دمشق – «القدس العربي»: تناقش وزارتا الخارجية التركية والروسية، إطلاق اللجنة الدستورية السورية، من جنيف، بعد تحديد مهام التشكيل السريع، بالتوازي مع التحضير لقمة مرتقبة منتصف شهر شباط/فبراير الجاري، لثلاثي استانة، روسيا وتركيا وإيران، في منتجع سوتشي الروسي.
فقد قال وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، إن جهود بلاده مع الدول المعنية تركّز على إنشاء لجنة لصياغة دستور جديد لسوريا تضم ممثلين عن منظمات المجتمع المدني والنظام والمعارضة. وأضاف في كلمته في اجتماعٍ نظمته بلدية «باي أوغلو» في اسطنبول، أمس الأحد، أن الجهود التركية تركزت على إنشاء لجنة لصياغة دستور جديد لسوريا، وإحياء مؤتمر جنيف بالتوازي مع الحفاظ على مساري أستانة وسوتشي، مؤكداً أن الأيام المقبلة سوف تشهد إنشاء لجنة لصياغة الدستور.
«ليست بالدستور فقط»
كما ناقش الوفد الروسي برئاسة المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرينتيف، ونائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي فيرشينين، في طهران الاحد إطلاق اللجنة الدستورية، حسب بيان لوزارة الخارجية، حيث جرى تبادل وجهات النظر حول مجموعة من القضايا المتعلقة بتطور الوضع في سوريا.
الحديث عن اقتراب اعلان اللجنة الدستورية جاء في اعقاب مشاورات جمعت المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا ونائب وزير الخارجية الروسي، مع ممثلي تركيا برئاسة نائب وزير الخارجية التركية، سادات أونال.
معارضون: الأهم من سيكون المؤتمن على الدستور وتطبيقه… و«الحل بخروج الأسد»
وتعد مسألة إقرار تشكيل «اللجنة الدستورية»، أهم مخرجات مؤتمر «سوتشي»، على أن تضم ممثلين عن المعارضة السورية والنظام وشخصيات مستقلة، وخبراء من ممثلي المجتمع المدني، والنساء، إذ انه من المفترض ان تساهم هذه اللجنة في التسوية السياسية السورية، برعاية الأمم المتحدة، وفقاً للقرار الدولي 2254.
وبالرغم من العبارات الدبلوماسية، التي أوحت بنتائج إيجابية حيال اللجنة المرتقب تفعيلها، بعد تحديد القواعد الإجرائية التي ستضمن العمل الفعال، الا ان معارضين سوريين يرون ان الدستور المقبل لن يقود إلى حل سياسي، طالما انه لا يصلح اصلاً ان يكون هناك إعلان دستوري قبل انتخاب برلمان جديد يناط له تشكل لجنة صياغة الدستور، اذا يلزم الدستور لجنة مختصة يختارها برلمان منتخب، في ظروف ديمقراطية.
المتحدث باسم الهيئة العليا للتفاوض – الجهة المشاركة في تشكيل اللجنة الدستورية – يحيى العريضي قال ان الدستور سيكون مقدمة المقدمة للدخول إلى الحل السياسي، بالرغم من عجزه على حل المشكلة السورية، مضيفاً «لا يمكن اختصار القضية السورية في دستور، فسوريا لم تكن خالية من دستور، لكنه لم يحترم إلا بما يخدم النظام السوري مع وجود صلاحيات غير محدودة لرأس النظام». ولفت العريضي لـ»القدس العربي»، إلى ان اي دستور لا يأخذ بعين الاعتبار مجموعة الصلاحيات التي تخول الرئيس بأن يكون حاكم بأمره، ولا يعمل على تقليصها وتحديدها وتوزيع السلطات بين التشريعي والرئاسي والتنفيذي والقضائي بشكل متوازن فلا قيمة له، مشيراً إلى إمكانية «وضع دستور مؤقت يلحظ فيه بنص دستوري ان يكون قابلاً للتعديل بعد انقضاء مدة محددة».
وسيتبع القمة الثلاثية التي أعلن عنها تشاووش أوغلو، سابقاً، بين الدول الضامنة (روسيا وتركيا وإيران) حول سوريا في مدينة سوتشي الروسية يوم 14 شباط/فبراير المقبل، إحاطة من المبعوث الدولي الجديد لمجلس الامن، بعد لقائه مع مختلف القوى الدولية والإقليمية المنخرطة في الصراع السوري من روس وأمريكان ودول أصدقاء سوريا والأطراف السورية من نظام ومعارضة، يطرح خلالها نتيجة مباحثاته، للحصول على زخم من مجلس الأمن يصار بعدها لدعوة إلى لجنة دستورية تجتمع فيها الأطراف المعنية تمهيداً لإطلاق اللجنة من جنيف.
ويقول معارضون سوريون ان الإعلان الدستوري حالياً سيكون موضع خلاف، في هذه المرحلة، وبرأي البعض فإن الحل الأفضل هو اعتماد دستور عام 1950 كونه يعتمد النظام البرلماني ولأنه كان موضع توافق كل المكونات الاجتماعية والقوى السياسية، ومشهوداً له بمدى تقدمه وصلاحه قياساً للدساتير في الدول المتقدمة من حيث المبدأ.
«2012 أم 1950»
فيما كان د. رياض نعسان آغا، الذي كان عضواً في الهيئة العليا للمفاوضات السورية، كما كان وزير الثقافة الأسبق لدى النظام السوري، اقترح مراراً التمسك بدستور 2012 مع تعديلات على بعض المواد الخاصة بالرئيس، عازياً السبب إلى ان الدستور المقبل سيكون طائفياً فِي المحاصصات وأسوأ من الدستور العراقي.
وعقّب مراقبون على اقتراح «آغا» بان دستور 2012 هو حل عملي وسط لأن مشوار قبول دستور 1950 مع تعديلاته صعب في الظروف الحالية، بينما يبقى دستور 2012 طريقه اقصر على ان يقر النظام ومجلس شعبه بالتعديلات بموافقة أممية وضغط دولي وإلا فإن أي دستور سيكتب من قبل دول صاحبة النفوذ سيعمل على تقسيمها، كما حصل في العراق، لا يمكن التخلص منه بمئات السنين.
وفي هذا الإطار قال المعارض السوري سمير نشار ان دستور عام 2012 وادخال تعديلات عليه يعطي الانطباع بأن النظام مستمر وأن لا تغيير جوهرياً طالما هي تعديلات، اما العودة لدستور عام 1950 فيعطي الانطباع بأن عملية التغيير بدأت وأن هناك مرحلة جديدة من تاريخ سوريا قد بدأت خاصة اذا تم ترحيل بشار الاسد، إما بقاؤه فلا قيمة لأي دستور كان.
وتحدث لـ «القدس العربي» عن الفرق الجوهري بين النظام البرلماني والنظام الرئاسي الذي يكون فيه رئيس الجمهورية هو صاحب الكلمة الاولى في تحديد السياسات الداخلية والخارجية، ويعتمد على صلاحيات يمنحها إياه الدستور، بغض النظر عن حجم الصلاحيات، فيما يعتبر النظام الرئاسي، نظاماً شديد المركزية ويحجب الكثير من السلطات والصلاحيات للهيئات الاخرى المنتخبة سواء كان مجلس النواب او المجالس المحلية للمحافظات التي تكون مجردة من الصلاحيات ولا تستطيع العمل إلا بموافقة المركز في العاصمة.
تأسيس للاستبداد
وقال نشار ان سوريا عرفت النظام البرلماني التي يكون فيها البرلمان هو صاحب الكلمة الأولى وذا صلاحيات فعلية وحقيقية والتي طبعاً تكون مستمدة من الدستور وأهم دستور حقيقي هو دستور عام 1950 الذي تم التوافق عليه بين المكونات الاجتماعية والقوى السياسية كافة والذي مثل الأكثرية الساحقة من السوريين، لافتاً إلى أن دستور عام 1950 تم العمل به من عام 1950 – 1958 عندما تمت الوحدة بين مصر وسوريا حيث تحولت الجمهورية العربية المتحدة إلى دولة شديدة المركزية والتي أسست للاستبداد.
واعرب عن ثقته في النظام البرلماني كونه «الأفضل في الحالة السورية إذا أردنا ان نحصل على تحول ديمقراطي حقيقي، ولأنه يمنح قدراً اكبر لسكان المحافظات ان تنتخب ممثليها ومجالسها المحلية والمحافظ الذي يدير شؤونها والذي يجب ان يكون منتخباً ايضاً ولا تستطيع السلطات المركزية اقالته او حل المجلس المحلي الا ضمن حالات قليلة يحددها الدستور، فالنظام البرلماني الذي كان سائدًا قبل حكم البعث وحافظ الاسد كان نظامًا ديموقراطيًا حقيقيًا وليس شكلياً كما هي حال جميع مجالس الشعب التي أسسها نظام الأسد».
موقف المعارضة يتلخص في أن القضية الأساسية والأولوية في الحالة السورية ليست الدستور، بل من يحترم ويطبق هذا الدستور، في ظل بقاء بشار الاسد وهو الحاكم المطلق في سوريا، وبعد ان ارتكب رأس النظام الحالي كل تلك الجرائم بحق السوريين، «يستحيل ان يجد أي دستور طريقه للتطبيق ولا حتى بضمانات دولية» إذ ان بداية التغيير يجب ان تكون بإخراج بشار الاسد مع المجرمين المطلوبين للعدالة من معادلة الحل السياسي.