خرج مئات السودانيين في تظاهرات منددة بانتهاكات قوات الدعم السريع، في عدة مناطق من البلاد، فيما سمي بجمعة الغضب، وندد المحتجون باحتلال تلك القوات للمستشفيات والمنازل واغتصاب عشرات النساء.
الخرطوم ـ «القدس العربي»: تصاعدت المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، أمس السبت في العاصمة السودانية الخرطوم، ومدن أخرى، فيما أفاد شهود عيان لـ«القدس العربي» بتنفيذ الطيران العسكري طلعات جوية في منطقة جنوب الخرطوم، وسماع دوي انفجارات وأصوات تبادل إطلاق نار في أنحاء متفرقة من العاصمة.
في وقت تجدد القتال بولاية جنوب دارفور غرب السودان والتي شهدت الجمعة حالة من الهدوء النسبي، سرعان ما تبددت صباح السبت.
جاء ذلك بعد ليلة عصيبة عاشها ملايين السودانيين العالقين في الخرطوم، في ظل تبادل القصف الجوي ومضادات الطيران. ووفق آخر بيان لمفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر ترك، أسفرت التكتيكات العدوانية عن مقتل ما لا يقل عن 958 مدنياً منذ بدء القتال، وإصابة 4.746 اعتبارًا من 12 حزيران/يونيو. لافتا إلى أن الأرقام الفعلية هي بلا شك أعلى من ذلك بكثير. فيما لا يزال أكثر من مليون شخص محاصرين في الخرطوم وأم درمان وبحري.
وأشار إلى تعرض المناطق السكنية المكتظة بالسكان للقصف، وإجبار قوات الدعم السريع الناس على ترك منازلهم ونهب ممتلكاتهم، ومهاجمة المستشفيات ونهبها واحتلالها، والاعتداء على العاملين الصحيين وترك الخدمات الطبية على وشك الانهيار. فيما لفت إلى تفاقم المعاناة بسبب النقص الحاد في الغذاء والماء والسيولة النقدية والكهرباء، وحرمان العديد من المدنيين الذين قُتلوا في الخرطوم وأم درمان من حق الدفن اللائق، ولا تزال جثثهم ملقاة في الشوارع أو في منازل مهجورة. حيث أفاد الهلال الأحمر السوداني أنهم دفنوا مؤخرًا 180 جثة مجهولة الهوية في جميع أنحاء البلاد. مشيرا إلى أن عشرات العائلات الآن تعيش في حالة من عدم اليقين بشأن مصير أحبائهم.
وفي السياق قال المواطن محمد سعد الدين لـ«القدس العربي» إنه على الرغم من اشتداد المعارك لم يكن يتوقع أنه سيأتي يوم ويغادر منزله بمدينة أمدرمان غربي العاصمة. إلا أنه فعل ذلك مرغما بعد اقتحام قوات الدعم السريع منزله وإطلاق النار داخله على نحو عشوائي من دون اعتبار لوجود مدنيين بينهم أطفال في الداخل.
على الرغم من ترك معظم سكان المنطقة منازلهم، ظل سعد الدين يرفض الخروج من منزله لأكثر من 70 يوما من حرب الجيش والدعم السريع، والتي امتدت إلى محيط الحي. بينما تحولت الشوارع الداخلية لساحة قتال، الأمر الذي تصاعد مؤخرا على نحو تسبب في حصار المواطنين داخل المنازل لأوقات طويلة في ظل انقطاع الخدمات والنقص الحاد في الغذاء.
وبين أن أسرته ظلت لأسابيع تعاني انقطاع خدمات الكهرباء والمياه، فيما أصبح البحث عن طعام أمر في غاية الصعوبة مع إغلاق معظم المحال التجارية في المنطقة حتى التي كانت تبيع بضائعها على نحو سري بسبب تصاعد المعارك، وأعمال النهب المسلح.
كذلك عبد المجيد عثمان الذي يقع منزله بالقرب من معسكر المدرعات التابع للجيش ومستودعات النفط ، جنوب الخرطوم، قال لـ«القدس العربي» إنه حاول العودة إلى منزله، الذي تركه قبل أيام، لأخذ بعض الأغراض الهامة إلا أنه وجد معظم المنازل في الحي مفتوحة، والتي يبدو أنها تعرضت لأعمال نهب واسعة.
أما منزله فكانت ترتكز أمامه سيارات عسكرية تابعة للدعم السريع، على بعد خطوات من معسكر المدرعات التابع للجيش. وقال لـ«القدس العربي»: «منزلي مهدد بالتدمير في أي لحظة حال تبادل القصف، المنازل التي بنيناها حجرا حجرا، بدمنا وعرقنا، يتم هدمها ومحوها في لحظات».
وحسب آخر إحصائية لمنظمة الهجرة الدولية، الثلاثاء الماضي ارتفع عدد الفارين من الحرب في السودان إلى 2.56 مليون شخص، حيث يقدر عدد النازحين داخليًا بـ 1.965.946 بينما يصل عدد الذين عبروا الحدود إلى البلدان المجاور إلى 598.883.
وفي مدينة بحري، شمال الخرطوم، اتهمت لجان مقاومة أحياء دردوق ونبتة، قوات تابعة للحركة الشعبية بقيادة مالك عقار- تم دمجها مؤخرا في الجيش- بارتكاب انتهاكات واسعة في المنطقة.
ويشغل مالك عقار، منصب نائب رئيس المجلس السيادي السوداني، فيما دمجت مجموعة من قواته في الجيش وفق بروتوكول الترتيبات الأمنية في اتفاق سلام جوبا الموقع في تشرين الأول/أكتوبر 2020.
وقالت لجان المقاومة إن سكان أحياء داردوق ونبتة يعيشون حالة من الذعر بسبب قتل تلك القوات مواطنين وقيامها بأعمال نهب وسلب واعتداءات على البيوت والمواطنين في الشوارع والأسواق.
وأشارت إلى أن تلك القوات تقوم باقتحام المنازل وتعتدي على السكان بالرصاص والضرب ثم تقوم بنهب محتويات المنازل. مبينة أنها ترتدي الزي التابع للقوات المسلحة ـ قوات الترتيبات الأمنية ـ قوات مالك عقار.
وأضافت: «من المفترض أن تلك القوات جاءت لفرض هيبة الدولة وقتال قوات الدعم السريع لكننا وجدناها تقاتل المواطن الأعزل بدلا من حمايته وحماية ممتلكاته».
ومع تكرار تلك الحوادث الفردية والجماعية دون السيطرة عليها من قبل قيادة تلك القوات، قالت لجان المقاومة أنه اتضح جليا أن نهج تلك القوات لا يختلف عن «الدعم السريع».
وذاق المواطنون المر من تلك القوات الأمر الذي دفعهم للإبلاغ عن تلك الحوادث في قيادة معسكر سلاح الأسلحة التابع للجيش بمنطقة الكدرو بمدينة بحري، من دون فائدة، حسب البيان. فيما أشار إلى أن الضابط المسؤول قال إن تلك المجموعة ليست تحت قيادته.
وأدانت اللجان بشدة كافة الانتهاكات التي يتعرض لها المواطنون، لافتة إلى أنها توضح عبثية الحرب وعدم التقيد بقواعدها المتعلقة بحماية المدنيين وعدم التعرض لهم، داعية إلى إيقافها فورا بكافة الوسائل السلمية ومحاسبة كل المتورطين بها .
وفي رصد انتهاكات تلك القوات في أحياء نبتة ودردوق، أشارت لجان المقاومة إلى الاعتداء على الشاب التجاني موسى وقتله داخل منزله بحي نبتة بعد ضربه بمؤخرة البندقية على رأسه ثم إطلاق رصاصتين على بطنه. فيما قتل شاب آخر ايهاب عثمان في ذات الحي خلال عودته إلى منزله.
وأطلق الرصاص على مجموعة من الشبان هناك أمام منازلهم بمخطط وتعرض سائق ركشة لإصابات بليغة، وأصابت تلك القوات فتاة بعيار ناري في الصدر بعد الاعتداء عليها بالضرب.
وكذلك رصدت ووثقت اللجان تهديد المواطنين في الشارع العام والاستيلاء على أموالهم وهواتفهم ونهب سوق داردوق أكثر من مرة.
يأتي ذلك بعد يوم واحد من خروج مئات السودانيين في تظاهرات منددة بانتهاكات قوات الدعم السريع، في عدة مناطق من البلاد، فيما سمي بجمعة الغضب، حيث ندد المحتجون باحتلال تلك القوات للمستشفيات والمنازل واتهمتها باغتصاب عشرات النساء.
فيما أشارت الأمم المتحدة إلى تلقيها تقارير موثوقة عن 18 حادثة عنف جنسي تتعلق بالنزاع، ضد ما لا يقل عن 53 امرأة وفتاة – من بين الضحايا 10 طفلات على الأقل. في إحدى الحالات ورد أن 18-20 امرأة اغتصبن في نفس الهجوم، مشيرا إلى أنه في جميع الحالات تقريبًا تم تحديد الجاني من قبل قوات الدعم السريع.