رام الله ـ «القدس العربي»: يمتلك الفلسطينيون خبرة الأعوام 2016-2020 لتقييم رئيس البيت الأبيض الجديد دونالد ترامب، والمؤكد أنه ليس الرئيس المفضل لهم، وهم بطبيعة الحال مضطرون على التعامل معه. لقد جاء خبر فوزه من ضمن آخر الأخبار التي كانت القيادة الفلسطينية تتمنى سماعها، رغم أنها مدركة حسب د. واصل أبو يوسف، عضو اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير أن «لا فرق في السياسة الأمريكية ما بين الجمهوريين أو الديمقراطيين، فهي واحدة».
يكمل أبو يوسف: «كل الحكومات المتعاقبة تشترك في حماية الاحتلال والشراكة الكاملة معه ضمن الحرب المعلنة ضد الفلسطينيين إلى جانب عملية التسويف لمسار التسوية السلمي».
ويقول: «لقد تبنت إدارة بايدن المواقف الاحتلالية كاملة، كما أنها كانت شريكة في كل الجرائم التي نفذت خلال الحرب على غزة، أما ترامب فقد طرح تصفية القضية عبر صفقة القرن، وشطب حق العودة وشرعن المستوطنات في الأراضي المحتلة وبالتالي عدم إمكانية إقامة الدولة الفلسطينية».
ويكمل: «ترامب نجح وأصبح رئيسا. نعتقد أن الشعب الفلسطيني يواجه مخاطر وتحديات كبيرة، وهو ما يتطلب، أولا: إطلاق كامل الجهود لتثبيت حقوقه والتمسك بها. وثانيا: الوحدة الوطنية الفلسطينية التي هي صمام أمان للشعب الفلسطيني».
ويرى أبو يوسف أنه لا يمكن الخوض في أي موضوع من دون وقف الحرب على غزة.
في المقابل، يسود شعور بالنشوة والبهجة بين صفوف قادة المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة بعد فوز ترامب وهم ينتظرون دخوله إلى البيت الأبيض وفي جعبتهم خطة عمل واضحة، تشمل توسيع الاستيطان من خلال شرعنة بؤر استيطانية عشوائية، إخراج مخططات بناء في المستوطنات إلى حيز التنفيذ، إلغاء العقوبات التي فرضتها إدارة بايدن المنتهية ولايتها، ضم مناطق في الضفة إلى إسرائيل، والاستيطان في مناطق في قطاع غزة إلى جانب ضم الضفة الغربية إلى إسرائيل حسب صحيفة «يسرائيل هيوم».
وكان من أبرز الأخبار التي تداولتها الصحف الإسرائيلية أن الإدارة الأمريكية دعت رئيس مجلس مستوطنات الضفة يوسي داغان لحضور حفل تنصيب ترامب، في إشارة واضحة لعمق العلاقة.
استكمال ما بدأ سابقا
وتحدث الدكتور والمحلل السياسي إبراهيم ربايعة لـ«القدس العربي» حول السيناريوهات المرتبطة بعودة ترامب بالنسبة للقضية الفلسطينية وتحديدا الضفة الغربية، حيث رأى أن «جزءا منها سيكون استكمال ما بدأه ترامب في الولاية الأولى، وبجزء منها متصل بالتحولات التي فرضت بالحرب على قطاع غزة».
وفيما يرتبط ما بدأ في فترة رئاسته الأولى يرى ربايعة أنه «سيصبح من الأسهل على إسرائيل ضم المناطق المصنفة (ج) في الضفة الغربية، أيضا ستغيب الأصوات الناقدة للفعل الاستيطاني في الضفة التي كانت خجولة لكنها كانت حاضرة في فترة الديمقراطيين السابقة».
وتابع: «الأمر الثاني مرتبط بعدم وجود أي تبعات بنظر ترامب للقانون الدولي، وبالتالي محكمة العدل الدولية وقرارها المتصل بالاحتلال وتبعاته أو أي ارتدادات لمحكمة الجنايات الدولية على الضفة الغربية، وبالتالي من المتوقع أن يسير ترامب بالاتجاه الذي يتجاهل القانون الدولي».
كما أن من المتوقع أن يذهب ترامب لصفقة «القرن بلس» بحيث يمكن أن «تأخذ بعين التحولات التي أحدثتها إسرائيل في قطاع غزة، حيث تلتهم120 كم من مساحة القطاع التي تبلغ 360 كم» حسب ربايعة، وهو أمر يرتبط بالواقع الجديد في الضفة الذي فرض بفعل بكثافة الاستيطان وسياسات سموتريتش وتسارع التشريع المساند للمشروع الاستيطاني، بفعل طبيعة الحكومة الإسرائيلية ومحاولات استقرارها.
ويشدد على أن ترامب مختلف عن الديمقراطيين، «فهو يبدأ من حيث معطيات الأمر الواقع وليس من حيث الرؤية الأمريكية المتصلة بحل الدولتين، بمعنى عندما تحدث عن صفقة القرن تحدث عن معطى الأمر القائم، الذي من المتوقع أن يستمر وهو أسوأ بكثير مما تركه ترامب سابقا».
وختم: «المختلف هو أن الحالة الفلسطينية أكثر هشاشة مما كانت عليه في فترة ترامب».
البقاء بأي ثمن
ويرى الباحث في علم الاجتماع السياسي أحمد أبو الهيجا أن سياسة السلطة وخيارتها إزاء فوز دونالد ترامب في علاقته بالقضية الفلسطينية ستكون ضمن الخيار الاستراتيجي الذي اتخذته بعد السابع من أكتوبر حيث تجلى ذلك في سياسة البقاء بأي ثمن، بمعزل عن النتائج أو حجم التنازلات، وهي «حالة من التحوصل وسياسة اللاخيار».
ويرى أبو الهيجا في حديث لـ «القدس العربي» أن المسألة الثانية التي ترتبط بخيارات السلطة الفلسطينية تتمثل في السير في ركب المملكة العربية السعودية، «سيكون هناك انسياق كامل للسعودية بصفتها المفتاح أمام سياسة ترامب، وهو أمر يدعمه تحسن العلاقة جزئيا بين الطرفين متمثلا بعودة الدعم السعودي للسلطة».
ويعتبر أبو الهيجا ان ترامب خيار سيء جدا بالنسبة للسلطة، في ظل أن الحزب الديمقراطي حافظ على الحد الأدنى لوجودها، ومع ذلك فليس من المتوقع أن ينفذ ترامب سياسات انقلابية تجاه السلطة «فله حدود تفرضها سياسات الدولة العميقة وتوجهاتها».
ويضيف: «أمريكا لها علاقة وثيقة بكل ما يجري في الضفة الغربية، فالأمريكان على سبيل المثال، هم طرف في تعيين قائد المنطقة الوسطى في الضفة الغربية، وهو لأول مرة أصبح عسكريا من الصهيونية الدينية لكنه بكل تأكيد ملزم بالسياسة الأمريكية في الضفة».
و»رغم أن أمريكا بحزبيها لا تعارض ممارسات إسرائيل في الضفة باستثناء السياسات والإجراءات الأكثر خشونة، وبالتالي من المتوقع ان لا يهم ترامب مسألة الاستمرار بالعمل على إضعاف السلطة، لكن المؤكد أن تبقى مسألة انهيارها خطا أحمر». ويتوقع الباحث أبو الهيجا أن مسألة التوصل لتسوية أو حلول إقليمية يمكن ان يقوي علاقة السلطة مع الإدارة الأمريكية ويجعل وضعها في الضفة الغربية مستقرا.
ويشدد على أن وضع تصور عام لليوم التالي لن يقتصر على قطاع غزة فقط، إنما سيشمل الضفة الغربية، وهو ما يجعل التوقعات تذهب إلى أن تكون الضفة مقبلة على فترة صعبة لاستكمال تصفية القضية الفلسطينية.
ويرجح أبو الهيجا، أن يتحرك ترامب لوقف الحرب على غزة، لكن في المقابل قد يبارك خطوات الحكومة اليمينية الإسرائيلية بضم الجزء الأكبر منها.
وتوقع تقليص وجود السلطة في غالبية مناطق الضفة الغربية، لا سيما شمالا وإنكار وجودها في كثير من المناطق واستبدالها تدريجيا بنماذج من القطاع الخاص وتقويتهم، وربما تحميل الأردن جزءا من المسؤولية.
ويخلص إلى أن الفلسطينيين مقبلين على فترة صعبة طويلة نسبيا لكن لن يكتب لها ان تكون بتأثيرات سلبية مبالع فيها، في ظل أن دول المحيط لن تقبل مثلا سياسات التهجير إلى الأردن أو مصر.
الجديد.. القديم
وحسب المحلل السياسي والأكاديمي بلال الشوبكي فإن ترامب يعود بـ«الجديد القديم» فقد أوضح في فترته الرئاسية السابقة رؤيته للتعامل مع القضية الفلسطينية، حيث كان من الداعمين لعدد من الخطوات التقويضية، وهي أولا: خطوة الضم والتوسع التي بدأ تنفيذها في عهد ترامب، فيما لم تحرك إدارته ساكنا في الموضوع، بل اتخذت خطوات مضافة للخطوات الإسرائيلية مثل: نقل السفارة الأمريكية في خطوة للاعتراف بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل، وهي كانت بمثابة إعلان من تلك الإدارة على أنه لا توجد رؤية أمريكية جدية للتعامل مع فكرة حل الدولتين، فمدينة القدس وتحديدا القسم الشرقي يفترض أنها عاصمة لدولة فلسطين وفقا لاتفاقية إعلان المبادئ.
المسألة الثانية حسب الشوبكي مرتبطة بخطوة تقويض وكالة الأونروا، فقد كانت عمليات تجفيف المنابع المالية للوكالة الدولية بدأت في عهده، والآن تبعها عدم اعتراف إسرائيل بالوكالة، وسيأتي ترامب لاستكمال مثل هذه الخطوات، حيث سيتم استهداف اللاجئين بعد القدس، كما سيمتد الأمر إلى دعم التمدد الاستيطاني.
ويشدد على أن مجمل ما تقوم به إسرائيل وسياسات ترامب لها علاقة بحسم القضايا النهائية التي ترتبط بقضايا الوضع الدائم، وهي كلها قضايا كان يفترض أن تكون محل تفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيليين فيما يتم فرضها كأمر واقع على الفلسطينيين.
يستشهد الشوبكي للتدليل على توقعاته بالتصريح المثير للجدل لترامب حول خريطة ما تسمى إسرائيل حيث وصفها بإنها خريطة صغيرة جدا، «كإنه كان يشير إلى عملية توسع إسرائيلي أوسع من الدائرة التاريخية لفلسطين».
رؤية مركز الأبحاث
وقبل أن تخرج نتائج الفوز الكبير لترامب قبل أيام، عقد مركز الأبحاث الفلسطيني طاولة مستديرة ناقشت السيناريوهات المتوقعة لفوز دونالد ترامب وتأثيرات ذلك على القضية الفلسطينية ومنطقة الشرق الأوسط. وركّزت المناقشات على عدة محاور رئيسية تتعلق بتوجهات ترامب المحتملة نحو التطبيع العربي الإسرائيلي، وحل الدولتين، والسياسات الخارجية، إضافة إلى مواقف الولايات المتحدة من المؤسسات الدولية، مثل الأونروا ومحكمة الجنايات الدولية، مع تقديم توصيات مهمة لمواجهة التحديات المستقبلية.
وجاء في النقاشات أن فوز ترامب متوقع منه أن تتبنى إدارته سياسات تتسم بالتشدد تجاه المنظمات الدولية الداعمة للفلسطينيين، وقد يسعى لتطبيق إجراءات ضد وكالة الأونروا، وقطع الدعم الأمريكي عنها، وربما يتجه نحو إغلاقها تمامًا. وقد يؤدي هذا إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية في غزة والضفة الغربية، حيث يعتمد ملايين اللاجئين الفلسطينيين على خدمات الأونروا في مجالات التعليم والصحة والمساعدات الإنسانية.
وتشير المناقشات إلى أن ترامب سيعمل على توسيع نطاق إسرائيل على حساب الضفة الغربية عبر دعم المستوطنات وتشجيع سياسات الضم ما يؤثر على خيار حل الدولتين. كما أنه سيشكل ضغطًا على الفلسطينيين لتعزيز وحدتهم الداخلية، خاصة بين حركتي فتح وحماس، لمواجهة أي إجراءات جديدة.
ويرى المحللون أن التوجه الأمريكي سيضغط على الفلسطينيين لقبول واقع جديد قد يُضعف قدرتهم على مواجهة التوسع الإسرائيلي. وحسب المشاركين، يتطلب الوضع الحالي تبني استراتيجيات فلسطينية موحدة والتأكيد على أهمية توحيد الصف الداخلي لتعزيز القدرة على التصدي لأي مخططات خارجية تهدد الحقوق الفلسطينية.
وأوصى المركز بضرورة تعزيز الصمود الفلسطيني ومواجهة التحديات من خلال تعزيز الوحدة الفلسطينية حيث شدد المشاركون على ضرورة توحيد الصف الفلسطيني الداخلي، وخاصة داخل حركة فتح، والعمل على تحقيق تفاهمات مع حركة حماس، لتعزيز التنسيق لمواجهة أي تحديات خارجية قد تفرضها السياسات الأمريكية. وكذلك تفعيل دور منظمة التحرير: أوصى التقرير بإعادة تفعيل دور منظمة التحرير الفلسطينية كمرجعية سياسية للشعب الفلسطيني لتحسين تمثيل القضية دوليًا، في ظل احتمال تصعيد المواقف العدائية ضد المؤسسات الداعمة للقضية الفلسطينية.
كما جاء في التوصيات التعاون مع الدول المؤثرة حيث دعا تقرير المركز إلى ضرورة استغلال الفترة الانتقالية بعد الانتخابات الأمريكية لتعزيز العلاقات مع الدول المؤثرة والحفاظ على الدعم الدولي للقضية الفلسطينية، مشيرًا إلى أهمية التعاون مع المملكة العربية السعودية ودول عربية أخرى لتحقيق الدعم الإقليمي. وكذلك الضغط على الإدارة الأمريكية حيث نصح التقرير بضرورة الضغط على الإدارة الأمريكية الحالية للاعتراف بمنظمة التحرير كشريك رئيسي في عملية السلام، والعمل على نزع صفة «الإرهاب» عنها، ما سيسهم في تعزيز شرعيتها الدولية. والاعتراف بالدولة الفلسطينية حيث أوصى المشاركون بالضغط على الإدارة الأمريكية الجديدة، إلى جانب الحلفاء الأوروبيين مثل ألمانيا وبريطانيا، للاعتراف بالدولة الفلسطينية، كخطوة مهمة في ظل التغيرات الإقليمية. ومخاطبة الأمم المتحدة: أكد التقرير على أهمية مطالبة الأمم المتحدة بالاعتراف بفلسطين كعضو كامل، ومواصلة الجهود للضغط على الدول الداعمة للقضية الفلسطينية لتحقيق الاعتراف الدولي.
ورأى تقرير المركز بضرورة فتح حوار استراتيجي عبر تشكيل فريق فلسطيني للتواصل مع السعودية والولايات المتحدة من أجل تطوير استراتيجية طويلة المدى تضمن حقوق الفلسطينيين وتواجه التطبيع المحتمل بين السعودية وإسرائيل.