تصعيد عسكري شمال غربي سوريا… هل ينذر بانهيار الاتفاق التركي ـ الروسي حيال المنطقة وما مدى جدية الفصائل المسلحة في شن هجوم عسكري؟

هبة محمد
حجم الخط
0

دمشق – «القدس العربي»: توجه موسكو لتركيا وفصائل المعارضة السورية شمال غربي سوريا، رسائل تحذيرية، تحاول فيها ردع الفصائل عن استغلال الظرف الإقليمي لتقويض الترتيبات الروسية، عبر اقتناص الفرصة لملء الفراغات المتوقعة عن إعادة تموضع إيران ومجموعاتها المحلية في الشمال، وتنفيذ عمل من شأنه تغيير خطوط التماس، لا سيما بعد التحشيد العسكري المتواصل لهذه الفصائل.
ويقرأ محللون ومراقبون سوريون التصعيد العسكري الروسي شمال غربي سوريا، على أنه دعوة مبطنة للجانب التركي لتحمل مسؤولياته في ضبط فصائل المنطقة والإيفاء بالتزاماته، لا سيما عقب الاستهدافات المتكررة لروسيا في الساحل السوري.
ميدانياً، تشهد منطقة “خفض التصعيد” تصعيداً ملحوظاً في الهجمات الروسية خلال الساعات الفائتة، حيث شنت أكثر من 80 غارة على إدلب والأرياف القريبة منها، تزامناً مع استقدام قوات النظام تعزيزات عسكرية إلى محاور ريف حلب، بالتوازي مع دفع هيئة تحرير الشام لتعزيزات عسكرية إلى المحاور مع قوات النظام، استعداداً للهجوم على ريف حلب.
وتتركز الغارات على محيط قريتي الكندة والشيخ سنديان وكفريدين بريف جسر الشغور، وتلال كبانة بريف اللاذقية الشمالي، وقرية القرقور بمنطقة سهل الغاب بريف حماة الغربي، ومنطقة عين الزرقا قرب دركوش، وحرش بسنقول بريف إدلب، وحرش باتنتا، وغرب معرة مصرين قرب منطقة الشيخ بحر.
الدفاع المدني السوري قال،أمس الأربعاء، إن طفلة قتلت، في قصف مدفعي استهدف منزل عائلتها بين قريتي معربليت ومعرزاف في ريف إدلب الجنوبي، كما استهدف قصف مماثل حرش بلدة جوزف القريبة.
كما أصيب 6 مدنيين، 4 طلاب مدرسة ومعلمهم وامرأة، الأربعاء، في قصف صاروخي مصدره مناطق السيطرة المشتركة لقوات النظام وقوات سوريا الديمقراطية، على مدرسة ومستوصف قرية المحسنلي في ريف جرابلس شرقي حلب، حيث أسعفت فرق الدفاع المدني المرأة إلى مشفى جرابلس وتأكدت من عدم وجود مصابين آخرين في القرية التي شهدت حركة نزوح للمدنيين بسبب الهجمات.
وبحسب مصادر أهلية لـ “القدس العربي” فقد استهدفت المقاتلات الحربية الروسية منزلاً سكنياً على أطراف بلدة البارة وبساتين زيتون جنوبي إدلب، بينما استهدفت قوات النظام الطريق الواصل بين مدينة سرمين وبلدة النيرب في ريف إدلب الشرقي.
وفي إطار التصعيد المتبادل، ردت فصائل غرفة عمليات “الفتح المبين” على الهجمات، واستهدفت بالمدفعية الثقيلة محور قمة النبي يونس في ريف اللاذقية الشمالي.
ويفتح هذا التصعيد، بحسب مراقبين، الباب أمام عدة تساؤلات حول الرسائل الروسية الموجهة للجانب التركي وحليفه المحلي شمال غربي سوريا، وفيما إذا كانت هذه التطورات تنذر بانهيار الاتفاق التركي الروسي حيال وقف التصعيد في المنطقة، وهل من صالح فصائل الجيش الوطني أو هيئة تحرير الشام شن أي هجوم عسكري في الوقت الراهن؟ وما هو مدى جديتها؟
الباحث لدى مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، أيمن دسوقي، استبعد في حديث مع “القدس العربي” تعرض الاتفاق التركي – الروسي للانهيار، معتبراً أن ثمة توافقاً أكثر من أي وقت مضى بضرورة الحفاظ عليه، لا سيما في ظل حالة عدم اليقين الإقليمية جراء الاندفاعة “الإسرائيلية”، وعدم رغبة روسيا وتركيا في تحمل كلف تصعيد جديد في سوريا، وارتداداته على مصالح وأهداف كل منهما في سوريا.
وقال: “تعرض الاتفاق الروسي-التركي في آذار 2020 بخصوص إدلب إلى هزات قوية واختبارات عدة في محطات سابقة، كانت في سياق تبادل الرسائل والضبط لإعادة التوجيه، ليعقبها اجتماعات أفرزت آليات لتلافي الثغرات واحتواء التحديات الناشئة. لا يخرج التصعيد الروسي راهناً عن هذا السياق، باعتباره رسالة لردع أي طرف يحاول استغلال الظرف الإقليمي لتقويض الترتيبات الروسية، أو يحاول اقتناص الفرصة لملء الفراغات المتوقعة عن إعادة تموضع إيران وأذرعها في الشمال، كما أنها دعوة مبطنة للجانب التركي لتحمل مسؤولياته في ضبط فصائل المنطقة والإيفاء بالتزاماته، لا سيما عقب الاستهدافات المتكررة لروسيا في الساحل السوري”.
ومن هنا كانت الدعوة الروسية اليوم، لعقد جولة جديدة من أستانا، بهدف التأكيد عليها كآلية فعالة لتعزيز الاستقرار في سوريا، حيث أكد مبعوث الرئيس الروسي، نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، ضرورة عقد اجتماع جديد حول سوريا بموجب صيغة أستانا قبل نهاية العام الحالي.
وكالة “تاس” الروسية، نقلت عن بوغدانوف قوله أمس: “سيعقد اجتماع بالتأكيد، قبل نهاية العام”.
وفي الرابع والعشرين من كانون الثاني الماضي عقدت في العاصمة الكازاخية أعمال الاجتماع الدولي الـ21 حول سوريا بموجب صيغة “أستانا”.
الدسوقي اعتبر أن الدعوة لأستانا “وليس لقاء ثنائياً تركياً-روسياً مرتبطاً برغبة موسكو في إدارة الهواجس الإيرانية”.
وفي رأي الدسوقي، أنه ليس من صالح فصائل الجيش الوطني ولا هيئة تحرير الشام شن أي عملية عسكرية في الوقت الراهن، عازياً السبب إلى وجود “مخاطر عالية، لا تتناسب مع المكاسب المتوخاة، فضلاً بأنه ليس هنالك موارد كافية ولا غطاء سياسي إقليمي أو دولي لهذا التحرك”.
وحول جدية المعارضة السورية في شن هذا الهجوم، عبّر الدسوقي عن اعتقاده بأن الأنباء المتداولة بخصوص عمل عسكري من قبل بعض الفصائل، مرتبطة بغايات محلية وتسويقية لهذه الفصائل.
وهو ما اتفق معه الباحث والمحلل السياسي محمد سالم الذي اعتبر أن الغارات الروسية تهدف لتحذير فصائل المعارضة من عواقب أي عمل عسكري في ظل انتشار الشائعات حول استعداد الفصائل لعمل عسكري.
وقال: “لا أعتقد أن الفصائل يمكن أن تقدم على أي عمل عسكري دون موافقة أنقره لأسباب كثيرة منها الأسباب اللوجستية والإمدادية، كما أن أنقرة ليست بصدد زيادة التوتر مع روسيا والقيام بما يؤدي إلى نزوح جديد، بل على العكس هي ترغب في تعزيز الاستقرار ومنع أي موجات لجوء جديدة”. وأضاف: “الرسائل من الغارات هي رسائل تحذيرية بالدرجة الأولى”.
ووفقاً لمنظمة “منسقو الاستجابة”، فإن منطقة شمال غربي سوريا تعرضت لنحو 3000 هجوم من قبل قوات النظام وحلفائه منذ بداية العام الحالي، ما أسفر عن سقوط مئات القتلى والجرحى من المدنيين، لافتة إلى تعرض المنطقة خلال اليومين الماضيين لأكثر من 35 غارة جوية روسية استهدفت مناطق حيوية، بما في ذلك محيط مخيمات النازحين، محطة كهرباء، وأحياء سكنية.
وقالت، في بيان الأربعاء، إن عدد الاستهدافات من قوات النظامين السوري والروسي ومجموعات إيران منذ بداية العام تجاوز 2877 استهدافاً، ما أدى إلى مقتل 48 مدنياً، بينهم 6 نساء و12 طفلاً، وإصابة 236 آخرين بجروح، بينهم 39 سيدة و91 طفلاً.
وفي تحليل للمشهد العسكري، قال الباحث في الشؤون العسكرية لدى مركز جسور للدراسات، النقيب رشيد الحوراني لـ “القدس العربي”: “نفذت الفصائل العسكرية خلال السنة الماضية والحالية العديد من العمليات العسكرية على نقاط النظام وأدت إلى وقوع خسائر مادية وبشرية في صفوفها، وفي ضوء تقدير المواقف لحالة قوات النظام والتطور الذي حصل في قدراتها القتالية بعد اتفاق آذار/ مارس 2020 بدأت بالترويج للقيام بعمل ضد النظام”.
ويندرج “هذا الترويج” وفق رأي حوراني “ضمن الحرب الإعلامية والنفسية لتحقيق هدفين، جس نبض الأطراف المتدخلة وخاصة روسيا وتركيا، من أي عمل عسكري، وللترويج لقوتها وتطور جاهزيتها القتالية”.
لكن المتحدث توقع على خلاف المحللين، أن تشن الفصائل عملاً عسكرياً على محاور النظام في ضوء جاهزيتها وتنامي قدراتها التنظيمية والتدريبية، وقدراتها التي تمكنت بموجبها تكبيد النظام الخسائر العسكرية والبشرية، وذلك من خلال العمل على تحقيق هجوم واسع وخاطف في وقت يرونه مناسباً ثم فتح الباب لمفاوضات تركية روسية تدخلها تركيا وهي بيدها أوراق قوة أكبر متمثلة بما تم تحريره خلال العملية الخاطفة.
وحول الرسائل الروسية، قال رشيد الحوراني إن التصعيد الروسي موجه لكل من الفصائل وتركيا ويحمل رسائل تحذيرية وتنبيهاً للفصائل بعدم القيام بأي عمل من شأنه تغيير خطوط التماس، كما أن أي عمل قد يواجه بتصعيد عسكري روسي من خلال الطيران، مشيراً إلى أن روسيا “تريد بنهجها الإرهابي الضغط على المدنيين ما أمكن في وقت لم تستطع امتلاك بنك أهداف عسكرية” تقوم باستهدافه عبر الطيران المسير أو الطيران الحربي واقتصرت أهدافها على المنشآت المدنية.
وفي الطرف المقابل، أفادت وزارة الدفاع لدى النظام السوري، في بيان لها نشرته على موقعها الرسمي، بأن “وحدات من قواتنا المسلحة العاملة على اتجاه ريفي اللاذقية وإدلب تمكنت من إسقاط وتدمير 9 طائرات مسيرة” للفصائل المسلحة.
وأوضح البيان أن الفصائل حاولت “عبر الطائرات المسيرة الاعتداء على نقاطنا العسكرية والقرى والبلدات الآمنة، قبل أن تتمكن وحدات الجيش من التعامل معها ومنعها من الوصول إلى أهدافها”.
وحسب مصدر عسكري لصحيفة الوطن شبه الرسمية، فقد قصفت قوات الجيش بالمدفعية الثقيلة مواقع عسكرية في مدينة الأتارب في ريف حلب، ومواقع في قريتي القصر وكفرعمة في ريف حلب الغربي.
وذكر المصدر أن قوات النظام استمرت “بإرسال التعزيزات العسكرية إلى محاور التماس مع مناطق تحصن تنظيم جبهة النصرة في ريفي إدلب وحلب، حيث دفعت بتعزيزات ضخمة من عناصر وآليات عسكرية خلال الـ24 ساعة الماضية توزعت على عدد من جبهات القتال في ظل التحشيد المستمر من قبل قواته من جهة والنصرة من جهة ثانية والحديث عن عزم التنظيم شن عملية عسكرية واسعة تستهدف مواقعه في مدينة حلب وريف إدلب الجنوبي والشرقي وريف حلب الغربي”.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية