الخرطوم ـ «القدس العربي»: يبدو أن الضغوط الأمريكية تتصاعد على السلطات العسكرية في السودان، إذ أجاز مجلس النواب الأمريكي مشروع قرار يدين الانقلاب العسكري ويدعم الشعب السوداني، بالتزامن مع مصادقة مجلس الشيوخ على تعيين جون غودفري سفيرا لواشنطن في الخرطوم، والذي ينتظر أن يتسلم مهامه خلال الأيام المقبلة.
ويعتبر غودفري أول سفير للولايات المتحدة الأمريكية في الخرطوم بعد 26 عاما من تخفيض التمثيل الدبلوماسي بين البلدين لمستوى القائم بالأعمال.
وعمل السفير الأمريكي الجديد في البعثات الأمريكية الدبلوماسية في دمشق وطرابلس والرياض وبغداد، فضلا عن عمله كمستشار للحد من التسلح في مكتب الأمم المتحدة في فيينا، وقائما بأعمال المبعوث الأمريكي الخاص للتحالف الدولي لهزيمة «الدولة الإسلامية»، والقائم بأعمال منسق شؤون مكافحة الإرهاب.
وعلى خلفية استضافة نظام الرئيس المخلوع عمر البشير لزعيم تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن، أدرجت وزارة الخارجية الأمريكية السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب في أغسطس/ أب 1993، وبعدها بثلاث سنوات أوقفت واشنطن عمل سفارتها في الخرطوم، فضلا عن فرض مجموعة من العقوبات الأخرى على السودان.
وبعد سقوط نظام «الإنقاذ» أعلنت واشنطن دعمها للحكومة الانتقالية، ولاحقا رفعت اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، واتفق الجانبان على ترفيع التمثيل الدبلوماسي لدرجة سفير.
وبالتزامن مع أول زيارة قام بها رئيس الوزراء السوداني، السابق عبد الله حمدوك إلى واشنطن في مايو/ أيار 2020، اعتمدت واشنطن، السفير نور الدين ساتي كأول سفير للخرطوم في واشنطن، بعد تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي بين البلدين.
ومنذ انقلاب العسكر على الحكومة الانتقالية، في 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تشهد البلاد زيارات متكررة لمسؤولين أمريكيين للوقوف على الوضع الراهن في السودان، والدفع من أجل تسوية بين الأطراف السودانية.
قمع المظاهرات
وبوساطة أمريكية ـ سعودية انعقد اجتماع هو الأول من نوعه منذ الانقلاب، بين المجلس المركزي لـ«الحرية والتغيير» والمجلس العسكري، الشهر الماضي، إلا أن اللقاءات انقطعت بعد لقاء ثان، حسب «الحرية والتغيير»، بسبب استمرار القمع العنيف للتظاهرات.
والخميس، حثت واشنطن، ضمن بيان مشترك لدول الترويكا والاتحاد الأوروبي «الفاعلين السياسيين الملتزمين بالانتقال الديمقراطي في السودان على المشاركة السريعة في حوار يشمل الجميع لتشكيل حكومة انتقالية مدنية ورئيس لهذه الحكومة والاتفاق على جدول زمني واضح لإجراء انتخابات حرة ونزيهة».
وعلى خلفية قرارات القائد العام للجيش السوداني عبد الفتاح البرهان الأخيرة، وإعلانه الانسحاب من المحادثات المباشرة، قالت إنها «تدرك نية الجيش المعلنة بالانسحاب من العملية السياسية بعد اتفاق الأحزاب المدنية على تشكيل حكومة انتقالية»، مطالبة إياه «بتطبيق هذه الالتزامات».
واشنطن تعيّن سفيرا لها في الخرطوم
وطالبت واشنطن السلطات العسكرية بتطبيق التزاماتها وإنهاء العنف ضد المدنيين، ومحاسبة المسؤولين عن أعمال القتل غير القانوني وغير ذلك من الانتهاكات والإساءات المرتبطة بحقوق الإنسان.
وأكدت على «ضرورة وجود وضوح تام بشأن الإشراف على دور ومسؤوليات الجيش»، مؤكدة أن «هذه المسائل لا يمكن أن يحددها الجيش من طرف واحد وأنها تتطلب الحوار والشفافية للمساعدة في تفادي وقوع خلافات مستقبلا».
ودعت إلى «تكوين حكومة انتقالية مدنية تحظى بقاعدة عريضة، في جميع أنحاء البلاد»، داعيا إلى «تكوين آلية لتسوية الخلافات للمساعدة في تفادي وقوع أي أزمات سياسية مستقبلا».
وفي وقت ظلت فيه الإدارة الأمريكية تسمي الانقلاب العسكري في السودان «استيلاء من قبل الجيش على السلطة»، شهد مجلسا الشيوخ والنواب تحركات واسعة لإجازة مشروع قرار يدين الانقلاب.
وفي مايو/ أيار الماضي، أجاز مجلس الشيوخ الأمريكي مشروع القرار، غير الملزم، الذي أقره مجلس النواب، والذي يدين الانقلاب ويطالب العسكر بوقف العنف واحترام الوثيقة الدستورية ومطالب الشعب بالحكم المدني والانتقال الديمقراطي.
ويدعو القرار الإدارة الأمريكية وحلفاءها في الترويكا والاتحاد الأوروبي لفرض عقوبات فردية على قادة الانقلاب والداعمين لهم، وإيقاف المساعدات غير الضرورية، خاصة التي تقدمها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.
الناشط الحقوقي عبد الباسط الحاج، قال لـ«القدس العربي» إن «مشروع قرار إدانة الانقلاب ظل داخل دوائر مجلس النواب الأمريكي منذ انقلاب المجلس العسكري في السودان».
وأضاف: أن «مقترح مشروع القرار المقدم من لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب وجد منذ تقديمه ترحيبا كبيرا وواسعا»، معتبرا ذلك «مؤشرا لاتفاق واسع في القطاع التشريعي الأمريكي حول إدانة الانقلاب العسكري في السودان، وفرض عقوبات فردية على معيقي التحول الديمقراطي في السودان من القادة العسكريين والداعمين لهم».
«خطوة هامة»
وأشار إلى أن «إقرار مجلسي النواب والشيوخ لمشروع القرار، خطوة هامة تسبق احالته إلى القطاع التنفيذي في الإدارة الأمريكية والمتمثلة في البيت الأبيض ومكتب الرئيس الأمريكي، جو بايدن، الذي يملك صلاحية اختيار نوع العقوبات التي يجب أن تفرض على قادة الانقلاب في السودان».
وتوقع «مضي واشنطن في فرض عقوبات فردية ضد قادة الانقلاب، حال تمسك العسكر بالسلطة، أو عدم اتخاذهم خطوات عملية لتشكيل حكومة مدنية والعودة إلى مسار التحول الديمقراطي في السودان».
ورأى أن «خطوة إجازة مشروع القرار الذي يدين الانقلاب العسكري في السودان، سيشكل ضغطا سياسيا ودبلوماسيا كبيرا على العسكر، لجهة أن العقوبات التي ستفرض ستكون فردية هذه المرة وستوجه ضد القادة العسكريين الذين يقفون عقبة أمام التحول الديمقراطي في السودان، أي أنها ستمس مصالحهم بشكل مباشر».
ولفت إلى أن «إيقاف المساعدات المقدمة من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، وفق القرار، يعني تحمل قادة الانقلاب المسؤولية الكاملة لتدهور الأوضاع الاقتصادية وترديها في البلاد، والتي تمضي نحو الانهيار بعد أن كادت تستقر في ظل الحكومة الانتقالية قبل الانقلاب، والتي شرعت في سلسلة من الإجراءات لمعالجة الاقتصاد السوداني وإعفاء الديون وتنشيط الاستثمار والتعاون الاقتصادي مع المجتمع الدولي».
أما المحلل السياسي الحاج حمد، فقد بين أن «واشنطن ما زالت تتعامل مع السودان كدولة داعمة للإرهاب».
وقال لـ «القدس العربي» إن «تعيين سفير من قلب الإدارة الأمنية الأمريكية في الخرطوم يؤكد أنه على الرغم من رفع واشنطن اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، إلا أنها تتعامل معه وفق السياق ذاته، الأمر الذي لم يمنع بالضرورة التنسيق الأمني المستمر بين الأجهزة الأمنية الأمريكية والسودانية، بما يتضمن الجيش والدعم السريع».
وأشار إلى أن «التعاون يشمل ملفات داخل وخارج السودان».
ورأى أن «الإدارة الأمريكية وصلت لرؤية مشتركة مؤخرا مع إسرائيل حول السودان، تدعم العودة للشراكة بين المدنيين والعسكريين، بالتزامن مع زيارة بايدن للشرق الأوسط، وتقديمه وعودا لإسرائيل بدعمها أمنيا وتوسيع شراكتها مع بعض دول الخليج».
يأتي كل ذلك في وقت لا تزال فيه الخلافات قائمة داخل الدوائر الأمريكية، بين القوى المساندة للانتقال الديمقراطي في السودان، والداعمين لاستمرار الشراكة بين العسكر والمدنيين، ومحاولات التوفيق بينهما.