الناصرة ـ ‘القدس العربي’: قال المؤرخ والناقد والناشط السياسي اليهودي الأمريكي، نوعام تشومسكي، في مقابلة مع التلفزيون الإسرائيلي إنه لا يعد نفسه معاديا لإسرائيل، بل داعم لها، مؤكدا على أنه ما قاله مرارا هو أن من يؤذون إسرائيل هم الذين يزعمون دعمها، ولكنهم يقودونها إلى التهافت وتدمير نفسها، وأضاف: أعتقد أن دعم إسرائيل يكمن في دعم السياسة التي تكون في صالحها، ولكنني لا أدعم وجود إسرائيل كدولة يهودية.
وعن لقائه بحسن نصر الله في بيروت وهو الذي يريد قصف تل أبيب رد: هذه صواريخ للردع، دعينا نعد خطوة واحدة إلى الخلف، قلتِ إنني أريد تدمير إسرائيل، أنا لا أؤمن بأن إسرائيل يجب أن تكون دولة يهودية، كما لا أؤمن بأن الولايات المتحدة يجب أن تكون دولة مسيحية، ولا أؤمن بأن باكستان يجب تكون دولة مسلمة.
وعندما سألته المذيعة: إذا نظرت إلى خريطة العالم، تجد دولا كثيرة، فلماذا تكون إسرائيل في المركز، وهي أفضل من غيرها؟ فأجاب قائلاً: بدأت بالسؤال ‘لماذا تكون إسرائيل في المركز؟’ والجواب هو: لا ليست إسرائيل في المركز بالنسبة إلي، بل التي هي في المركز بالنسبة إلي إنما هي الولايات المتحدة، ولسبب أخلاقي بسيط: فالمبدأ الأخلاقي هو أننا مسؤولون عن أعمالنا وتبعاتها. وكل جريمة ترتكبها إسرائيل، ترتكبها بمشاركة الولايات المتحدة وموافقتها. لذلك، فكل مواطن أمريكي طيب، حتى بدون اهتمام خاص بإسرائيل، يجب أن يكون الأمر في مركز اهتمامه، لأننا مشاركون في هذه الجرائم ومسؤولون عنها. ولو لم تكن لي علاقة قط بإسرائيل، وهي موجودة على أي حال، فإنني، كمواطن أمريكي، مهتم لأن الولايات المتحدة، ببساطة، متورطة تورطا مؤكدا، فما كان باستطاعة إسرائيل أن تهاجم غزة أو أن تقوم بالاحتلال بدون الدعم الأمريكي المباشر، دبلوماسيا واقتصاديا وعسكريا.
وردًا على السؤال كيف نتأكد من أن إيران لن تمحو إسرائيل، قال تشومسكي: لا تستطيعين التأكد، لذلك عليك القيام بخطوات لتخفيف الخطر، بحسب وجوده. والخطوة المطلوبة هي مأسسة جعل الشرق الأوسط منطقة خالية من السلاح النووي. هذا سوف يخفف الخطر. وهذا مهم، لأن الإسرائيليين الذين لا يريدون فعل هذا إنما يؤذون إسرائيل. وإذا كنت تضعين مصلحة إسرائيل في قلبك، فعليك تخفيض إمكانية وجود سلاح نووي في المنطقة. وهناك وسيلة سهلة لفعل ذلك سوف تلقى عمليا دعم العالم بأسره، أعني العمل على إقامة منطقة هنا خالية من السلاح النووي. لكن إسرائيل ترفض، وكذلك الولايات المتحدة، وهما تكرران الكلمات ذاتها: فكرة جيدة، لكن ليس في الإمكان فعلها ما لم تتحقق تسوية سلمية شاملة. وما الذي يعيق تسوية سلمية شاملة؟ الجواب معروف: الولايات المتحدة وإسرائيل تخالفان العالم كله في إجراء مفاوضات تؤدي إلى تسوية سلمية. الولايات المتحدة وإسرائيل لا تعارضان بالكلام، بل هما حقيقة تعيقان العملية. أضيفي إلى ذلك القانون الدولي.
وحول السؤال لو لم تكن في أمريكا، فأين ستكون؟ قال تشومسكي: سألتني هذا السؤال صحيفة هآرتس، وقلت إنني سأكون قطعا في إسرائيل. لكنني الآن لا أقول هذا، فالأمور تغيرت خلال السنوات الخمس الماضية، تغيرت بطريقة مؤذية للبلد، تستطيعين أن تري إسرائيل تؤذي نفسها يوما بعد يوم بعد يوم.
للمجموعة الحاكمة مزاج يسيطر عليه جنون العظمة واللاعقلانية، وهو ما يؤذي البلد أذى خطيرا. وفي الجانب الآخر، تعمد إهانة السفير التركي ليس أمرا بسيطا. خذي ردة الفعل لتقرير غولدستون.
لقد حولته إسرائيل إلى حدث عالمي. ولو استجابت إسرائيل بعقلانية، لقالت: شكرا يا سيد غولدستون لعملك الدقيق، وشكرا بصورة خاصة لإعطائنا هذه الهدية الثمينة، وهو ما فعله. فلو كانوا مهتمين بسلامة إسرائيل، لاهتموا بهذه الأمور.
لكن اللاعقلانية وجنون العظمة مؤذيان جدا وغير مجديين، وعلى المدى البعيد يؤديان إلى تبعات خطيرة مدمرة.
وعندما سألته الصحافية عن أنه قضى وقتا طويلا في استهداف إسرائيل، رد تشومسكي بالقول: هل طلبت مني منظمة العفو الدولية أن أعطيها تصريحا تستطيع استخدامه لانتقاد إسرائيل لانتهاكها حقوق الإنسان؟ وفيما يتعلق بالمحرقة (الهولوكوست) إبان الحرب العالمية الثانية قال الفيلسوف اليهودي الأمريكي إنه فيما يتعلق بمنكري المحرقة، بلى، إنه أمر فظيع، كما أنه أمر فظيع إنكار ما فعلنا، أيْ الأمريكيون، أعني القضاء على ملايين الهنود الحمر، على حد تعبيره. وساق قائلاً إنه لإسرائيل الحق في التمتع بحقوق كل الدول الأخرى، نقطة. لكنها تريد المزيد، ورفض المقولة بأن حقها في الوجود مثار جدل، وهو ما ليس لغيرها من دول العالم، وقال تشومسكي: لكن الدول الأخرى، الولايات المتحدة لا تطالب المكسيك بأن تقبل بحقها في الوجود، كما رفض قول الصحافية الإسرائيلية بأنه حين تسمع ما يقوله قادة حماس وإيران وحزب الله، تفهم أن هناك تهديدا مباشرا، وقال تشومسكي: أنت لا تفهمين أنه في سبعينات القرن العشرين، حين ظهرت هذه الدعوة، كانت حين عرضت مصر على إسرائيل، عام 1971 على ما أعلم، معاهدة سلام كامل، ولا شيء للفلسطينيين، وقد رفضتها إسرائيل لرفضها الانسحاب من سيناء، وهو الاعتراف الوحيد الذي أعرفه بحق إسرائيل في الوجود، على حد قوله.
جدير بالذكر أن السلطات الإسرائيلية منعته من دخول الدولة العبرية بسبب انتقاداته لسياساتها، وقال هناك حالة واحدة لم يُقبَل دخولي فيها إلى ذلك البلد، كانت هذه حكومة تشيكُوسلوفاكيا تحت الحكم الروسي عام 1968، لافتًا إلى أنه من الصعب التفكير بحكومة خارج أنظمة الحكم الشمولي ترفض السماح بدخول أحد الناس لأنه مدعو للحديث في إحدى الجامعات. كما أنه رفض إجراء اللقاء التلفزيوني باللغة العبرية، على الرغم من أنه يُجيدها، وبالتالي قامت الصحافية بإجراء المقابلة باللغة الإنجليزية، وقد قام الباحث بسام أبو غزالة بترجمة المقابلة إلى العربية.