إسطنبول-“القدس العربي”: ظلت تركيا محوراً لأحداث داخلية وخارجية سياسية واقتصادية هامة جداً خلال عام 2018 تنوعت ما بين الانتخابات الحاسمة وتغيير نظام الحكم واستمرار العمليات العسكرية وتوسعها في الداخل والخارج، وبين أزمة اقتصادية كانت الأصعب على البلاد في السنوات الأخيرة، وصولاً لحادثة اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي على الأراضي التركية وتحولها للقضية الأبرز في العالم على مدى الأشهر الماضية.
وكان الحدث الأبرز على الإطلاق هو اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول وتقطيع وإخفاء جثمانه، الأمر الذي سبب ردود فعل عالمية غير مسبوقة ضد ولي عهد السعودية محمد بن سلمان الذي أجمعت أطراف تركية ودولية على أنه المتهم في إعطاء الأوامر بالتخلص من خاشقجي وتنفيذ العملية من خلال مسؤولين مقربين منه، وما زالت السعودية ترفض الكشف عن مصير الجثمان أو تسليم المتهمين لمحاكمتهم في تركيا التي تقول إنها اقتربت من تحويل ملف القضية إلى محكمة الجنايات الدولية.
ومع بداية العام، شن الجيش التركي بالتعاون مع فصائل من الجيش السوري الحر التابع للمعارضة السورية هجوما واسعا على منطقة عفرين شمالي سوريا وبعد أسابيع من القتال والقصف الجوي والبري والمعارك الضارية أدت إلى مقتل مئات المسلحين الأكراد والعشرات من الجنود الأتراك تمكن الجيشان التركي و”السوري الحر” من طرد وحدات حماية الشعب الكردية من المنطقة بشكل كامل والسيطرة عليها، لتضمها أنقرة إلى مناطق نفوذها شمالي سوريا وخاصة منطقة “درع الفرات”.
وعقب ذلك، تمكن الجيش التركي من توسيع مناطق سيطرته ونفوذه من خلال نقاط المراقبة التي امتدت في مناطق واسعة من شمالي سوريا لا سيما محافظة إدلب التي أصبحت منطقة نفوذ للجيش إلى جانب مناطق أخرى من ريف اللاذقية وحلب وحماة. ومع نهاية العام قال الرئيس التركي رجب طيب اردوغان إن جيشه أكمل استعداداته لتنفيذ عملية عسكرية واسعة في منبج وشرقي نهر الفرات.
وإلى جانب العمليات العسكرية الجوية والبرية ضد تنظيم “بي كا كا” شمالي العراق، كثف الجيش التركي عملياته ضد التنظيم داخل الأراضي التركية، وتقول التقديرات الرسمية إن هذه الحرب وصلت إلى مراحل متقدمة غير مسبوقة، ويقول وزير الداخلية سليمان صويلو إن 700 مسلح فقط من “بي كا كا” ما زالوا في الجبال متوعداً بالقضاء عليهم قريباً، فيما وعد وزير الدفاع خلوصي أكار بقرب القضاء التام على التنظيم داخل الأراضي التركية.
ومع انتصاف العام، شهدت تركيا انتخابات برلمانية ورئاسية تجري بشكل متزامن لأول مرة بموجب التعديل الدستوري الأخير الذي جرى بموجبه تحويل نظام الحكم من برلماني إلى رئاسي، وتمكن تحالف بين حزب العدالة والتنمية الحاكم في البلاد منذ 16 عاماً وحزب الحركة القومية من الفوز على تحالف المعارضة الذي تشكل من أحزاب الشعب الجمهوري والشعوب الديمقراطي الكردي و”الجيد”.
وبينما حصل تحالف الجمهور على أكثر من 50 في المئة من مقاعد البرلمان ليضمن بذلك الأغلبية البرلمانية، تمكن اردوغان من الفوز بفارق ضئيل جداً بالانتخابات الرئاسية من الجولة الأولى ليكون أول رئيس في النظام الرئاسي الجديد الذي منحه صلاحيات مطلقة وعزز من حكمه للبلاد.
وضمن العدالة والتنمية سيطرته على الحكم برلمانيا ورئاسيا حتى عام 2023 وبدأ مع نهاية العام الاستعداد لخوض الانتخابات البلدية/المحلية المقررة آذار/مارس المقبل حيث يخشى الحزب خسارته البلديات الكبرى في البلاد، ولتفادي ذلك جدد تحالفه مع حزب الحركة القومية الذي قرر عدم تقديم مرشحين له في إسطنبول وأنقرة وازمير لتعزيز فرص فوز مرشح العدالة والتنمية.
وشهد عام 2018 واحدة من أسوأ الأزمات السياسية بين تركيا والولايات المتحدة بفعل الكثير من الخلافات كان أبرزها أزمة الراهب الأمريكي أندرو برونسون الذي اعتقل في تركيا بتهمة التجسس واضطرت أنقرة للإفراج عنه لاحقاً بضغوط سياسية واقتصادية، إلى جانب الخلافات المتواصلة بين أنقرة وواشنطن حول دعم الوحدات الكردية في سوريا، ورفض الأخيرة تسليم فتح الله غولن.
وعاصرت تركيا خلال العام أسوأ أزمة اقتصادية تمر بها البلاد في السنوات الأخيرة رافقتها خسارة العملة التركية ما يقارب 40 في المئة من قيمتها أمام الدولار واليورو وما رافق ذلك من ارتفاع تاريخي في نسب التضخم واضطرار اردوغان على التساهل مع البنك المركزي الذي رفع نسب الفائدة لمستويات غير مسبوقة، كما ارتفعت نسب البطالة وانخفضت معدلات النمو، واعتبر اردوغان أن تركيا تتعرض لهجوم اقتصادي ومؤامرات خارجية.
وشهدت تركيا عدة حوادث مؤلمة، كان أبرزها سقوط طائرة خاصة في إيران قتل فيها 11 تركيا بينهم ابنة أحد أكبر رجال الأعمال في البلاد التي كانت عائدة من حفلة أقامتها مع صديقاتها بدبي احتفالاً بزواجها، وبعد أسابيع من حادث قطار في منطقة تكيرداغ القريبة من إسطنبول أوقع 24 قتيلاً وعشرات الجرحى، وقع نهاية العام حادث آخر في قطار بالعاصمة أنقرة خلف 9 قتلى وعشرات الجرحى أيضاً.
راحلون
*فقدت تركيا المؤرخ البروفيسور فؤاد سيزغين، الذي فارق الحياة عن 94 عاماً، وهو من أبرز المؤرخين في تركيا والعالم، ورحل تاركاً لتركيا مكتبة ومتحفاً لا يقدران بثمن، وشارك اردوغان في جنازته.
* سجل العام رحيل أبرز مصور في تاريخ تركيا أرا غولر صاحب أقدم أرشيف صور عن تاريخ إسطنبول.
*فقدت الدراما التركية أشهر الممثلين منير أوزكال الذي فارق الحياة عن 93 عاماً.