ترامب أم بايدن؟

حجم الخط
1

كلما اقترب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية في مطلع الشهر القادم، تفاقم ترقب اللاعبين السياسيين في هذه المنطقة المضطربة من العالم. إن فوز دونالد ترامب بولاية ثانية سيريح دولاً وقوى فاعلة، مقابل احتمال فوز بايدن الذي تتمناه دول وقوى أخرى، وتثير مخاوف دول وقوى مقابلة. هذا مفهوم بالنظر إلى وزن الولايات المتحدة في معادلات القوة الدولية، وتاريخها المرتبط بالتدخل في مجرى الأحداث في مختلف مناطق العالم، سواء بواسطة القوة العسكرية أو الأدوات الاقتصادية أو الدبلوماسية النشطة أو غيرها من الوسائل.
ولكن سواء فاز الجمهوري ترامب بولاية ثانية أو الديمقراطي بايدن، ثمة ثوابت في السياسة الخارجية الأمريكية تتعلق أولاً بمفهوم الأمن القومي، وثانياً بالمصالح الاقتصادية، وكلاهما مفهومان قابلان للتأويل، وهذا ما يمنح الإدارات المختلفة هامشاً للتغيير أو الثبات على ما هو قائم. على سبيل المثال فإن الالتزام بأمن إسرائيل هو من ثوابت السياسة الخارجية الأمريكية بصرف النظر عن هوية الجالس في البيت الأبيض أو فريقه، أو الحزب المسيطر على الغالبية في مجلسي النواب والشيوخ.
أما إيران أو تركيا أو دول الخليج فقد اتضح، خلال العقد المنصرم، أن السياسة الأمريكية تجاهها ليست من الثوابت. إيران التي كانت، منذ قيام ثورتها الإسلامية في 1979، «دولة مارقة» في قاموس الخارجية والأمن القومي الأمريكيين، كادت تتحول، في عهد باراك أوباما، إلى دولة مدللة، بسبب رضوخ المذكور لمنطق الابتزاز الإيراني باحتمال امتلاك قنبلة نووية، فعمل أوباما كل ما في وسعه، دبلوماسياً، للوصول إلى الاتفاق النووي متعدد الأطراف، وغض النظر عن برنامجها الصاروخي واختراقاتها لمجتمعات عدد من الدول العربية وصولاً إلى جنوب لبنان الذي شكل، بواسطة حزب الله، جبهة متقدمة لإيران على حدود إسرائيل، وموطئ قدم لها على شاطئ البحر الأبيض المتوسط.
تغير كل ذلك، إلى حد كبير، مع وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض قبل أربع سنوات، فأصبحت إيران في المرمى الأمريكي ـ الإسرائيلي، بعد انسحاب واشنطن الأحادي من الاتفاق النووي، وبعد انهيار الوضع في سوريا مما سمح بشن إسرائيل سلسلة لا تنتهي من الضربات الجوية التي تستهدف الوجود الإيراني على الأراضي السورية.
والحال هذه مفهوم أن يترقب قادة إيران بقلق نتائج الانتخابات الأمريكية المقبلة، آملين أن ينجح الديمقراطي بايدن الذي يتوقع أن يستأنف السياسة الأوبامية المتسامحة تجاه إيران، وهو ما يعني تغييرات إقليمية كبيرة تصب في مصلحتها، إضافة إلى العودة إلى الاتفاق النووي ورفع العقوبات القاسية عن طهران. من نافل القول إن حزب الله في لبنان يقف في الصف نفسه من آملي فوز بايدن والخائفين من فوز ترامب.

سواء فاز الجمهوري ترامب بولاية ثانية أو الديمقراطي بايدن، ثمة ثوابت في السياسة الخارجية الأمريكية تتعلق أولاً بمفهوم الأمن القومي، وثانياً بالمصالح الاقتصادية، وكلاهما مفهومان قابلان للتأويل، وهذا ما يمنح الإدارات المختلفة هامشاً للتغيير أو الثبات

قد يختلف الأمر في دمشق، وإن كان نظام بشار الغارق حتى أذنيه في مستنقع أزماته لن يضيره بقاء ترامب أو رحيله لمصلحة بايدن، ما دام كلاهما بعيدين عن العمل النشط للإطاحة به. غير أن الوجود العسكري الأمريكي في الشمال الشرقي من البلاد هو ما قد يتغير وفقاً لمن يكون الرئيس المقبل في الولايات المتحدة.
فترامب الذي أعلن ثلاث مرات عن نيته سحب قواته من تلك المنطقة، وسحب فعلاً القسم الأكبر من تلك القوات، قد ينسحب نهائياً من هناك إذا استطاع إثبات أنه تم القضاء نهائياً على بقايا قوات «داعش» في حين أن إدارة ديمقراطية بقيادة جو بايدن قد تميل إلى إبقاء القوات لفترة أطول أو ربما تعزيزها بأعداد إضافية من الجنود، لحماية «قوات سوريا الديمقراطية» من تركيا.
في تركيا ترقب كبير أيضاً لنتائج الانتخابات الأمريكية. إن فوز ترامب بولاية ثانية من شأنه أن يريح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حتى موعد الانتخابات المقبلة في خريف العام 2023 وهو الذي تربطه علاقة خاصة مع الرئيس الأمريكي حمته، إلى الآن، من مطبات كثيرة، خاصة أن التدخلات التركية في محيطها الإقليمي قد تصاعدت، في الآونة الأخيرة، وتثير استياء كثير من الدول، بما في ذلك المؤسسة الأمريكية نفسها. فمن شمال سوريا والعراق إلى ليبيا فقبرص وشرقي المتوسط إلى القوقاز إلى بحر إيجة نرى تركيا طرفاً في الصراعات الدائرة في تلك المناطق، ودائماً على الطرف الآخر من اصطفافات الدول الغربية. وهو ما يساهم أيضاً في إنعاش الانتقادات الغربية للقيادة التركية في ميادين الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات الإعلامية وغيرها من المسائل الداخلية. إن فوزاً محتملاً لجو بايدن في الانتخابات الرئاسية سيكون بمثابة خبر سيئ جداً لأردوغان وحزبه الحاكم، بل إن كثيراً من معارضيه، أحزاباً وأفراداً، يفرطون في تحليلاتهم الرغبوية فيتوقعون رحيل أردوغان عن السلطة في حال تغيرت الإدارة الأمريكية في واشنطن، وذلك بسبب زوال المظلة الترامبية الحامية له. وقبل نحو شهرين انشغل الرأي العام التركي بتصريحات بائتة لبايدن تحدث فيها بلا مواربة عن وجوب دعم الولايات المتحدة لتغيير سياسي في أنقرة «بواسطة صناديق الاقتراع، وليس بواسطة انقلاب عسكري»!.
حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا وإدارته الذاتية، طباقاً مع الحسابات التركية، يتمنى فوز بايدن لأن من شأن ذلك الحصول على ضمان أقوى فيما خص مصير المنطقة التي يسيطر عليها.
أما المحور السعودي ـ الإماراتي فمن المحتمل أنه مرتاح إلى الشراكة مع ترامب وصهره كوشنر، ومن خلالهما العلاقة مع إسرائيل، مقابل الخوف من فوز بايدن الذي من المرجح أن يعيد السيرة الأوبامية في تدليل إيران.
هذه الترقبات المختلفة لنتائج الانتخابات الأمريكية تظهر لنا، من ناحية أخرى، كم تغيرت اللوحة الجيو سياسية في اقليمنا، بحيث تحولت إسرائيل من دولة منبوذة إلى حليف بالنسبة لبعض الدول العربية، وكيف تحولت تركيا من دولة صديقة إلى عدو بالنسبة للمحور المذكور نفسه ومعه النظام السوري، والتحولات التي طرأت على موقع إيران ودورها في الإقليم.

كاتب سوري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول ماغون:

    انتهت مهمة ترامب وقد نال مكافأته مسبقا من خزائن العربان.
    كل له دوره؛ بايدن أو غيره؛ أمام دور الفرد العربي المتخاذل.

إشترك في قائمتنا البريدية