستثمر للتفاوض حول وقف إطلاق النار. وهذا يفسر لماذا نتنياهو ليس متحمسا للهدنة، غير أنه قبل تحت ضغوط مختلفة للتوصل إليها، منها ما هو داخلي من قبل أهالي الأسرى الإسرائيليين، ومنها ما هو خارجى تشارك فيها الإدارة الأمريكية بوسائل شتى، من بينها مشروع القرار الذي أعدته واشنطن في مجلس الأمن ويطالب بوقف فوري لإطلاق النار، وهي المرة الأولى منذ ستة أشهر من الحرب يتحدث فيها الأمريكيون عن وقف فوري لوقف إطلاق النار ووقف عملية رفح.
اللهم انصرهم
يعد الدعاء سلم الصعود للسماء ولا يشبه رمضان أي شهر آخر في طلب فرج الكربات وبسبب تواصل المآسي التي تحيط بالأمة يقصد الكثيرون طلب العون لنصرة المستضعفين ومن بينهم عبد الغني عجاج في “المشهد”: هذا العام يرتفع الدعاء في كل مساجد مصر المحروسة بأن ينصر الله إخواننا في غزة ويثبتهم ويمدهم بمدد من عنده ويرحم شهداءهم ويشفى مرضاهم ويوقف حرب الإبادة ضدهم.. كما تهتز المساجد في ربوع مصر بالدعاء لإخواننا في السودان بأن ينعم الله عليهم بالأمن والأمان وينجيهم ممن ظلمهم وبدّل أمنهم خوفا ودمر بيوتهم ومدارسهم وشتتهم. ورمضان بحق هو شهر الدعاء الذي يحبه الله سبحانه وتعالى من عباده (وقال ربكم ادعوني استجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين) و(ادعوه مخلصين له الدين) والرسول الكريم صل الله عليه وسلم أبلغنا أن: الدعاء هو العبادة.. وليس شيئا أكرم على الله عز وجل من الدعاء. وسبحانه وتعالى يحب من يدعوه بإخلاص، كما أخبرنا المصطفى صلى الله عليه وسلم: سلوا الله من فضله فإن الله يحب أن يُسأل والتضرع إلى الله يرفع البأساء والضراء (وقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون) والضراعة تنجينا من قسوة القلوب (فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين) اللهم احفظ بلادنا التي كرمتها بالذكر في كتابك الكريم وأفض عليها من بركاتك ووفقنا للإخلاص في قنوتنا وتضرعنا يا أكرم الأكرمين واجعل قلوبنا تدعوك قبل ألسنتنا.
كفاهم فرقة
الأحداث الدامية في غزة تحتم وحدة الصف، وأن يكون لفتح وحماس والفصائل الفلسطينية، عدو واحد مشترك هو إسرائيل، وفق ما يرى كرم جبر في “الأخبار”، حتى تنتهي المعاناة ويبزغ في الأفق أمل جديد بإقامة الدولة الفلسطينية، في ظل التأييد الدولي الكبير لتحقيق السلام. إسرائيل هي المستفيد من الخلاف بين فتح وحماس، وتلعب دائما على أوتار الفتنة والوقيعة، ولن يكون في صالحها وحدة الصف الفلسطيني، وتزعم طوال الوقت أنها لا تجد من تتفاوض معه. القضية الفلسطينية تمر الآن بأخطر منحنى في تاريخها، في ظل إصرار إسرائيل على التهجير القسري، وتفريغ غزة من سكانها، وتنفيذ نظام أمني جديد يتيح لها السيطرة العسكرية الدائمة على الضفة الغربية وغزة. وإسرائيل لها هدف ثابت هو القضاء على حماس وتقطيع غزة إلى مناطق منعزلة يُسهل السيطرة عليها، وبعد ذلك تنتقل إلى تطبيق النموذج نفسه في الضفة الغربية، والأمر يتطلب موقفا فلسطينيا واحدا للتصدي للمؤامرة الكبرى. والرأي العام في إسرائيل أصبح مُخضبا بالدماء، ولا تسمع صوتا للسلام، وإنما صراخ المهاويس بالقضاء على الفلسطينيين ومحوهم من الوجود، واغتروا بالقوة الغاشمة في غزة ويعتبرونها الفرصة السانحة للتخلص من حماس. يجب أن لا تضيع قطرة دماء فلسطينية واحدة هباء، ولا أن تفلت إسرائيل بجريمتها الكبرى دون عقاب، ولن يتحقق ذلك في ظل تشتيت الجهود واختلاف المواقف بين الإخوة الفلسطينيين، وتبادل الاتهامات في وقت لا يحتمل إلا وحدة الصف. لن تشرق شمس الحرية على فلسطين الحزينة إلا إذا كان أبناؤها يدا واحدة، وتصوب البندقية في رأس المغتصب القاتل الذي يحتل الأرض وينكر الحقوق المشروعة، ويتمادى في حرب إجرامية شرسة، دون رادع من قانون أو أخلاق أو ضمير. وحدة الصف الفلسطيني هي التي تجعل الموقف العربي قويا وصلبا، وتحفز الأشقاء العرب على ممارسة أقصى الضغوط على الولايات المتحدة وإسرائيل، وأن مصير العلاقات معهما رهن بتسوية القضية الفلسطينية. وحدة الصف الفلسطيني هي كلمة السر لوقف إطلاق النار ووضع نهاية للمذابح، وبداية الطريق الطويل للحل النهائي.
مبدعون كذلك
رغم كل ما تعرضت له غزة من عمليات إبادة تقودها الوحشية الإسرائيلية فإن مبادرات كثيرة خلقتها الحرب تستهدف توثيق ما يجري بغرض تمكين الرواية الفلسطينية المضادة للرواية، التي تعمل إسرائيل على تسييدها. وبفضل تلك المبادرات التي يهتم بها سيد محمود في “الشروق”، تتزايد كل يوم في العالم الأصوات الداعية إلى وقف الحرب، كما تنضم أسماء كبيرة للمظاهرات المؤيدة للحق الفلسطيني. في الأدب كما في كل أشكال الفنون ينبغي دائما الالتفات إلى ألم الآخرين، والوقوف مع الضحية، وبفضل هذا الالتفات يمكن الاستماع إلى أصوات الضحايا، وفي دراسات ما بعد الاستعمار التي لعب المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد دورا في إبرازها، يمكننا الوقوف طويلا أمام الدور الذي لعبه الأدب المكتوب بالإنكليزية من قبل أبناء المستعمرات في فضح خطاب المستعمر، وإسقاط حججه عبر استعمال لغته، ويمكن للصورة أن تؤدي اليوم الدور الذي كانت اللغة تؤديه. وشيء من هذا يحدث في فلسطين الآن حيث تسعى بعض الأسماء الفلسطينية التي حققت نجاحا كبيرا في العالم، إلى الوجود في غزة من جديد وتوثيق ما يجري بغرض إتاحته أمام وسائل الإعلام في العالم وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، أو على الأقل حفظ الذاكرة الفلسطينية. وفي الكتاب المهم “الرد بالكتابة” الذي كتبه بيل أشكروفت وجاريث جريفيت وهيلين تيفن، يمكننا العثور على عبارة مهمة ودالة تقول إن الاهتمام بالمكان، والإزاحة عن المكان يمثل ملمحا رئيسيا من ملامح آداب ما بعد الكونيالية، وهو ما يعني شيوع الاهتمام بتطوير، أو استعادة علاقة فعالة بين الذات والمكان لتحديد الهوية، وهذا بالضبط ما تستهدفه مبادرات عديدة أتابعها على مواقع التواصل الاجتماعي، ويقف خلف أبرزها المخرج السينمائي الفلسطيني البارز رشيد مشهراوي، الذي درّب بعض الشباب هناك على حمل الكاميرا، وتسجيل أفلام قصيرة تتضمن القصص التي تهملها الفضائيات.
على هدي كنفاني
يصف سيد محمود تأثير الفلسطينية سوزان أبوالهوى بأنه كان طاغيا، ليس لأن ما نقلت له كان مؤلما، وإنما لأنها عبرت عنه بنبرة صادقة يصعب تفاديها، فقد جاءت من الولايات المتحدة، ومعها فريق للمساعدة في توفير مواد الإغاثة وبعض شروط الحياة التي تقف تحت بند الحد الأدنى. ورغم صعوبة الظروف التي عاشتها في غزة، فإنها أصرت على تنظيم ورش لتعليم الكتابة الإبداعية، فقد كان هدفها أن يتمكن الفلسطينيون مستقبلا من كتابة ألمهم في نصوص إبداعية ذات قيمة فنية، لأن التجربة وحدها لا تكفي والمهم كيفية التعبير عنها. وحين سألها عن الأدوار المتعددة التي تؤديها وهي الروائية والناشطة الحقيقية والطبيبة في المعامل، استعادت نموذج الشهيد غسان كنفاني الذي كان قاصا عظيما وصحافيا مبدعا ومناضلا فذا، استهدفته إسرائيل في جريمة بشعة لتوقف حضوره، فصار أكثر حضورا بعد أكثر من 50 عاما على وفاته. تقول أبوالهوى إن مصدر الخطر على القضية الفلسطينية يأتي من قدرة إسرائيل على إقناعنا بعجزنا وفرض هيمنتها فيما سمته بـ«استعمار المخيلة»، وهو تعبير استعمله مالك بن نبي في حديثه عن العقول التي تهيئ نفسها للاستعمار. كما ترى أن هناك «انتكاسة للضمير الإنسانى»، فنحن نتراجع كبشر، بل نتخلف، كما أن العالم كله يشاهد ما يجري في غزة، ويتجاهل الأصوات التي تدعو إلى وقف الحرب وإغاثة الفلسطينيين، وهي المرة الأولى التي تبث فيها مشاهد الإبادة على الهواء، بينما يمكن في اللحظة ذاتها رؤية الصهاينة على (تيك توك)، وهم يحتفلون في تشفٍ لا يمكن نسيانه أبدا. لا تعرف الروائية الفلسطينية البارزة صاحبة رواية “بينما ينام العالم” كيف سيعود الناس في غزة من تلك اللحظة التي قذفت بهم خارج شروط الحياة، لكنها لا تتوقف عن العمل ليبقى الصوت الفلسطيني فعالا، فالفلسطينيون ليسوا الهنود الحمر في القرن الحالي، لسبب بالغ البساطة، وهو أن فلسطين تملك أصواتا فاعلة في كل مكان بالعالم، ولن ترضى بالصمت أبدا.
كلام في الهواء
سيطرت الدهشة على محمد أمين في “المصري اليوم” بعد أن قرأ تصريحات للدكتور مصطفى مدبولى، رئيس الوزراء، التي قال فيها: “لا عذر لاستمرار ارتفاع الأسعار، ولا مبرر للزيادة”. وأنا أستطيع أن أسأل، وأنت تستطيع أن تسأل هذا السؤال.. إنما رئيس الوزراء كمسؤول تنفيذي لا يسأل، وإنما تكون لديه خطة تنفيذية لانخفاض الأسعار، وكتابة الأسعار على السلع، ولديه قرارات للمخالفين من التجار. كان الدكتور مدبولى قد ترأس اجتماعا، مؤخرا، لضبط الأسواق وأسعار السلع، حضره وزراء التموين والتجارة والصناعة والتخطيط، ورئيس هيئة الاستثمار، ورئيس اتحاد الغرف التجارية ورئيس جهاز حماية المستهلك، ورئيس جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية، ومسؤولو الوزارات والجهات المعنية، وهو الاجتماع الذي طالبت به بالمصادفة قبل أيام لضبط السوق. ويبدو أنني طلبت ذلك أثناء انعقاد الاجتماع بالهيئة التي ذكرتها في السطور السابقة، ومعنى أن رئيس الوزراء حدد اجتماعا، أن التقارير التي وصلت إليه كانت تؤكد أن الناس وصلت إلى منطقة الخطر، ما دفعه للاجتماع والتخفيف عن المواطنين، وأنه لن يتركهم يواجهون الأسعار بصدر عار، في وقت تم فيه تخفيض قيمة الدولار والإفراج عن البضائع منذ عشرة أيام من الميناء، ولم نشعر بتحسن إطلاقا بحجة التخفيض بعد نفاد المخزون. شرح رئيس الوزراء الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لتخفيض الأسعار، وقال: وفرنا الدولار وحررنا سعر الصرف وتم الإفراج عن السلع من الجمارك، وبدأت السلع تتوافر بالفعل في الأسواق، لكن متى يشعر المواطن بانخفاض الأسعار؟ وأتصور أن رئيس الوزراء كان يذهب للاجتماع بقائمة من السلع الاستراتيجية ويطلب من المجتمعين أن تنزل بمقدار معين طبقا لسعرها الحقيقي، من تاريخه، ويهدد الحاضرين باتخاذ إجراءات معينة في حال استمرار الزيادة، ويطلب من ممثل التجار التخفيض والعودة لما قبل الزيادة في الأسعار، أو تحصيل فروق الأسعار من التجار، وتعويض المواطنين، حتى تنعكس التخفيضات بشكل ملحوظ على السوق، ويستفيد منها المواطن. هذه القائمة يجب أن تشمل الزيت والدقيق والسكر واللحوم والدواجن المجمدة والحية بعد الإفراج عن الأعلاف، خاصة أن الدولار أصبح في السوق أقل من سعره في السوق السوداء الذي اشترى به التجار. الآن مطلوب التخفيض وإلا فهذا ثراء محرم يجب أن يحاسبوا عليه بكل شفافية، فالحكومة لا تتسول التخفيض من أحد.
حلم الملايين
يتفق الدكتور محمد حسن البنا في “الأخبار” مع الحكومة في أن أسعار السلع في الأسواق غير عادلة، وأنها تطالب التجار والصناع وموردي السلع لخفضها. وقد اعترفت الحكومة بأن أسعار السلع المعروضة في الأسواق غير طبيعية. وأعلن وزير التموين أن الفترة المقبلة ستشهد انخفاضا في أسعار السلع. بعد ترأس الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء اجتماعا موسعا أمس للجنة ضبط الأسواق وأسعار السلع. يساعد في تحقيق ذلك الإجراءات التي اتخذتها الحكومة خلال الفترة الأخيرة مع البنك المركزي، من توافر الدولار، وتحرير سعر الصرف، وانخفاض سعره عن سعر السوق الموازية. وبالتالي الإفراج عن السلع من الجمارك. ويتم بوتيرة متسارعة تدبير موارد نقد أجنبية بهدف الإفراج عن السلع والبضائع. وفعلا بدأت السلع تتوافر في الأسواق. ومن المهم أن يشعر المواطن بذلك في هيئة انخفاض الأسعار. قال مدبولي: المواطن عانى خلال الفترة الأخيرة من ارتفاعات في الأسعار، واليوم يجب أن يسمع أخبارا مُبشرة وإيجابية من التجار، وأن يكون هناك انخفاض سريع في الأسعار. اعترف رئيس الاتحاد العام للغرف التجارية بمؤشرات انخفاض أسعار عدد من السلع، من بينها الزيت، والأرز. رئيس الوزراء نبه في الاجتماع إلى أنه لا يوجد أي عذر حاليا، ولا يوجد أي منطق لاستمرار ارتفاع الأسعار. يجب أن يرى المواطن انخفاضا في أسعار السلع خلال الأيام المقبلة. ورأت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية أنه من المهم أن يشعر المواطن بانخفاض أسعار السلع، خاصة الأساسية منها، لأنه كلما ارتفعت أسعار السلع الأساسية ارتفعت معدلات التضخم، وهو ما يسهم في إحداث العديد من التأثيرات السلبية. وبينت أنه من مصلحة الصناع والتجار والمستهلك، والمجتمع كله أن تنخفض معدلات التضخم، حتى يتحسن الاقتصاد بوجه عام. لهذا كان تأكيد وزير التموين والتجارة الداخلية بأن عددا من السلع شهدت الفترة الأخيرة انخفاضا في أسعارها. وأن الفترة المقبلة ستشهد المزيد من الانخفاضات الجديدة في أسعار السلع.
رغم أنوفهم
رغم أنف الغرب فاز بوتين بولاية خامسة لرئاسة روسيا، وبغض النظر عن طريقة الانتخابات في روسيا، فهذه أمور اعتبرها عبد المحسن سلامة في “الأهرام” تخص الشأن الداخلي الروسي وشعب روسيا، رغم أن فوز بوتين بفترة رئاسية جديدة كان بمثابة لطمة قوية على وجه الغرب. ربما نتفق أو نختلف على سياسات بوتين وأفكاره لكنه على الأقل لا ينادي بشيء ويفعل عكسه مثل أمريكا والغرب. الأمريكيون ومعهم الغرب صدعونا بالحديث عن الحريات، وحقوق الإنسان، والحق في الحياة، والمساواة وعدم التمييز، والآن يمارسون أسوأ جرائم الإبادة الجماعية في غزة برعايتهم ودعمهم المطلق للنازيين الجدد في إسرائيل الذين قاموا بتحويل غزة إلى أكبر مقبرة في العالم بعد أن كانت أكبر سجن في العالم باعتراف جوزيب بوريل مسؤول السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي. ربما تكون سياسات الغرب «الحمقاء» في العالم وكراهيتهم للروس، أحد الأسباب القوية التي جعلت الشعب الروسى يلتف حول قائده بوتين، بعد أن انكشفت أكاذيب الغرب، ونفاقه، ومعاييره المزدوجة، واحتقاره للآخرين. هناك معركة حامية الوطيس بين الغرب وروسيا دائرة الآن في أوكرانيا، حيث تقوم أوكرانيا بالحرب بالوكالة عن أمريكا والغرب، وما هي إلا مجرد مخلب قط للغرب وأمريكا، من أجل القيام بتنفيذ الأجندة الغربية، والقيام بكل ما من شأنه تهديد الأمن الروسي، حسب وجهة النظر الروسية التي يقف الغرب لها بالمرصاد رافضا مختلف المبررات التي تطلقها موسكو مبررا لحربها.
غرب متناقض
كشأن نفر من الكتاب يرى عبد المحسن سلامة أن هناك تشابها كبيرا بين أوكرانيا وإسرائيل، حيث تقوم إسرائيل بدور الوكيل عن أمريكا والغرب في حربها على غزة، لأنه لولا الدعم الغربي والأمريكي لإسرائيل لما استطاعت إسرائيل أن تقوم بعدوانها على غزة، أو عدوانها السابق على الدول العربية، أو احتلالها الأراضي العربية بشكل غير مشروع، ورفضها لكل نداءات السلام. أوكرانيا تقوم بالدور نفسه، لكنها اصطدمت بالدب الروسي الذي استطاع تفكيك أوصالها واحتلال أجزاء كبيرة منها، ولولا الغرب وأمريكا لكانت أوكرانيا تحت الاحتلال بشكل كامل الآن. الغرب المتناقض يظهر في النموذجين، فهو يقول إنه يرفض الاحتلال الروسي للأراضى الأوكرانية، لكنه يقبل ويدعم الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، والأراضي السورية، والأراضي اللبنانية حتى الآن، كما أنه يرفض الاعتراف بالدولة الفلسطينية بشكل عاجل بما يجعلها دولة كاملة العضوية في المحافل الدولية. هو التناقض والأكاذيب وسياسة المعايير المزدوجة، والنفاق الغربي الفج الذي دفع الشعب الروسي للالتفاف حول رئيسه ليفوز بولاية جديدة في مواجهة العداء الغربى لكل من يختلف معهم. بوتين وجه رسالة نارية للغرب في خطاب النصر، وأوضح أن احتمال نشوب صراع واسع النطاق على الغرب قائم، وأن أي تفكير من الغرب في توسيع نطاق الصراع يمكن أن يؤدي إلى حرب عالمية ثالثة. أتمنى أن يكون نجاح بوتين فرصة ليعيد الغرب تفكيره في مناطق الصراع مرة أخرى خاصة في منطقة الشرق الأوسط والتخلي عن النازيين الجدد في إسرائيل.
البحث عن بديل
يتساءل فاروق جويدة في “الأهرام”: هل يعقل أن يعيش شعب عشرات السنين يغني أغنية وحيدة، هذا ما حدث معنا، فما زالت أغنية محمد عبدالمطلب «رمضان جانا» تملأ سماء أيامنا كلما جاء الشهر المبارك، ولا يقابلها في الانتشار غير أغنية « ليلة العيد» لكوكب الشرق أم كلثوم.. هل هو إفلاس أم أزمة الذوق العام؟ أم أن المناسبات الدينية لم تعد كما كانت؟ سنوات طويلة لم تظهر أغنية إلى جانب أغنية أم كلثوم للعيد أو أغنية عبدالمطلب لرمضان، رغم آلاف الأغاني التي ظهرت ولم يحفظها أحد، ولا أدري السر وراء بقاء الأغاني القديمة، هل هو حنين للماضي، أم أن الزمان كان أجمل أم أن الذوق العام كان أكثر رقيا؟ أم أن مستوى المواهب لم يعد كما كان.. حكى لي الموسيقار محمد عبدالوهاب حكاية عن أمير الشعراء أحمد شوقي ومحمد عبدالمطلب: كنت يوما في باريس برفقة شوقي ودخلنا أحد الفنادق ووجدنا أحد أثرياء مصر الكبار الذي اندفع يصافح شوقي وفوجئت بأن شوقي صافحه ببرود شديد، وبعد خطوات في مدخل الفندق كان يجلس محمد عبدالمطلب الذي صافحه شوقى بحرارة، ومضينا وسألت شوقى لماذا صافحت الباشا فلان ببرود وصافحت عبدالمطلب بحرارة، قال الفن هو الأبقى والفلوس إلى زوال، قلت صدقت يا باشا.. وعاشت أغنية طلب وأخذت الثورة أموال الثري المصري.. ويكمل عبدالوهاب: وكان هذا من دروس حياتي التي تعلمتها من أمير الشعراء أن الفن هو الخلود الحقيقي.