تسخين جبهة الاردن السورية

إذا اراد المرء ان يعرف تطورات الاوضاع سياسيا في سورية فعليه ان يراقب ما يجري في اسطنبول من لقاءات ومشاورات وتصريحات، اما اذا اراد ان يستقرىء طبيعة الخطط العسكرية فإن عليه ان يقرأ خريطة التحركات المتلاحقة في العاصمة الاردنية عمان، ابتداء من وصول قوات امريكية او المناورات العسكرية، السرية والعلنية، او عمليات تهريب الاسلحة والمقاتلين الى العمق السوري.
العاصمتان التركية والاردنية شهدتا في الايام القليلة الماضية لقاءات مكثفة على الصعيدين السياسي والعسكري، فقد استضافت الاولى مؤتمرا لأصدقاء سورية، تقرر خلاله تزويد المعارضة السورية المسلحة بمعدات عسكرية ‘دفاعية’، ورفع الحظر النفطي المفروض اوروبيا على سورية بما يمكن المعارضة ‘المعتدلة’ من تصدير النفط من المناطق التي تسيطر عليها في دير الزور والحسكة والرقة، بينما شهدت العاصمة الثانية ،اي عمان، مناورات عسكرية واعلان صحيفة ‘الفيغارو’ الفرنسية القريبة من صنّاع القرار ان السلطات الاردنية قررت فتح المجال الجوي الاردني امام طائرات سلاح الجو الاسرائيلي لتوجيه ضربة عسكرية ضد سورية.
القرار الاردني اذا صحّ، وهو يبدو صحيحا، فلم يصدر حتى كتابة هذه السطور بيان رسمي عن القصر او الحكومة ينفي ما نشرته الصحيفة الفرنسية، باستثناء تصريح منسوب لمصدر مجهول الهوية نشرته صحيفة ‘الدستور’ الاردنية غير الرسمية، يقول انه اذا صحّ هذا القرار فإن هذا يعني ان الاردن قرر ان ينتقل من موقفه شبه المحايد تجاه الأزمة السورية الى موقف منحاز تماما الى جانب خطط اطاحة النظام في دمشق.
العاهل الاردني حاول طوال العامين الماضيين مسك العصا من الوسط، مع تقديم بعض التنازلات للضغوط الامريكية والسعودية هنا وهناك، ولكنه استسلم الى هذه الضغوط في الاشهر الاخيرة فيما يبدو، وقرر تجاوز كل الخطوط الحمراء بما في ذلك السماح للطائرات الاسرائيلية باستخدام الاجواء الاردنية في طريقها ليس لضرب سورية النظام فقط، وانما ايران ايضا، اذا ما قررت القيادتان الاسرائيلية والامريكية تنفيذ تهديداتها بضرب مفاعلاتها ومنشآتها النووية.
‘ ‘ ‘
ندرك جيدا حجم الاردن وظروفه الاقتصادية الصعبة، ولكننا ندرك ايضا ان الذهاب بعيدا في التورط في الملف السوري قد يكون مكلفا جدا للاردن، لان تطورات الوضع السوري، امنيا وعسكريا على وجه الخصوص، تشكل الخطر الاكبر على الاردن، وثانيا لان الحروب الامريكية والاسرائيلية في المنطقة، ومهما كانت محكمة التخطيط والتنفيذ، غير مضمونة النتائج، فقد علمتنا التجارب ان ‘اليوم التالي’ للانتصار مقدمة لايام صعبة من الهزائم لاحقا.
لنأخذ مثلا واحدا يؤيد ما طرحناه سابقا وهو القرار الاوروبي برفع الحظر عن واردات النفط السورية لتمكين المعارضة السورية من التصدير وتمويل عملياتها العسكرية. فالقرار ظاهريا سليم، ولكنه عمليا صعب او مكلف التطبيق، فآبار النفط السورية تقع تحت سيطرة جبهة النصرة وجماعات سلفية اخرى، فهل ستستورد اوروبا النفط من الشيخ ابو محمد الجولاني زعيم الجبهة، وهل ستتفاوض مع وزير نفطه مثلا على الكميات، وهل ستودع بنوك اوروبا العائدات في حسابات للتنظيم؟
العقيد سليم ادريس رئيس هيئة اركان المجلس العسكري الثوري التابع للجيش الحر قدم حلا لهذه المعضلة، طرحه امام مؤتمر اصدقاء سورية في اسطنبول، ملخصه ان يتم تشكيل جيش من 30 الف جندي وتسليحه بأسلحة حديثة ومتطورة يتولى طرد جبهة النصرة من المناطق النفطية التي تسيطر عليها، وقال انه يحتاج الى 40 مليون دولار شهريا لتمويل هذه القوات مثلما صرح لصحيفة ‘الفايننشال تايمز’ بحيث يقدم رواتب شهرية في حدود 100 دولار شهريا للجندي الواحد، اي اقل من نصف ما كان يقدمه الجنرال الامريكي ديفيد بترايوس لقوات الصحوات العراقية التي تولت مهمة محاربة تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين.
هذا الحل ربما يكون مغريا على الورق، ولكن التطبيق على الارض يعني حربا اهلية من نوع آخر، اي بين الثوار انفسهم، فجبهة النصرة لن تستسلم بسهولة، وما زالت شقيقتها في العراق (دولة العراق الاسلامية) قوية على الارض رغم تشكيل جيش من 80 الفا من الصحوات العراقية. وليس ادل على صلابتها ان بعض منتسبيها سخروا بشدة من نداء هيئة كبار علماء المسلمين بقيادة العلامة الشيخ يوسف القرضاوي الذي طالبها بالعودة عن قرارها بمبايعة الشيخ ايمن الظواهري زعيم تنظيم ‘القاعدة’.
الاردن سيجد نفسه قريبا في معمعة الحرب في سورية، فعندما تقول اسرائيل ان النظام السوري استخدم اسلحة كيماوية ضد شعبه، وعندما يطالب جون كيري وزير الخارجية الامريكي حلف الناتو في اجتماع لوزراء خارجيته في بروكسل ‘بأن يستعد للرد على الخطر الناجم عن النزاع في سورية خصوصا الاسلحة الكيماوية، وحماية اعضائه من هذا الخطر’ فإن هذا يؤشر على ان الطائرات الاسرائيلية، او قوات التدخل السريع الامريكية التي تتضخم اعدادها بسرعة في الاردن، باتت على وشك الانطلاق الى العمق السوري في محاولة لتدمير او الاستيلاء على المخزونات السورية من الاسلحة الكيماوية.
‘ ‘ ‘
درجة سخونة الجبهة الاردنية السورية تتصاعد بشكل متسارع، لأن هناك من يريد وضع الاردن ‘في بوز المدفع’، بينما هم يتمتعون برغد العيش في قصورهم الفارهة، يراقبون الحرب عبر شاشات التلفزة.
العاهل الاردني الملك عبدالله الثاني سيكون في طريقه الى البيت الابيض صباح اليوم، للقاء الرئيس الامريكي باراك اوباما واركان ادارته وقيادته العسكرية، ولا بد انه سيعود الى عاصمته عمان مثقلا بالخطط السياسية والعسكرية، تماما مثل الزوار الذين سبقوه الى المكتب البيضاوي ومدفأته الشهيرة للاعداد او لتنفيذ الخطوة القادمة للتعاطي مع الملف السوري المستعصي على الحسم عسكريا بالسرعة المطلوبة، سواء من قبل النظام او المعارضة.
لا نستبعد ان يكون التنفيذ بعد اختتام زيارة الزائر الاخير للبيت الابيض، اي السيد رجب طيب اردوغان الذي سيحطّ الرحال في واشنطن في منتصف ايار (مايو) المقبل، ومن المفارقة ان يتزامن مع ذكرى اغتصاب فلسطين، عام 1948.
العاهل الاردني الملك عبدالله قال ان اسرائيل تريد قصف مخازن الاسلحة الكيماوية السورية، بينما تفضل امريكا ارسال قوات تعدادها 17 الف جندي للاستيلاء عليها. نحن نرجح السيناريو الثاني، بحكم المناورات والتدريبات المتواصلة منذ عام في هذا الصدد، لكن لا يمكن استبعاد السيناريو الاول بالنظر الى سماح الاردن للطيران الاسرائيلي باستخدام اجوائه.
ايام الاردن القادمة صعبة، بل صعبة جدا، وهذا لا يعني ان الآخرين سيكونون في مأمن، وان النار لن تصل الى طرف ثوبهم.المنطقة كلها تقف على اعتاب ‘تسونامي’ خطير جدا، قد يجرف الكثيرين امامه، ولا نعتقد ان نظام الاسد، اذا سقط، سيسقط وحده، وقد يأخذ آخرين معه، والمعنى في بطن الكاتب!
Twitter:@abdelbariatwan

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول Naser Hasan- Palestine:

    لا اعرف هل السيد عطوان خائف على الاردن أم انه لا يريد منه التورط فقط. هنا محاولة للالتفاف على الحقيقة وهي أن الاردن أصبح يقف في الصف المعادي لسوريا التي يريد الغرب وامراء النفط تدميرها بنسخة اسوأ مما حصل في العراق. ولا اعرف لماذا يدعم عطوان ويدافع كل هذا الدفاع عن جبهة النصرة والقاعدة في حين لا يدعم حلفاءهم ممن يسمون بالثوار رغم أن تمويلهم وتسليحهم ودعمهم كله من قطر والسعودية التي تتدعي أنها تحارب الارهاب. لكن ما تقوم به كل دول التحالف الغربي والخليجي ضد العروبة هو استخدام الارهاب سواء كان اسلاميا أم علمانيا لتفتيت الدول الوطنية العربية واعادة الوطن العربي الى زمن القبائل والعشائر والطوائف بدلا من تخطي الدولة الوطنية الى الدولة القومية العربية الجامعة. نعم هذا ردا على القومية تعزيز التفتت والقبلية ليرتاح امراء المشيخات النفطية الذين لا يريدون رؤية أمه أو حتى دولة تهدد مصالح اسيادهم كما فعلوا في العراق.

  2. يقول سوري حر:

    أخر ما يتمناه السوريين جميعا هو رؤية قوات اميركية على أرضهم سواء كانو معارضة او مؤيدين . لكن سحقا لهذا النظام الذي وجه بنادق الجيش ومدافعه باتجاه مدنهم وقراهم . وكل ما نتمناه أن تعود سوريا لاهلها وناسها وبايدي الجيش الحر ولكنه يحتاج لوقت وجهد طويلين .

  3. يقول عبدالله امريكا:

    ياستاذ عبدالباري حياك الله الأعراب هؤلا دوخونا بمواقفهم وللأسف ان الأردن باع نفسه بسوق الرذيله لمن يدفع اكثر كاحدا العاهرات في سهره خليجيه.الى هذه الدرجه من السهوله سوف يغزوا سوريا الحبيبه ولم يكفيهم تدمير العراق.ثم ان الشام ستكون عصيه ومقبره لهم جميعآ ومقبره لكل هؤلا الأوغاد وجميع زباله الدنيا اللذين تم تجميعهم بأموال خليجيه قذره واالتي لم تستخدم يوما الى لتدميرنا كعرب ومسلمين.ثم لماذاكل هاذا التهويل وكان سوريه جمهوريه موز او احدى المحميات الخليجيه ثم أنكم لم تتطرقوا يوما الى موقف الحليفين الإيراني والروسي هل بهذه السهوله سيتركوا الحلقه الذهبيه في المنطقه ان تطير في يدا اخرى وارجو ان تتصور شكل المنطقه بعدها الرجاء افيدونا!!

  4. يقول ابوعبدالله السوري:

    قبل ان تدخل القوات الأمريكية الى العراق وتحتله بمساعدة ايران اطلق المسؤولون الغربيون تصريحات تمجد الجيش العراقي وتسليحه وانه رابع اقوى جيش في العالم وان وحدات الحرس الجمهوري العراقي مدربة احسن تدريب وانها ستكبد القوات الغازية خسائر فادحة الى درجة ان السذج العربان مثلنا انتظروا اللحظة اللتي يرون فيها القوات العراقية تمرغ انف امريكا كانت اكاذيب الصحاف تنعش قلوب العربان الى ان جاء اليوم اللذي رأينا فيه بغداد تسقط بدبابة امريكية واحدة وان طائراة السي آي ايه الخاصة قد هربت عملائها من قادة العراق الى الكويت وهذا سيكون حال النظام السوري وجيشه عندما تحصل معركة حقيقية

  5. يقول احمد:

    ارى ان التسخين هو اعلامي اكثر منه اجراءات من عمان الا يوجد حدود لاسرائيل مع سوريا لا تستطيع النفاذ منها لسوريا الا من خلال الاردن اتقوا الله بهذا البلد الملك ذهب لامريكا كي يقنع الكونكرس الامريكي الموافقه على المنحه الاضافيه التي وعد بها الرئيس الامريكي بزيارته الاخيره لعمان الكاتب يريد ان يجرم الاردن بما تنوي الدول الغربيه عمله في سوريا

  6. يقول ع.خ.ا.حسن:

    بسم الله الرحمن الرحيم.حروب امريكا في منطقتنا العربية الاسلامية لن تكون الا لصالح الوجود الاسرائيلي المهدد من المجاهدين السوريين وغيرهم،والغباء العربي عامة والخليجي خاصة،سيعيد سيناريو الغزو الامريكي للعراق والذي تبين ان تسليم العراق للنفوذ الايراني هو ضمان قوي لحماية الوجود الاسرائيلي.وللاسف الشديد فان السعودية ومن يدور بفلكها من الدول العربية وبحجة مقاومة المد الشيعي يتعاونون مع امريكا واسرائيل وهما العدوان الالد للعرب والمسلمين وجاهدان لايجاد وضع سوري يحمي حدود اسرائيل من غلواء المجاهدين ويمكن للنفوذ الايراني في سوريا حتى تتعزز هذه الحماية.تحالف ملالي ايران السري مع اعداء العرب والمسلمين وعلى رأسهم- الشيطان الاكبر-امريكا، يستنتجه كل منصف حيادي التفكير ومتزن العقل والضمير، وكل زوابع الخلاف الظاهرة فنجانية مهما بلغت حدتها.ولكن هذه الخطط الشيطانية لن يفشلها الا ثقة المجاهدين بالنصر فهم جند الله في الارض،وما النصر الا من عند الله، وان تنصروا الله ينصركم ويثبت اقدامكم،والذين كفروا فتعسا لهم واضل اعمالهم.فالى الامام يامجاهدي الامة لكنس الوهن الرسمي العربي والحقد الصهيوامريكي والكيد والمكر والشرك الصفوي الفارسي.

  7. يقول نذير من دير الزور:

    لدي دليل أنه لحد الآن جبهة النصرة ترفض حتى التدخل بين من يتصارعون على النفط, من يستثمر أي يسرق من النفط حاليا هم الأهالي و هم جيران خطوط النفط و بعض الآبار التي تقع بأراضيهم. أما جبهة النصرة فهي تقاتل و شعارها بالقتال هو إحذروا أبو شملة…… …ياريت كل من يحمل السلاح من الثوار أن يتمتع بأخلاق جبهة النصرة على الأقل من الناحية المادية

  8. يقول bachir:

    كن مطمأن سيدي الدكتور لن يتدخلوا حتى يفنوا بعضهم بعض ان جنديا واحدا امريكي كان او اسرائيلى يساوي كل العرب وحكامهم و ان شاء الله الدور يأتى على كل الملوك و بأيدي شعوبهم المقهورة المقيدة ان نصر الله قريب و يجعل له اسباب

  9. يقول صلاح الدين رزيق/الجزائر:

    اعتقد اننا مقبلون على الانهيار الكبير لشيئ اسمة العرب لانهم متحاسدون ومتامرون على بعضهم البعض وقزموا انفسهم الى درجة مظحكة واخر المضحكات ان ممثلي العرب المعتمدين لدى واشنطن هما امير قطر وملك الاردن والجميع يتساءل ,ماعلاقة الاميرين بالديمقراطية والحرية ؟وما هو الدور المنوط بهما من طرف امريكا سوى خدمة امريكا وابنتها المدللة في المنطقة؟؟

  10. يقول fahad:

    وماذا عن المجازر التي ترتكب في حق الشعب السوري وكذلك الفلسطيني ؟

    كلمة حق في الذي يحصل في سوريا اتق الله

1 2 3 4 5 7

إشترك في قائمتنا البريدية