حرب الكهرباء إحدى صفحات المواجهة لخلق الضغوط على حكومة بغداد إضافة إلى القصف المتبادل، لتحقيق أهداف عديدة منها إرباك الأوضاع الأمنية وإفشال الاستعدادات لإجراء الانتخابات.
بغداد ـ «القدس العربي»: تتوإلى مؤشرات صفحة جديدة من المواجهات في سيناريو الصراع الإيراني الأمريكي الذي اختار ان يكون العراق ساحة النزال الرئيسية، والتي ستكون على حساب العراقيين، من خلال تبادل طرفي الصراع القصف بمختلف أنواع الأسلحة وخلق الأزمات المتتالية، وسط عجز حكومة بغداد عن إبعاد البلاد عن تداعيات هذا الصراع واكتفاءها بإصدار بيانات الرفض والاستنكار.
فبعد عجز حكومة إيران عن تحقيق أهدافها في المفاوضات النووية مع الغرب، وبعد تأكيد إدارة جو بايدن مواصلة العقوبات على طهران، وعقب مجيء رئيس إيراني متشدد، عادت الأخيرة إلى أسلوبها التقليدي المتاح أمامها، ألا وهو تحريك الأذرع والحلفاء في المنطقة عموما والعراق خصوصا، لخلق الأزمات وتصعيد التوترات الأمنية، للضغط على الولايات المتحدة وحلفائها.
ولأن العراق هو الساحة المفضلة لإيران في هذه المواجهة، فقد شهد البلد تصعيد الفصائل الولائية، القصف على السفارة الأمريكية ومطار بغداد والقواعد العراقية التي يتواجد فيها الخبراء الأمريكان، حيث تم تنفيذ سابع هجوم بصواريخ كراد على قاعدة الأسد في الأنبار منذ بداية 2021 وهجمات على السفارة الأمريكية وإطلاق طائرات مسيرة مفخخة فوق المنطقة الخضراء ومطار أربيل، إضافة إلى تزايد ملحوظ في الهجمات على الأرتال التي تنقل معدات وتجهيزات قوات التحالف الدولي في العراق. وجاء الرد الأمريكي على الفصائل بقصف معسكراتها على الحدود العراقية السورية، مع توعد بالمزيد من الغارات ردا على إعلان «تنسيقية الفصائل المسلحة» في العراق انها قررت تصعيد المواجهة ضد القوات الأمريكية في العراق، و«ستكون حربا مفتوحة معها».
والحقيقة ان الرد الأمريكي على تحديات الفصائل لم يقتصر على الغارات على بعض مواقعها فحسب، بل صاحبته تحركات دولية لافتة في المنطقة. ففي الوقت الذي أكد فيه الرئيس الأمريكي جو بايدن أن «إيران لن تحصل أبدا على سلاح نووي» أثناء وجوده في السلطة، فإن وزير خارجيته انتوني بلينكن، أكد خلال اجتماع التحالف الدولي ضد تنظيم «داعش» في العاصمة الإيطالية روما، أن الضربات الأمريكية التي استهدفت مقاتلين موالين لإيران في سوريا والعراق يجب أن تمثّل رسالة «قوية» لردع الفصائل عن مواصلة استهداف القوات الأمريكية. فيما قالت وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاغون» إنها «تشعر بقلق بالغ تجاه الهجمات على جنود أمريكيين في العراق وسوريا».
كما لا يمكن عبور قرار الولايات المتحدة، سحب قواتها ومخازن أسلحتها الاستراتيجية من قاعدة السيلة في قطر ونقلها إلى الأردن، مرورا عابرا، بل هو تأكيد على توجس أمريكي واستعدادات لحرمان إيران من توجيه ضرباتها إلى القوات الأمريكية في الخليج العربي في أية مواجهات مقبلة.
وفي السياق ذاته، قامت بريطانيا، بتحركات عسكرية واسعة، حيث عقدت لندن اجتماعا عسكريا لرؤساء أركان 9 دول عربية، هي مصر، والبحرين، والأردن، والعراق، والكويت، وسلطنة عمان، وقطر، والسعودية، والإمارات. وقال رئيس أركان الدفاع البريطاني، الفريق أول سير نِك كارتر، خلال الاجتماع، إن «بريطانيا على أهبة الاستعداد للوقوف إلى جانب شركائنا في الخليج للتصدي للتهديدات المشتركة لأمن المنطقة والأمن العالمي». وتزامن هذا الحراك مع وصول حاملة الطائرات البريطانية اليزابيث، التي تحمل 60 طائرة مقاتلة، إلى المنطقة إضافة إلى القطعات البحرية الأمريكية.
ولعل التخوف من تزايد مخاطر المواجهة في المنطقة، هو الذي دفع الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إلى «دعوة الأطراف المعنية إلى الالتزام بضبط النفس وتجنب التصعيد في المنطقة» فيما حذرت رئيسة بعثة الأمم المتحدة في العراق جنين بلاسخارت، من أن الهجمات المستمرة وآخرها استهداف مطار أربيل «تدفع بالبلاد نحو المجهول، وقد يدفع الشعب العراقي ثمناً باهظاً».
ومن جانبها، تنفي إيران مسؤوليتها عن مهاجمة القوات الأمريكية في العراق، وجاء ذلك لدى استقبال الكاظمي وفدا إيرانيا برئاسة رئيس استخبارات الحرس الثوري الإيراني حسين طائب، حيث طالب الكاظمي «بضرورة أن تتوقف الفصائل عن عمليات القصف، وإن هذه العمليات هي عمليات إرهابية وليست مقاومة» إلا إن طائب أبلغ الكاظمي «أن عمليات القصف التي تجري لا علاقة لها بالحرس الثوري والفصائل التي تنسق معه!» وكأن حكومة المريخ هي وراء دعم وتوجيه الفصائل.
وإضافة إلى القصف المتبادل، كانت «حرب الكهرباء» إحدى صفحات المواجهة لخلق الضغوط على حكومة بغداد، لتحقيق أهداف عديدة منها إرباك الأوضاع الأمنية وإفشال الاستعدادات لإجراء الانتخابات المقررة في تشرين الأول/اكتوبر المقبل. وقد أقر الكاظمي بأن هناك حربا منظمة يتم شنها في البلد، حيث قامت مجاميع مسلحة بنسف أكثر من 80 من الأعمدة الناقلة للتيار الكهربائي بين محطات التوليد والمحافظات، مع دفع عناصر غاضبة للتظاهر، بالتزامن مع قيام إيران بقطع التيار الكهربائي عن العراق، وذلك كله جاء في وقت تجاوزت فيه حرارة الجو 50 درجة مئوية، مما خلق فوضى وارباكا شديدا لحكومة الكاظمي، وسط إقرار الجميع بأن أزمة الكهرباء هي نتيجة فساد الأحزاب وسوء الإدارة، إضافة إلى الضغوط الخارجية.
ويبدو ان طرفي الصراع الولايات المتحدة والفصائل الولائية، قررا تصعيد المواجهة في المنطقة، مع تعقد المفاوضات النووية واستمرار العقوبات الأمريكية على طهران. ومع وجود تأثير اللوبي اليهودي الأمريكي على إدارة بايدن، وخاصة حملة الاتهامات الأخيرة له بالخضوع لإيران وعدم الضغط عليها كما كان يفعل ترامب، وبالتالي فإن الولايات المتحدة الأمريكية، التي تعد نفسها البلد رقم واحد في العالم، لا يمكنها السكوت طويلا على التحديات والضربات التي تتعرض لها قواتها وسفارتها. كما يشجعها في ردع الفصائل، أن قوى سياسية وتيارا شعبيا واسعا في العراق ودول المنطقة، يؤيدون الضربات الأمريكية على الفصائل، بعد ان عجزت حكومات بغداد عن ردعها أو حتى محاولة لجمها، وسط القلق من تنامي قدراتها وهيمنتها على البلد وتكرار سيناريو لبنان في العراق.
الصورة:
صواريخ تستهدف قاعدة عين الأسد