تساؤلات

حجم الخط
5

حين يُقررُ كاتب العمل الدرامي أو المخرج إقحامَ الأطفال في المسلسلات التلفزيونية، تُرى إلامَ يهدف؟ ففي حين لا أستطيعُ الزعمَ أني أملكُ الوقت أو الطاقة لمتابعة مسلسلٍ بعينه، إلا أن وجودَ طفلٍ أو طفلةٍ في المشهد يجعلني أتسمر بفضول محاولة الإجابة على السؤال السابق، لكن للأسف أصل إلى نتيجةٍ بائسةٍ مريرة مفادها أنهم يُستخدمون درامياً كأدوات تُعززُ القبحَ والابتذال ليس إلا، لقد شاهدتُ طفلاً يستمعُ بصمت في إحدى الحلقات إلى ملاسنة وحفلة «ردْح» وتبادل الاتهامات والشتائم بين زوجين منفصلين كلاهما، كما عرفنا من الأحداث، على مستوى عالٍ من التعليم، لينتهيَ الموضوع بإيصال رسالةٍ ما لم أفهمها، أما الطفل فلم يفكر صاحبُنا المخرج في نقل رد فعله تجاه ما سمعَ وشاهد من بشاعة!
في مسلسلٍ آخر، رأيتُ إحدى الممثلات تصطحبُ ابنها الصغير ذي الأشهر القليلة من عمره في لقاءاتها مع العشيق، كانت تخرجُ به أمامَ الزوج المخدوع لتغطية سببِ غيابها على الأغلب!
وثمةَ أطفالٌ ظهروا في عملٍ درامي آخر وهم يرقبون صفعاتٍ وركلاتٍ من أبيهم لأمهم،
ذلك كله قد يكونُ مقبولاً لو أن كاتب العمل يُركزُ على تداعيات مثل تلك الخروقات على نفسية الصغار أو على سلوكهم لاحقاً، حتى تصل العبرة المفترضة إلى المشاهد، أما استخدامهم في المشهد لخلق مزيدٍ من الإثارة العاطفية لدى المُتلقي فهو جريمةٌ من نوعٍ ما.
ولمن يقول إن مثل تلك المواقف تحدثُ في الحياة الواقعية، أجيب: نعم صحيح، ولا جدالَ في ذلك، لكن من زعمَ إن وظيفة الدراما هي في الاستنساخ الفوتوغرافي الساذج لما يحدث في الواقع، إن رسالة العمل الدرامي هي في توظيف الواقع بانتقائية وذكاء لإيصال رسالة ترتقي بالوعي وتُشير إلى نقاط الخلل، وليس في الاكتفاء باستدرار التعاطف واستمطار الدموع، الأمر الذي يُعيدنا إلى الأفلام الهندية في زمنٍ غابر!
لقد سبق وتشبعنا من ثنائيات الخير والشر في بعض الأفلام القديمة، تلك التي كانت تُصورُ الإنسان الشريف طيباً مسكيناً منكسراً لا يكف عن التغني بلقمة الحلال الحلوة، أما الشرير النصاب الذي يُتقنُ فنونَ الغش والاحتيال، فهو الذي يبدو ذكياً قوياً ذا حضورٍ وسطوة ويعيشُ في بذخٍ وترف طوال مدة الفيلم، ليُحسمَ الأمرُ في الدقائق الأخيرة من الفيلم، بأن يدخلَ هذا السجن، ويبقى الأول على حاله؛ طيباً مستسلماً خانعاً راضياً باللقمة الحلال!
وكم خلدت السينما العربية عباراتٍ عتيدة ظلت تُردد على ألسنة الأبطال في كل الأعمال من مثل: «الفقر مش عيب» وكأنه يُفترض أن يرسخَ في خلفية وعينا أن الثراء هو العيب،
والجملة المُكررة بين حبيبين بعد أن يتراكضا بين الشجر: «أنا عايز أخلف منك دستة عيال» في بلدٍ يئن من الانفجار السكاني، وعبارة «الفلوس مش كل حاجة» بدون أي التفاتة إلى أن الفلوسَ إياها تحفظُ الكرامة الإنسانية، وتقي المجتمعاتِ من شرورٍ الله وحدَه يعلمُ مداها.
وكان مفهومُ العدالة الاجتماعية محصوراً في حل طريفٍ أحادي وهو أن يتزوج الشابُ الغني من البنت الفقيرة أو بالعكس.
وبدون أي ميلٍ للتعميم، ومع الإقرار أن ثمة أعمالاً تستدعي الإعجابَ إن لم يكن الانبهار، أعودُ لأتساءل: لماذا ما زالت معظمُ الأعمال الدراميةِ العربية تبحثُ عن الإثارة الفارغة؟ في حين ما زال المتلقي العربي يبحثُ عن ذاته فيها، وعما يعينُه على فهم نفسِه، ومساعدته في إدارة حياته وتعقيداتِها، وعن الأعمال التي تساعدُه على التخفيف من حالة الاحتقان والاختناق التي تلازمُه ليل نهار، وليس تلك التي تزيدُ من منسوبهما لتدخلَه بطواعية إلى حالةٍ من اليأسِ والعدمية، الحالةِ التي يقفُ على مشارفِها أصلاً!
كما لم يعد كافياً تصويرُ الأحداث في الأماكن الفارهة من مكاتب وفللٍ وقصور، ولم يعد كافياً المنسوبُ الطافح من البذخ والأناقة المفتعلة في الشكل كما نرى مؤخراً في معظم الأعمال، ذلك كله لم يعد مُقنعاً أو مقبولاً، إن لم يطرأ التطورُ الطبيعي المفترض على المضامين، مجرد إشارات وتساؤلات آمل أن تجدَ إجاباتٍ مقنعة لمشاهدين أعتقد أنهم أُتخموا بالسطحية والاستخفاف والتفاهة!

٭ كاتبة أردنية ووزيرة سابقة

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عصمت باكير:

    ابدعتي دكتوره الفاضلة كالعاده ولكن غيابك يقلقني نريد كلمات تظهر كل اسبوع على الاقل وهذا طلب وليس فرض

  2. يقول فاتن الصبيحي:

    شكرا دكتوره والله اذكر كنا نحضر مع اطفالنا برامج الأطفال الهادفه. احزن على اطفالنا الآن ابن سنتين ماسك موبايل ولا رقيب?. صرنا نفتقد لبرامج هادفة ومفيده الا من رحم ربي من قنوات فضائية وثائقية.

  3. يقول Rajaa Santrisi:

    ما أروع أسلوبك . متميّزة والتميّز فيكِ أصيل.
    وأنا بدوري أتساءل : لماذا لم تطرح د. لانا الموضوع من الجانب الآخر الذي أشارت إليه بقولها ” ومع الإقرار أنّ ثمة أعمالا تستدعي الإعجاب إن لم يكن الانبهار ” ؟

  4. يقول سهيله جاموس:

    رائعة دكتورة مل هذه التساؤلات للأسف الشديد ليس لها إجابات وهذا ما يجعلني أيضا أضيف تساؤلا آخر أين هى الاخلاق في جميع الأعمال الدرامية ؟؟؟؟؟

  5. يقول سهيله جاموس:

    رائعة دكتورة كل هذه التساؤلات للأسف الشديد ليس لها إجابات وهذا ما يجعلني أيضا أضيف تساؤلا آخر أين هى الاخلاق في جميع الأعمال الدرامية ؟؟؟؟؟

إشترك في قائمتنا البريدية