ترامب والأجهزة الأمنية: علاقة متوترة وأزمات في الأمن القومي

صادق الطائي
حجم الخط
0

لطالما مثل التوتر السمة الغالبة على علاقة الرئيس دونالد ترامب بأفراد إدارته بشكل عام وبالأجهزة الأمنية بشكل خاص، فقد سجل ترامب رقما قياسيا في تاريخ الرئاسة الأمريكية في إزاحة وتبديل عناصر إدارته. إذ ابتدأ حملته أولا مع كل الشخصيات التي كانت محسوبة على الديمقراطيين، أو على إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، ومنهم جيمس كومي مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي “إف بي آي” الذي اقترحه الرئيس أوباما للمنصب. وسالي ييتس القائمة بأعمال وزير العدل، كما تم طرد دانيال راغسديل الذي عُين عام 2012 مسؤولا عن إدارة الهجرة والجمارك الأمريكية، والذي أقيل في 31 كانون الثاني/يناير 2017. أما مايكل فلين، الجنرال السابق الذي عينه ترامب مستشارا للأمن القومي، فلم يلبث في منصبه سوى أسابيع قليلة، إذ استلم مهامه في 20 كانون الثاني/يناير 2017 مستشارا للأمن القومي، وأقيل في 13 شباط/فبراير 2017 وقد أعلن البيت الأبيض استقالة فلين بعد ما عرف بفضيحة اتصالات مع روسيا أتهم فيها بمناقشة موضوع العقوبات الأمريكية مع السفير الروسي في الولايات المتحدة قبيل تولي ترامب مهام الرئاسة، وأفادت تقارير بأنه ضلل مسؤولين أمريكيين بشأن محادثته تلك مع السفير الروسي.

اتهامات ترامب بالخيانة

ستيف بانون، شخصية سجالية بامتياز، أثار الكثير من اللغط حول تصريحاته الخطيرة، فهو صحافي وخبير إستراتيجي، وكان يعد مهندس وصول ترامب إلى البيت الأبيض، وأحد أهم رجال حملته الانتخابية، لكن سرعان ما أطاح به ترامب بعد ثلاثة أشهر فقط من دخوله البيت الأبيض، إذ استلم بانون مهامه رسميا في 28 كانون الثاني/يناير 2017 بمنصب كبير مستشاري الرئيس ترامب في مجلس الأمن القومي، وأقاله في 5 نيسان/أبريل 2017 فما كان من بانون إلا أن أطلق حملة تصريحات خطيرة ذكرها الصحافي المخضرم مايكل وولف في كتابه الذي حمل عنوان : “نار وغضب: داخل بيت ترامب الأبيض” والذي حقق أعلى مبيعات عام 2017.

ومن ضمن أخطر الاتهامات التي أطلقها بانون فيما يخص التحقيقات التي أجراها المدعي العام مولر، المدير السابق لـ “إف بي آي” هي نقطة التحقيق فيما إذا كانت حملة ترامب تواطأت مع الروس لفوزه في الانتخابات، وهي التهمة التي يرفضها ترامب بشدة. لكن بانون قدم معلومات أثارت عاصفة من الاتهامات بوجه صديقه ترامب عندما تحدث عن لقاء تم بين نجل ترامب، دونالد جونيور، ومحامية روسية إبان الحملة الانتخابية عام 2016 وحضر اللقاء صهر الرئيس ترامب جاريد كوشنر ومدير الحملة الانتخابية بول مانافورت، ووصف بانون هذا اللقاء الذي عقد في برج ترامب في نيويورك بأنه “خيانة” و”غير وطني”. مما دفع بترامب للرد بقسوة على أحد أقرب الداعمين له فصرح؛ “إن ستيف بانون لا علاقة له بي أو برئاستي. عندما أُقيل لم يفقد وظيفته فحسب بل فقد عقله كذلك”.

تداعيات أزمة التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية أطاحت برؤوس مهمة في الأجهزة الأمنية الفدرالية، وربما كان في مقدمتها جيمس كومي مدير مكتب التحقيقات الفدرالي “إف بي آي”. إذ لم يمر على وصول ترامب للبيت الأبيض سوى ثلاثة أشهر حتى سارع لإقالة كومي، إذ قال في يوم 10 أيار/مايو 2017 للصحافيين في المكتب البيضاوي خلال لقاء مع وزير الخارجية الأسبق هنري كيسنجر عندما تحدث عن إقالة كومي “ببساطة شديدة لم يكن جيمس كومي يؤدي عمله بشكل جيد” ولم يسمح للصحافيين بطرح مزيد من الأسئلة عن علاقة إقالة كومي بالتحقيق الذي كان يجريه مكتب التحقيقات الفدرالي حول التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية، وفضيحة تسريب معلومات من البريد الالكتروني للمرشحة الديمقراطية للرئاسة هيلاري كلينتون، وإيصال هذه التسريبات إلى وكالة “وكيليكس” التي سارعت بنشرها مما تسبب بأضرار شديدة لحملة كلينتون الانتخابية. إذ ذكرت معلومات صادرة عن وزارة الدفاع ووزارة الأمن الداخلي إن وكالة الاستخبارات الأمريكية كانت متأكدة تماماً من أن الحكومة الروسية قد أدارت عمليات قرصنة للرسائل الإلكترونية للمرشحة كلينتون بقصد التدخل في سير الانتخابات الأمريكية.

الأزمة الأوكرانية

الأزمة المشتعلة الآن بسبب المكالمة الهاتفية التي تمت بين الرئيس ترامب ونظيره الأوكراني زيلينسكي، والتي دفعت الديمقراطيين للسير في اتجاه البدء بإجراءات عزل الرئيس إتضح ان من كان خلفها هو أحد العاملين في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية. أذ ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” يوم 26 أيلول/سبتمبر الماضي أن من قام بالتبليغ عن المحادثة الهاتفية بين الرئيسين شخص يعمل في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية تم انتدابه إلى البيت الأبيض. وقالت الصحيفة نقلا عن ثلاثة أشخاص على علم بهويته، إنه رجل “تم انتدابه للعمل في البيت الأبيض في مرحلة ما” لكنه عاد بعد فترة إلى وكالة الاستخبارات المركزية”. وقد أكد رجل الاستخبارات أيضا أنه لم يكن شاهدا مباشرا على المحادثة الهاتفية، انما علم بها “في إطار العلاقات المنتظمة بين وكالات الاستخبارات”. وتقدم إثر ذلك بمعلوماته للجنة الأمن والدفاع في مجلس النواب ليحققوا في الأمر.

في غضون ثلاثة أعوام هي عمر الفترة الرئاسية للرئيس دونالد ترامب، كانت التوترات بين مؤسسة الرئاسة والأجهزة الأمنية الفدرالية في أشدها، ووصل لمديات غير مسبوقة. وحسب مراقبين فإن التقارير والمعلومات التي تقدمها الأجهزة الأمنية، والتي تكلف الخزينة الأمريكية مليارات الدولارات، تنتقل إلى البيت الأبيض ومن هناك إلى سلة المهملات، بدون أن يكون لها اعتبار أو تأثير في سياسة ترامب وقراراته. فهل ستزيح الأجهزة الأمنية ترامب من سدة الحكم؟ هذا ما يتوقع المراقبون كشفه عبر إجراءات الديمقراطيين لعزل الرئيس.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية