إسطنبول -«القدس العربي»: بعد الانتصارات المتتالية والسريعة التي حققتها قوات حكومة الوفاق بدعم تركي في محيط طرابلس وترهونة وبني وليد وغيرها من المناطق، توقفت العملية العسكرية على أبواب مدينة سرت وقاعدة الجفرة الاستراتيجية في مشهد يعكس حجم التعقيد السياسي الإقليمي والدولي وخطورة الحسابات العسكرية المتعلقة بتلك المنطقتين.
وتبدو تركيا أمام قرار استراتيجي كبير يحمل أبعاداً عسكرية وسياسية متشعبة في حال قررت دعم حكومة الوفاق لمهاجمة سرت والجفرة في محاولة لطرد ميليشيات حفتر والمرتزقة الداعمين له، حيث باتت تلك المناطق محط حسابات عسكرية وسياسية إقليمية ودولية والعملية العسكرية فيها ستفتح الباب واسعاً أمام كافة السيناريوهات التي يعتبر أخطرها المواجهة الإقليمية بين داعمي الطرفين.
ومن أيام، تواصل حكومة الوفاق إرسال تعزيزات عسكرية كبيرة إلى أطراف سرت والجفرة وتقول إنها تستعد لتنفيذ العملية العسكرية وإنها لن تتوقف رغم الضغوط والتهديدات. كما نقلت وكالة الأناضول عن متحدث عسكري باسم قوات حكومة الوفاق، الجمعة، قوله إن قوات الوفاق استكملت التجهيزات لبدء عملية تحرير سرت و”ننتظر التعليمات من القائد الأعلى للجيش”.
في المقابل، يواصل حلفاء حفتر وداعموه بزخم وبسرعة كبيرة إرسال مرتزقة وأسلحة متنوعة من أجل تعزيز قواته في سرت، والجمعة، أعلن الجيش الليبي أنه رصد هبوط أكثر من 11 طائرة روسية تقل أسلحة ومرتزقة سوريين في مطار سرت غربي البلاد، فيما قالت مصادر محلية إن من بين هذه أسلحة عدداً من أنظمة بانتسير الدفاعية الروسية.
وما زاد من تعقيد المشهد المرتبط بعملية تحرير سرت والجفرة التهديدات التي أطلقها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والتي اعتبر فقها أن خط سرت الجفرة “خط أحمر”، ملوحاً بتدخل عسكري مصري مباشر في ليبيا، وهو ما فتح الباب واسعاً أمام التكهنات بإمكانية حصول مواجهة عسكرية تركية مصرية مباشرة في ليبيا.
وعلى الرغم من أن الجهات الرسمية التركية استخفت بالتهديدات المصرية واعتبروا أن لا قيمة لها، كما أكدت حكومة الوفاق استمرارها في عملياتها العسكرية “كما هو مخطط لها”، إلا أن لا أحد يضمن مدى جدية السيسي في التدخل العسكري في سرت في ظل الأزمات الكبيرة التي يعاني منها واعتقاد شريحة كبيرة من المحللين بإمكانية لجوء السيسي إلى التدخل العسكري في مصر لحرف الأنظار عن فشله في معالجة ملفات كبرى تعاني منها البلاد أبرزها ملف سد النهضة والفقر والفشل في احتواء انتشار فيروس كورونا.
وعملياً، لا تمتلك تركيا قوات نظامية كبيرة في ليبيا، ويقتصر تواجدها على المستشارين العسكريين والدعم العسكري المتوسط بالأسلحة والعتاد، وحتى في حال هاجمت قوات الوفاق سرت والجفرة فالدعم التركي سيكون على غرار ما جرى في قاعدة الوطية من حيث الدعم الاستخباري والتخطيط العسكري والغطاء الجوي بالطائرات المسيرة من أجل تحييد سلاح الجو المسير المعادي والأنظمة الدفاعية الروسية. كما أنه لم تظهر في الأيام الأخيرة أي تحركات تظهر نقل قوات كبيرة أو معدات عسكرية توحي باستعداد تركيا بمعركة قد تتحول إلى مواجهة كبرى.
لكن تركيا أجرت طوال الأسابيع الماضية عدة تدريبات ومناورات عسكرية لسيناريو تدخل طائراتها الحربية في ليبيا بشكل مباشر انطلاقاً من الأراضي التركية وذلك عبر الطيران لمسافات طويلة والتزود في الوقود جواً، إلا جانب تعزيز انتشار السفن الحربية التركية مقابل السواحل الليبية، إلا أن كل هذا الزخم العسكري لا يقارن بالزخم الذي تمتلك مصر على مسافة أقرب كونها دولة حدودية مع ليبيا ويمكنها التحرك براً وبحراً وجواً بسرعة أكبر في ليبيا.
هذا المشهد، لا يوحي على الإطلاق بأن تركيا تضع في حساباتها أي مواجهة عسكرية كبرى مع مصر في ليبيا في هذه المرحلة، وهو ما يرجح أن أنقرة إما أنها ستدعم عملية سرت في حال حصولها على حسابات وضمانات معينة وإما أنها تضغط للمناورة ودفع الأطراف الأخرى لطاولة المفاوضات بشروط أكبر دون العودة للقتال مجدداً في هذه المناطق.
وفي هذا الإطار، فإن أبرز ما يمكن أن تحصل عليه أنقرة هو ضمانات أمريكية عبر الضغط على القاهرة بأن الأخيرة لن تتصادم مع تركيا في حال لم تتجاوز قوات الوفاق حدود “ما بعد” سرت والجفرة، وهو ما قد يكون الحل الوسط الذي سيتيح لتركيا دعم هجوم على سرت والجفرة، أو سرت لوحدها، مع ضمان عدم حصول صدام خطير غير محسوب العواقب لكل الأطراف.
وتعتبر تركيا أن العودة إلى حدود اتفاق صخيرات هو الأرضية المناسبة للعودة إلى وقف إطلاق النار والمسار السياسي من جديد، وتضغط بقوة باتجاه دفع الأطراف الدولية بالضغط على حفتر وداعميه لمغادرة سرت والجفرة أو سرت فقط سلمياً، وهو الأمر الذي قد لا تنجح الأطراف الدولية المتناقضة في ضمانه لكنها ستنجح على الأغلب في الوصول إلى ضمانات تمنع حصول صدام عسكري بين الدول الداعمة لطرفي النزاع، لتجنب كارثة كبرى قد تحل على المنطقة أكملها، وهو ما يفسر الاتصالات والتحركات الدولية الواسعة ما بين طرابلس وأنقرة والقاهرة، والتي يتصدرها المسؤولون الأمريكيون.
تركيا لا تجرؤ الذهاب الى سرت الا بضمانات امريكية وضغطها على مصر٠
تركيا تتحرك بذكاء فكما تحرك بوتين في سوريا على أساس الشرعية الدولية القانونية لبشار تركيا تحركت بموجب الشرعية الدولية لحكومة الوفاق الوطني وكأن الأتراك ردو الصاع صاعين لبوتين لا أحد يمكنه مواجهة التحرك التركي إنتهى الأمر والباقي ضرب للهواء بعصا.