تركيا تنقل صراعها مع الأكراد إلى الداخل السوري

دعكم من أحاديث الحكومة التركية عن إعادة اللاجئين السوريين إلى قراهم ومدنهم في الشمال، ونحوا جانبا دفعها الزائف بأولوية إقامة منطقة آمنة على امتداد الحدود التركية-السورية لا وجود بها لا للجماعات المسلحة ولا لعصابات الإرهاب. فليس للعدوان التركي على الأراضي السورية من أهداف غير القضاء على القدرات العسكرية والمدنية الكردية التي تطورت في ظروف الحرب الأهلية خلال السنوات الماضية، والتأسيس لوضع جديد في الشمال السوري جوهره الحضور طويل الأمد لوحدات الجيش التركي أو بعبارة أخرى الاحتلال التركي للشمال السوري.
فالحكومة التركية ترغب في نقل الصراع بينها وبين الأكراد إلى الداخل السوري، مستغلة الفراغ العسكري الذي أحدثه قرار دونالد ترامب سحب القوات الأمريكية من الشمال السوري. وتتبع حكومة رجب طيب أردوغان هنا نفس النهج العنيف الذي وظفته مرات ومرات ضد الأكراد في الشمال العراقي منذ الغزو الأمريكي في 2003 ولم يحد منه سوى عودة الجيش العراقي إلى الشمال وتطور القدرات القتالية للوحدات الكردية (البيشمركة).
في سوريا اليوم، كما في العراق قبل سنوات، تستغل حكومة أردوغان ظرف غياب الجيش الوطني وحالة السيولة في المناطق الحدودية للتأسيس لوضع جيو-استراتيجي جديد يسمح لها بالضغط العسكري المستمر على الأكراد، ويحول دون التعاون بين الحركات الكردية في الشمال السوري وبين المنظمات الكردية في شرق وجنوب تركيا، ويحد من جاذبية المطالبة داخل تركيا بإقرار الحكم الذاتي للأكراد إن عملا بالنموذج العراقي وبه يتمتع الأكراد دستوريا وسياسيا وعمليا باستقلالية نسبية داخل تركيبة الدولة العراقية أو تأثرا بتطورات الوضع الكردي في سوريا خلال السنوات الماضية وفي سياقها تبلور وجود عسكري ومدني مستقل للأكراد حتما سيفرض حقائقه على ترتيبات ما بعد انتهاء الحرب الأهلية.
ولا تعدم حكومة أردوغان في عدوانها العسكري على الشمال السوري التأييد داخل منظومة الدولة التركية وفي الفضاء العام وبين القوى السياسية العلمانية (الليبرالية واليسارية والقومية) التي تعارض في الداخل توجهات وممارسات أردوغان وحزب العدالة والتنمية الحاكم. فالامتناع عن الاعتراف بالمطالب المشروعة للأكراد داخل تركيا، سواء تعلق الأمر بالحكم الذاتي أو بمنح شيء من الاستقلالية السياسية والإدارية للأقاليم ذات الأغلبية الكردية أو إقرار مبادئ مواطنة الحقوق المتساوية للأكراد والتوقف عن تعقب واضطهاد الأحزاب الكردية، يمثل مكونا أساسيا للأيديولوجية الكمالية (نسبة إلى مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك) ويتمتع بدعم المؤسستين العسكرية والقضائية ويندر على الرغم من جوهره العنصري وغير الديمقراطي الواضح أن يجهر برفضه مثقفون أو إعلاميون أو أكاديميون (وإن فعلوا، فمصيرهم التعقب والقمع والعقاب).

الأحزاب السياسية التركية التي تعارض حكومة أردوغان ودأبت على التحالف مع أحزاب الأكراد في الانتخابات البرلمانية والمحلية، سرعان ما أعلنت تأييدها الكامل «للعمليات العسكرية» في شمال سوريا

بل إن الأحزاب السياسية التركية التي تعارض حكومة أردوغان ودأبت على التحالف مع أحزاب الأكراد في الانتخابات البرلمانية والمحلية، سرعان ما أعلنت تأييدها الكامل «للعمليات العسكرية» في شمال سوريا وأنتجت خطابا قوميا يضع الأكراد في الداخل التركي كما في العراق وسوريا في خانة الأعداء والمتآمرين ويتجاهل التداعيات الإنسانية الخطيرة للعدوان التركي.
على وقع تبرير العدوان على الأراضي السورية وتمرير الرفض الفاشي لحق الأكراد في شيء من الاستقلالية، تغيب التمايزات بين الإسلاميين والعلمانيين في تركيا وتصير العلاقة المضطربة بين أردوغان والمؤسستين العسكرية والقضائية علاقة تحالف وتذبح في الفضاء العام التعددية وحرية التعبير عن الرأي وتختفي السمات الديمقراطية للحياة السياسية. فالجميع في اضطهاد الأكراد على قلب ديكتاتور واحد، والأغلبية في تبرير العدوان على سوريا والعصف بسيادة شعبها سواء.
ويتشابه مع هيمنة التوجه الواحد فيما خص الأكراد وسوريا داخل منظومة الدولة التركية وفي الفضاء العام والحياة السياسية، يتشابه معه موقف قوى سياسية عربية مثل جماعة الإخوان المسلمين في سوريا وفي مصر التي تقدم إن تحالفاتها الوقتية مع أردوغان أو صراعاتها مع حكومات عربية ترفض السياسات التركية في الشرق الأوسط على أولوية الدفاع عن سيادة الشعب السوري بكل مكوناته العرقية على أراضيه وتنتج خطابا بائسا لتبرير العدوان التركي لا يقل في فاشيته باتجاه الأكراد عن فاشية الخطاب الأردوغاني.

كاتب من مصر

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول مسألة نظر:

    الصراع السوري الداخلي هو الذي قذف بالمسلحين الأكراد إلى حدود تركيا.

  2. يقول ابو السندس:

    . السؤآل هل ترك العلويون اي جزء من السياده والاحترام للشعب السوري, النظام السوري لم يترك أي مجال لسوريا اتُصبح دوله

  3. يقول تيسير خرما:

    حالف العرب وأهل السنة والجماعة العالم الحر منذ نشأته بعد انتشار الشيوعية ببدء القرن العشرين وتوازى ذلك مع دحر العرب لإحتلال تركي همجي، وعزز ذلك حاجة نهضة العرب للتقدم العلمي وأسلحة دفاعية مقابل حاجة العالم الحر لموقع العرب الاستراتيجي وحيازة العرب معظم مخزون البترول (أهم سلعة بالعالم منذ بدء القرن العشرين) فبات العرب جزء لا يتجزأ من منظومة الدفاع الشامل عن العالم الحر لكل الأسباب، وكلما تجاهل أعداء العرب هذه الحقيقة واعتدوا على العرب سقطوا بالفخ وتفاجئوا بأنهم يواجهون كل العالم الحر وبشكل مباشر.

  4. يقول Nauras:

    مما لا شك فيه أن الغزو التركي لشمال سوريا يستهدف بالدرجة الأولى البنية التي أسسها الأكراد في الشمال السوري مستغلين انهيار الدولة المركزية التي تحولت لرهينة بيد عصابة تغامر بالمستقبل الوطني للسوريين حفاظا على مصالحها الضيقة, لكن ما يتناساه الكاتب أن هذه البنية أسسها الأكراد على حساب الغالبية العربية في هذه المناطق وبدعم أمريكي ومن التحالف الغربي الذي لم يتأثر يوما بمصير الشعب السوري بل ينتقي ما يفيد سياساته الشرق أوسطية القائمة على نهب خيرات الشعوب وتثبيت الدكتاتوريات وحماية الكيان الصهيوني الإستيطاني في فلسطين.
    أنا مع دولة كردية ذات سيادة وفوق كل تخوم كردستان, لكن لست مع دولة كردية فوق أراضي عربية تقوم فقط بدعم المستعمر الذي يكرس كل قواه لإنهيار كل ماهو عربي. أنظر لخرائط وجود الأكراد في سوريا في مطلع القرن الماضي وقارنها مع مناطق سيطرة قسد التي تدعي أنها غرب كردستان وأنزلت منها علم الدولة السورية ومنعت السوريين من زيارتها إل بكفيل كردي.

  5. يقول علي:

    1- الشعب الكردي المسلم شعب طيب خرج منه صلاح الدين الأيوبي، أما البي بي كا فقد خرجت
    قيادات موالية لآخرين، قامت بالتطهير العرقي للعرب في شرق الفرات.
    2- البي بي كا أقامت دولة كردية مستقلة شرق الفرات لها حكومة ونواب وإدارة محلية
    وفقدت الحكومة الطائفية في دمشق أي سيطرة عليها.
    3- نؤمن بوحدة بلاد الشام، ونتمنى أن يعود إليها استقلالها وحريتها وكرامتها،
    4- السؤال: ماذا عن الاحتلالات الأخرى: الإيرانية، المليشياتية، الأميركية، الروسية، الفرنسية، البريطانية…
    5- الأستاذ بلحة يحمّل الشعب السوري مسئولية المذابح والتشريد والدمار وتمزيق البلاد، ويبرئ ساحة الأستاذ بشار. الجماهير في تونس والجزائر تهتف: لا إله إلا الله، السيسي عدو الله. أين الذين استدعوا الانقلاب العسكري في عام 2013؟

  6. يقول الجار أولى بالشفعة:

    إن كانت تركيا قد اشترت تذكرة الدخول إلى سوريا من السوق السوداء، فليخبرنا أكراد تركيا و الروس و الأمريكان و الفرنسيين و الفرس و الصهاينة و الميليشيا العراقية و حزب الله و غيرهم عن مكتب التذاكر الرسمي الذي حصلوا منه على تذاكرهم إلى سوريا. الجار التركي الذي فتح بيوته للاجئين السوريين أولى بالشفعة من كل هؤلاء و خصوصا من الكيان الصهيوني الذي ضم الجولان.

إشترك في قائمتنا البريدية