اليمن- عبد الله أحمد: شهدت العاصمة اليمنية المؤقتة عدن (جنوب)، الثلاثاء، احتجاجات ضد “حكومة المناصفة”، التي تشكلت وفق اتفاق الرياض، الموقع بين السلطة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم إماراتيا.
وهم يحملون شعارات المجلس الانتقالي، اقتحم مئات المحتجين الغاضبين، الثلاثاء، قصر “معاشيق” الرئاسي، مقر الحكومة، وصولا إلى الأجنحة التي يقيم فيها رئيس الحكومة والوزراء.
وجاء الاقتحام ضمن احتجاجات متواصلة منذ أسبوع في عدن ومدن في محافظة حضرموت (شرق)، احتجاجا على تدهور الخدمات العامة والأوضاع المعيشية.
وبعد ساعات قليلة من الاقتحام، انسحب المحتجون، إثر وصول مدير شرطة عدن اللواء مطهر الشعيبي، إلى القصر الرئاسي، لإقناع المتظاهرين بمغادرته.
وأثار هذا الاقتحام تساؤلات بشأن دوافعه الحقيقية، وما إذا كانت الاحتجاجات تلقائية أم ثمة أطراف خلفها، في ظل أحاديث عن أن قوات أمنية سهلت دخول المحتجين.
وفي ما يبدو إقرارا ضمنيا بمساندة المجلس الانتقالي لعملية الاقتحام، قال رئيس الجمعية الوطنية (هيئة قيادية) بالمجلس، أحمد سعيد بن بريك، عبر تويتر الثلاثاء، إن “إرادة شعب الجنوب دوما منتصرة”.
وحفاظا على ما تبقى من ماء وجه، دعا فتحي بن لزرق، صحافي وناشط سياسي جنوبي، الوزراء إلى الاستقالة، مشددا على أنه لا يمكن لحكومة أن تؤدي واجباتها تجاه الناس من دون أن تكون بكامل صلاحياتها.
ووضع، في تدوينة عبر صفحته على “فيسبوك”، الوزراء بين أن يكونوا بإمكانات وصلاحيات وسلطة ونفوذ كاملة، أو مجرد مرتزقة ينتظرون رواتبهم نهاية كل شهر، ويتحملون في سبيل ذلك كل مهانة.
ووصف “بن لزرق” مطالب الناس بـ”المشروعة”، لكنه شدد على ضرورة أن لا تكون الحكومة شماعة يتم تعليق الفشل عليها.
وخاطب الحكومة بالقول: “قدموا استقالتكم لكي نصل إلى نهاية المطاف، وتكون هناك دولة تقودونها بكل حزم ونظام ووفاء، أو يتوكل الانتقالي ويقيم دولته في عدن”، فـ”لا يمكن القبول بسيفين في غمد واحد”.
ادعوا وزراء الحكومة الى تقديم استقالاتهم من مناصبهم حافظا على ماتبقى من ماء وجه .
الواقع يقول اما ان تكون هناك حكومة…تم النشر بواسطة فتحي بن لزرق في الثلاثاء، ١٦ مارس ٢٠٢١
ويطالب المجلس الانتقالي بانفصال جنوبي اليمن عن شماله، وهو ما يواجه رفضا واسعا على المستويين الرسمي والشعبي.
بينما ربط مختار الرحبي، مستشار وزير الإعلام اليمني، بين تقدم الجيش في جبهات القتال ضد مسلحي جماعة الحوثي، واقتحام المحتجين لمقر الحكومة في عدن.
واتهم الرحبي، عبر “تويتر”، الإمارات بتحريك المرتزقة التابعين لها من أجل إرباك المشهد وإرهاق الحكومة بمشاكل ومعارك جانبية.
ورأى أن الهدف هو تخفيف الوضع على مليشيات “الحوثي”، في إطار التخادم بين الجماعة والإمارات، فكلما اشتد الخناق على “الحوثي” تفتعل الإمارات أزمات.
وعادة ما تنفي أبوظبي صحة اتهامات حكومية يمنية لها بتشكيل وتسليح “مليشيات” لخدمة مصالح إماراتية خاصة في اليمن.
متفقا مع الرحبي، قال عضو مجلس الشورى اليمني، صالح النخعي، إن “ما حصل في عدن جاء لخلق الفوضى فقط والخروج من حالة الانكسار التي تلقاها الانتقالي في (محافظة) أبين (جنوب)، وأيضا للتنفيس عن حليفه الخفي الحوثي، بعد الهزائم التي تلقوها عسكريا وسياسيا”.
وتابع النخعي، وهو قيادي بالائتلاف الوطني الجنوبي، للأناضول، أن “المجلس الانتقالي الجنوبي أراد حصول حالة من البهرجة الإعلامية للتنفيس عن خيباته، لصرف الأنظار عن الهزائم التي يلقاها الحوثي في كل من جبهة مأرب (شرق) وتعز (جنوب غرب)”.
فيما اتهم عبد الكريم السعدي، سياسي جنوبي، المجلس الانتقالي بـ”استغلال الحالة المعيشية المتردية في عدن وحضرموت وغيرها من مناطق الجنوب بشكل سيئ وغير أخلاقي للهروب من إخفاقاته السياسية المتلاحقة ومحاولة ركوب موجة الخروج الجماهيري التلقائي لفرض واقع جديد يخرجه من تلك الإخفاقات”.
وأضاف السعدي، للأناضول، أن “الانتقالي لا يهتم كثيرا بالوضع المأساوي الذي وصلت إليه مناطق الجنوب الواقعة تحت سيطرته وسيطرة المليشيات الأخرى التي تشاركه في تلك المناطق، والتي تخضع لطرف إقليمي واحد وتحمل مشروعه (يقصد الإمارات)”.
ورأى أن الانتقالي “يهتم بالمضي قدما في المشروع الإقليمي الذي تحمل مسؤولية نصرته في الجنوب لصالح دولة الإمارات وعلى حساب الناس في الجنوب وقضيتهم العادلة”.
وتابع: “معاناة الشارع الجنوبي يتحملها بدرجة رئيسية مكون الانتقالي، الذي جعل من احتياجات الناس ورقة مساومة سياسية يرفعها بأوامر الكفيل الإقليمي، كلما تضررت مصالحه”.
واستطرد: السلطة “الشرعية تأتي في المرتبة الثانية بعد الانتقالي في تحمل المسؤولية، لأنها منحته الشرعية وشاركته الحكومة ليس لخدمة مصالح الشعب، ولكن لأنه فقط تماهى مع بعض أطرافها في كثير من الأمور التي تستهدف الالتفاف على القضية الجنوبية”.
وفي 26 ديسمبر/ ديسمبر الأول الماضي، أدت حكومة جديدة اليمين الدستورية، وهي حكومة مناصفة بين محافظات الشمال والجنوب، حاز فيها المجلس الانتقالي 5 حقائب من أصل 24.
وهدف تشكيل هذه الحكومة إلى حل الخلافات بين السلطة الشرعية والمجلس الانتقالي، والتفرغ لقتال جماعة الحوثي، التي تسيطر على محافظات بينها العاصمة صنعاء (شمال) منذ سبتمبر/ أيلول 2014.
كما حَمَّلَ السعدي، “السعودية المسؤولية باعتبارها قائدة للتحالف العربي، الذي جاء إلى اليمن لمواجهة مليشيا واحدة، هي مليشيا الحوثي، وأصبح بعد مرور ست سنوات من التدمير والقتل، يتبنى أكثر من مليشيا في الشمال والجنوب”.
ومنذ مارس/ آذار 2015، ينفذ التحالف، بقيادة الجارة السعودية، عمليات عسكرية في اليمن، دعما للقوات الموالية للحكومة في مواجهة الحوثيين، المدعومين من إيران.
اعتبر محمد المحيميد، كاتب ومحلل سياسي، أن المجلس الانتقالي لا يريد لهذه الحكومة النجاح، منذ توقيع اتفاق الرياض في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019.
وأردف المحيميد، للأناضول، أن “تشكيل الحكومة بعد أكثر من عام على توقيع اتفاق الرياض، تم بالمخالفة لبنود الاتفاق، الذي رتب تشكيل الحكومة بعد تطبيق الشق العسكري والأمني من الاتفاق، وهو ما لم يحدث”.
ومن أبرز بنود هذا الشق، دمج قوات الجيش والأمن التابعة للحكومة والمجلس تحت قيادة وزارتي الداخلية والدفاع.
ورأى أن “ما حدث من اقتحام لقصر معاشيق هو نتيجة طبيعية لعدم تطبيق الشق العسكري والأمني، واستمرار سيطرة قوات الانتقالي على الوضع في عدن عسكريا وأمنيا”.
وبشأن توقيت تصعيد الانتقالي، قال المحيميد إن “عودة الحكومة إلى عدن (في 30 ديسمبر الماضي) واستقرار الأوضاع في الجنوب، يعزز مواجهة مليشيات الحوثي في جبهات مأرب وتعز وحجة (شمال)، وهو ما لا ترغب به قيادات في المجلس الانتقالي”.
وزاد بأن هذه القيادات “صرحت علنا بأنهم يفضلون سيطرة حوثية كاملة على المناطق الشمالية، ظنا منهم أن جماعة الحوثي ستكتفي بالشمال، ويكون الجنوب تحت سيطرة الانتقالي”.
واستطرد: “الانتقالي يرى أن من شأن هذه التطورات أن تصبح أي مفاوضات قادمة بينه هو والحوثي وتخرج الحكومة الشرعية من المشهد السياسي”.
وشَبَّهَ “ما يفعله المجلس الانتقالي من إضعاف للحكومة الشرعية بمن يطلق النار على قدميه خدمة للحوثي، التي لن تقبل بغير السيطرة على اليمن كله بقوة الحديد والنار”.
(الأناضول)