رأي القدس خيرا فعل الرئيس محمد مرسي باعلانه احترام حكم المحكمة الدستورية الصادر يوم امس الاول بوقف تنفيذ قراره بعودة مجلس الشعب (البرلمان) الى الانعقاد، لانه بهذا القرار اثبت حرصا على تجنيب البلاد صداما سياسيا ربما يتطور الى صدام عسكري يزعزع استقرار مصر لاشهر وربما لسنوات قادمة.احترام حكم المحكمة الدستورية من قبل الرئيس المصري قد ينظر اليه على انه تراجع من قبله، وقد يكون الحال كذلك، فلا يعيبه ان يتراجع من اجل مصلحة مصر وشعبها وامنها واستقرارها ووحدتها الوطنية.الرئيس مرسي انتقل، بعد انتخابه رئيسا شرعيا للبلاد من كونه عضوا قياديا في حركة سياسية دينية الى شخصية سياسية تتربع على قمة السلطة التنفيذية المصرية، الامر الذي يحتم عليه ان يتصرف بطريقة براغماتية مرنة مثل جميع السياسيين من امثاله.نحن لا نبرر للرجل تراجعه، ولكننا نظهر محاسنه ونبرز اهميته بالنسبة الى مصر والمنطقة، ونوضح مخاطر العناد في الموقف الخطأ، ونحذر من تبعاته، اي العناد، وعلينا ان نضع في اعتبارنا ان الرجل وحركته الاسلامية، يعتبران، وبعد اكثر من تسعين عاما في المعارضة والسجون، بانهما لا يملكان الخبرة والدهاء السياسي في كيفية ادارة دولة في حجم مصر.كنا من بين القلائل الذين وصفنا خطوة الدكتور مرسي في اعادة العمل البرلماني تحديا للمؤسسة العسكرية والمحكمة الدستورية بانها خطوة متسرعة ايا كانت دوافعها، وقلنا في هذا المكان انه كان واجبا عليه التحلي بالصبر وكظم الغيظ، واعطاء اولوية لتشكيل الحكومة، ومعرفة مفاصل الدولة، وكيفية ادائها، وتعزيز تحالفاته مع مختلف الجبهات السياسية ثم بعد ذلك يمكن الانتقال الى اتخاذ مواقف يراها حتمية مثل اعادة عمل البرلمان.الدكتور مرسي، ومعظم المنتسبين الى التيار الاسلامي، يشعرون، وهذا حقهم، انهم سلبوا (بضم السين) حقا شرعيا دستوريا بالغاء البرلمان الذي يسيطرون على ثلاثة ارباع مقاعده، واعتمدوا على فتاوى قانونية ودستورية من خبراء يؤيدون هذا الموقف، ولذلك ارادوا ان يصححوا ما يعتقدون انه خطأ في حقهم، وسلب لانجازهم.المجلس العسكري الاعلى للقوات المسلحة الذي استحوذ على السلطة التشريعية بعد حل مجلس الشعب، تعاطى بدهاء يحسب له عندما لم يقدم على اي رد فعل غير محسوب على تحدي الدكتور مرسي بالغاء قرار المحكمة الدستورية بحل مجلس الشعب، وحول المسألة الى قضية دستورية، ومعركة قانونية بين الرئيس الجديد والمؤسسة القضائية، وادعى انه ليس طرفا، واكد على احترامه للدستور وهوية الدولة المصرية كدولة مؤسسات.وربما يجادل البعض في اوساط حركة الاخوان بان الرئيس مرسي بخطوته هذه بالتشكيك في دستورية حكم المحكمة الدستورية في حل مجلس الشعب، اراد اختبار قوة المجلس العسكري، ومحاولة انتزاع المزيد من الصلاحيات، وتأكيد هيبته كرئيس قوي، وهذا جدل ينطوي على الكثير من الصحة، ولكن مشكلة الرئيس مرسي، ان الطرف الآخر متربص ويملك رصيدا كبيرا في التعاطي مع التحديات الصعبة، اكتسبها على مدى اربعين عاما من العمل في قلب السلطة وليس دهاليزها فقط.المنتصر في جولة التحدي الاولى هذه هو الشعب المصري الذي يتطلع الى الامن والاستقرار، ويريد من نخبته السياسية التعايش والتآلف، وليس التصارع، في هذه المرحلة الانتقالية الحرجة من تاريخ البلاد.مصر تحتاج الحكمة والتبصر في هذه المرحلة وتراجع الرئيس مرسي عن قراره هو تجسيد لذلك، والمأمول ان يتم استيعاب جوانب تجربة الايام الاربعة الماضية المرعبة التي اقتربت فيها مصر من حافة هاوية صدام مرعب ومدمر بين رئيس جديد ومؤسسة عسكرية قوية متهيئة لتعزيز سيطرتها على سلطة ما زالت متشبثة فيها من خلف ستار.Twitter: @abdelbariatwan