بيروت- ستيفاني راضي:
حتى اليوم، لا تزال الانتخابات النيابية اللبنانية قائمة في موعدها بتاريخ 27 مارس/ آذار 2022، في ظلّ أزمات مفتوحة على مختلف الجبهات بالبلاد، على رأسها الأزمة الاقتصادية.
المجتمع الدولي يرى أن انتخابات 2022 جوهريّة لنجاح أجندة الإصلاح، وإعادة بناء الثقة بين الدولة والمواطنين، فلا يكفّ المسؤولون الغربيون أو الأمميون عن التذكير بأهميّة إجراء الانتخابات.
ولا يوفّر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي فرصةً إلا ويؤكد فيها أن الانتخابات النيابية ستُجرى حتما قبل انتهاء الدورة البرلمانية في 21 مايو/ أيار المقبل.
الترقب سيد الموقف
عام 2018، بلغت نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعيّة 49.70 في المئة، مقابل 54 في المئة في 2009، وفق أرقام وزارة الداخلية والبلديات، لكن لا يوجد أرقام أو توقّعات بعد تشير إلى النسبة المحتمَلة للاقتراع في الدورة المقبلة، في ظلّ مخاوف كثيرة ترافق العملية الانتخابية.
غير أنّه وفق مصادر، فإن “الأحزاب اللبنانية بدأت بالفعل التحضير للانتخابات النيابيّة، إذ تحوّلت مكاتب الكثير منها إلى خليّة نحل استعدادا لخوض المعركة الانتخابية”.
في المقابل، تضيف المصادر أن “منصّة تسجيل المغتربين اللّبنانيّين للمشاركة في الاقتراع تشهد إقبالا كبيرا، إذ تجاوز عدد المسجلين 100 ألف (تنتهي مهلة التسجيل في 20 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي)، أي فاق عدد الناخبين المسجلين للاقتراع في الخارج عام 2018، والذي بلغ 82 ألفا و965 ناخبا، اقترع منهم 46 ألفا و799 فقط”.
مخاوف ترافق الانتخابات
تكشف ديانا البابا، منسّقة البرامج في “الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات” (لادي) غير الحكومية، عن المخاوف التي ترافق العملية الانتخابية في لبنان.
وتأسّست “لادي” في لبنان بمبادرة من مجموعة ناشطي مجتمع مدني في 13 مارس 1996، ومن أهدافها مراقبة سير العمليات الانتخابية على مختلف أنواعها، وإصدار تقارير مفصّلة حولها.
وتقول البابا: “بعد التمديد للمجلس النيابي في الحقب الماضية، بات السؤال عمّا إذا كانت ستجرى الانتخابات، يرافق كل عملية انتخابية؛ علمًا أن هذا الاستحقاق دستوري ويجب عدم التعامل معه باستنسابيّة”.
وكان من المفترض أن تجرى الانتخابات النيابية الأخيرة في 2013، إلا أنه تم تمديد ولاية البرلمان حتى 2018.
وتضيف: “لدينا تخوف من عدم إجراء الانتخابات في موعدها، لكننا نشدد على أهمية احترام المهل والدستور اللبناني”.
وتُعد أجواء البلاد الحساسة، على مختلف الصعد، واحدة من المخاوف لدى “لادي”. وتلفت البابا إلى أنّ “لبنان وضعه حسّاس ويمرّ بأزمة اقتصادية غير مسبوقة، ما يمكن أن يؤثّر على كيفيّة تعاطي الأحزاب السياسية مع الملف الانتخابي”.
وترى أن “أي مشكلة أمنية يمكن أن تعرّض العملية الانتخابية للتأجيل”.
والشهر الماضي، اندلعت مواجهات مسلحة في شارع الطيونة، الواقع بين منطقتَي الشياح (ذات الغالبية الشيعية) وعين الرمانة ـ بدارو (ذات الغالبية المسيحية) في بيروت، أسفرت عن مقتل 7 أشخاص وإصابة 32 آخرين.
وبدأت الأحداث بإطلاق نار كثيف خلال تظاهرة نظّمها مؤيّدون لجماعة “حزب الله” وحركة “أمل” (شيعيّتين)، للتنديد بقرارات المحقّق العدلي في قضيّة انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق بيطار.
تمويل الانتخابات
وُضعت الإجراءات التحضيريّة للانتخابات النيابيّة على السكّة، وبدأ وزير الدّاخليّة العمل بجديّة لتأمين مستلزماتها.
وتبلغ “تكلفة الانتخابات النيابيّة نحو عشرة ملايين دولار”، بحسب تصريح لوزير الدّاخليّة والبلديّات بسام المولوي، الّذي قال إن “هدفنا إجراء الانتخابات بمواعيدها”.
وعن توفير ذلك، يجري الوزير اتصالات ولقاءات مع منظّمات الأمم المتّحدة والاتحاد الأوروبي، لتأمين تمويل إدارة الانتخابات بما لا يمسّ بالسّيادة الوطنيّة، داعيا المنظّمات الدّوليّة والمحليّة إلى مراقبة الانتخابات.
أمّا عن التخوّف من عرقلة إجراء الانتخابات لعدم القدرة على تأمين التمويل لها، فشدّدت البابا على أنّ “المجتمع الدّولي مهتمّ بالانتخابات في لبنان”، مشيرةً إلى أنّ “انهيار العملة اللّبنانيّة واستنزاف خزينة الدّولة، يجب ألا يكونا حجّةً لتطيير الانتخابات، لأنّ مصير البلد متوقّف عليها، فهي أولى خطوات الإصلاح التي يطالب بها المجتمع الدولي”.
المجتمع المدني يتجهّز
في 2018، لم يستطع المجتمع المدني دخول مجلس النوّاب من بابه العريض، واقتصر حضوره على نائبة واحدة استقالت في وقت لاحق، إثر انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس/ آب 2020.
إلا أن الانتخابات النيابيّة المقبلة، التي تعدّ الأولى بعد حراك 17 أكتوبر/ تشرين الأوّل 2019، ستكون على موعد مع وجوه جديدة مرشّحة من المجتمع المدني أو ما بات يّعرف اليوم بـ”المعارضة السياسية”.
في ذاك اليوم، تفجرت احتجاجات شعبية غاضبة في العاصمة بيروت رفضاً لفرض مزيد من الضرائب، سرعان ما توسعت لتعم معظم أنحاء البلاد، ومن أبرز المطالب والشعارات التي نادى بها المحتجون حينها إصلاحات اقتصادية واجتماعية ورحيل الطبقة السياسية ومحاسبتها، متّهمين إياها بالفساد.
في هذا الإطار، يلفت وضاح صادق، رئيس الهيئة التنفيذيّة لمجموعة “أنا خط أحمر” وعضو “جبهة المعارضة اللّبنانيّة”، إلى أنّ “مجموعات شاركت في ثورة 17 أكتوبر، اجتمعت والتقت تحت ظلال معارضة سياسية جديدة في البلد، وهي تتحضّر لخوض الانتخابات المقبلة”.
ويوضح أن “اجتماعات متتالية تُعقد من جانب المعارضة، بهدف التحضير لخوض الاستحقاق الانتخابي، من خلال تحالف واسع على مستوى كلّ لبنان، ويضمّ لوائح فيها 128 مرشّحًا (على عدد نوّاب البرلمان)، وفيها المشروع التغييري للبلد”.
وعن البرنامج الانتخابي للمعارضة، يجيب صادق: “مشروعنا ليس إعادة بناء لبنان القديم أي إصلاح المؤسّسات، إنما بناء بلد من جديد يملك السيادة، وسلاحه بيد القوى العسكرية، وقراره بيد حكومته، بالإضافة إلى إرساء المحاسبة والعدالة الاجتماعية وبناء مؤسسات دولة حضارية”.
وبشأن كسب ثقة النّاس وأصواتهم بدل منحها للأحزاب التقليديّة، يقول: “إذا لم يقتنع المواطنون بضرورة ألّا يدلوا بأصواتهم في الانتخابات لصالح الأحزاب التقليدية، فالأفضل أن ننسى البلد”، مردفا: “في حال أراد الشّعب الاستمرار في العيش كما هو عليه اليوم، أيّ بالذلّ، فهو حرّ لأنّ خياره ديمقراطي، لكن بعدها لا يحقّ له التّساؤل عن أسباب العيش بالذلّ وهجرة أطفاله”.
الرشى الانتخابية بدأت
لا تخفي المسؤولة في “لادي” تخوّفها من استغلال الأحزاب للأزمة الاقتصاديّة التي يعاني منها المواطنون بهدف الحصول على أصوات انتخابيّة إضافيّة.
وتركّز على أنّ “استغلال الأزمة الاقتصاديّة لتقديم خدمات للمواطنين، يعد نوعًا من أنواع الزّبائنيّة، وبدأنا نراها بكثرة اليوم، ومن المرجّح أن ترتفع وتيرتها”.
وتلفت إلى أنّ “الكثير من التّقديمات توفّرها الأحزاب، منها تأمين لقاحات كورونا، معونات غذائيّة، أدوية، مازوت وبنزين”، موضحةً أنّ “هذه التقديمات تُستخدم لكسب شعبيّة أكبر، من دون اللجوء إلى عرض برامج انتخابية تقدّم مشاريع وحلولا لمشكلات الناس”.
ولا يغيب في كلام البابا الحديث عن التجييش الطائفي، إذ تقول إنّه “لفتَنا مؤخرا استخدام اللغة الطائفية والمذهبية، وهي أحد المؤشرات السلبية التي يمكن أن تنعكس على اختيار النّاخبين والنّاخبات”.
بالمحصلة، تواجه القوى السّياسيّة والسلطة في لبنان تحديا كبيرا، وهو التحضير للانتخابات في وقت قياسي رغم وجود تخوف من الطعن في الموعد المحدد لها، بظلّ الأزمات الكبيرة الّتي تلحق بالبلد كلّ يوم.
ونهاية أكتوبر الماضي، ثبّت البرلمان اللبناني قانون تبكير موعد الانتخابات إلى 27 مارس 2022، بعدما كانت مقررة في 8 مايو من العام نفسه.
(الأناضول)