الخرطوم ـ «القدس العربي» ووكالات: تتصاعد احتمالات المواجهة العسكرية في المناطق الحدودية بين إثيوبيا والسودان، وسط اتهامات متبادلة، وهجمات سقط خلال قتلى من المدنيين.
وقال المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية، دينا مفتي، أمس الثلاثاء، إن «الجيش السوداني يواصل التعدي على حدود إثيوبيا ومضايقة المزارعين الذين يعيشون على طول الحدود».
وبين أن: «أديس أبابا تبنت التهدئة في الخلاف مع السودان، لكن يجب ألا يعتبر صمتنا خوفا».
أضاف أن بلاده أكدت من قبل أنها «لا تسعى وراء خيار الحرب» مشيرا لما وصفها بـ«أطراف أجنبية ثالثة تسعى لتحقيق منافع سياسية». وأكد أن إثيوبيا «تعطي أولوية للسلام والدبلوماسية».
وقال إن بلاده متمسكة بالحوار مع السودان وتسعى لعدم تضخيم موضوع الحدود بين البلدين وجعله قضية إقليمية.
«القفز إلى الأمام»
وسارع رئيس المفوضية القومية للحدود في السودان معاذ تنقو للرد على الاتهامات إثيوبية، موضحاً أن جيش بلاده «لم يهاجم إثيوبيا ولن يحل مشاكله الحدودية بالحرب».
وأضاف «لا توجد قوات سودانية في أرض إثيوبية، بل هي موجودة في السودان وتعرف جيدا حدود بلادها».
واعتبر أن الاتهامات الإثيوبية للجيش السوداني بالتعدي على أراضيه تمثل «محاولة للقفز إلى الأمام، وقواتنا لم تتعدَ الحدود الدولية».
وتشهد الحدود السودانية الإثيوبية، توترات عسكرية غير مسبوقة، تنذر بوقوع مواجهات عسكرية وشيكة، وفق مصدر عسكري سوداني.
وقال المصدر، مفضلا حجب هويته، إن الجيش الإثيوبي، نفذ مؤخرا طلعات جوية في المناطق الحدودية، معتبرا ذلك محاولة لجر السودان إلى الحرب.
وأضاف أن «الجيش الإثيوبي يقوم بعمليات استفزازية، أسفرت عن قتل مواطنين مدنيين داخل الحدود السودانية».
وتابع «الجيش في كامل الاستعداد والجاهزية لحماية أراضيه، ولن يسمح للجيش الإثيوبي والميليشيات بالعودة إلى الأراضي السودانية التي سيطر عليها».
وزاد المصدر: «القيادة السودانية رأت ضرورة ضبط النفس، واللجوء إلى الحوار، وصولا إلى بدء ترسيم الحدود على الأرض».
خطة محكمة
والإثنين، كشف حاكم ولاية القضارف، سليمان علي عن خطة محكمة وضعتها الحكومة لتنفيذ مشاريع تنموية وإعمار على الشريط الحدودي مع إثيوبيا لتعزيز ما حققه الجيش السوداني.
جاء ذلك خلال زيارة ميدانية لعدد من المناطق على الشريط الحدودي بين السودان وإثيوبيا، حسب وكالة الأنباء السودانية الرسمية.
وأفادت الوكالة بأن حاكم ولاية القضارف اطلع على مجمل الأوضاع الأمنية بمناطق الشريط الحدودي من خلال الشرح الذي تلقاه من قادة القوات.
وكشف عن خطة محكمة وضعتها الحكومة لتنفيذ مشاريع تنمية وإعمار على الشريط الحدودي لتعزيز ما حققه الجيش وتحقيق الاستقرار بتلك المناطق، دون تفاصيل عن الخطة.
وأكد دعم الحكومة الكامل لمجهودات الجيش على الشريط الحدودي مع إثيوبيا.
وأضاف» لن نفرط في شبر من أراضي الوطن وسن فرض سيادة الدولة على كل حدودنا الدولية».
قائد المنطقة الشرقية اللواء ركن أحمد بن محمد خير، أكد قدرة القوات المسلحة على بسط سيطرتها وتأمين الحدود السودانية.
وأضاف حسب المصدر ذاته، أن عمليات القوات المسلحة وإعادة الانتشار والانفتاح في المنطقة تأتي في إطار تأمين الحدود السودانية.
وأشار اللواء خير إلى حاجة مناطق الحدود الى بسط الخدمات والتنمية من أجل تحقيق الاستقرار وتعمير مناطق الحدود.
جهود كبيرة
مصادر في القصر الرئاسي في الخرطوم أكدت لـ «القدس العربي» أن دولا إقليمية عديدة تبذل جهودا كبيرة لنزع فتيل الأزمة بين السودان وإثيوبيا، من أجل أن تعاود لجنة الحدود السودانية الإثيوبية المشتركة اجتماعاتها بعد أن فشلت الجولة السابقة التي عقدت آخر العام الماضي في التوصل إلى تفاهمات بشأن مسألة الحدود.
وبينت المصادر أنه « يفترض أن يغادر عضو مجلس السيادة محمد الفكي سليمان غدا الأربعاء (اليوم) إلى المملكة العربية السعودية حيث سيناقش مع السلطات هناك أزمة الحدود مع إثيوبيا وعدد من الملفات المتصلة «.
قتلى مدنيون
يأتي ذلك في وسط غضب سوداني كبير بعد أن شنت قوات إثيوبية مسلحة ظهر الإثنين، هجوما على منطقة اللية في محلية القرّيشة داخل الحدود السودانية بعمق خمسة كيلومترات في أراضي الفشقة، ما أدى لمقتل خمسة نساء وطفل وفقدان امرأتين.
ونقل موقع «سودان تربيون» عن مصادر قولها إن الهجوم وقع أثناء عمليات حصاد الذرة في الشريط الحدودي، ما أدى إلى تدخل الجيش السوداني وتمشيط المنطقة وملاحقة القوات الإثيوبية.
وأفادت أن «القوة الإثيوبية نصبت كمينا كان يستهدف الجيش السوداني بتمركز قناصة ببنادق آلية أعلى أشجار كثيفة لكن الكمين راح ضحيته مدنيون».
قتلى سودانيون في هجوم إثيوبي… وحراك إقليمي لنزع فتيل الأزمة
ووقع الهجوم بعد يوم من مناوشات دارت ليل الأحد في منطقة ود كولي الحدودية تمكنت خلاله القوات السودانية من صد هجوم إثيوبي. وتمكنت القوات السودانية من تمشيط المنطقة وتوقيف أحد قادة الميليشيا الإثيوبية التي فلحت أراضي بستانية لمزارع سوداني منذ ستة أشهر.
وتشير المصادر ذاتها إلى أن قوات الاحتياطي والجيش تمكنت من إخلاء القتلى ودفنهم في مقبرة جماعية وسط تشييع مهيب بحضور قيادات من الشرطة والجيش وسط مطالب لأهالي المنطقة بحسم اعتداءات الميليشيات الإثيوبية.
وطبقا لمصادر مطلعة تحدثت لـ«سودان تربيون» في وقت سابق، فإن التوقعات تشير إلى نذر مواجهات عسكرية بعد انتقال تحشيد القوات العسكرية بين الجيشين السوداني والإثيوبي من المناطق المحاذية لمحلية القرّيشة إلى محليتي باسندة والقلابات الشرقية في ولاية القضارف المتاخمتين لإقليم الأمهرا الإثيوبي.
وأفادت أن الطيران الحربي الإثيوبي نفذ طلعات جوية الأولى من نوعها في المناطق الحدودية في إقليم الأمهرا المجاور لشرق سندس بمحلية القلابات الشرقية.
وكانت لجنة الحدود الإثيوبية أصدرت بيانا السبت الماضي، حول الوضع الحالي على الحدود.
وقالت إن «الحدود الإثيوبية السودانية كانت محل نزاعات بين البلدين منذ أكثر من قرن، وإن توتر العلاقات بين البلدين والشعبين لم تكن أكثر من نزاع حدودي، وتم التوقيع على اتفاقية ترسيم الحدود لأول مرة في عام 1902، لكن الجانبين لم يحدداها، ومع ذلك عمل جوين، وهو مساح بريطاني، والسودان كانت مستعمرة بريطانية في ذلك الوقت، على ترسيم الحدود بمفرده في عام ،1903 وإثيوبيا لم تقبل بذلك».
وزاد: «البلدان اتفقا على إعادة ترسيم حدودهما من خلال التوقيع على تبادل الملاحظات في 18 يوليو 1972 لحل مشكلة الحدود المشتركة، تم تبادل المذكرات في سلسلة معاهدات الأمم المتحدة المشتركة».
وحسب البيان «اتفق البلدان على حل الخلاف الحدودي وديا واتفقا على بقاء كل طرف على الموقع الذي كان فيه حتى يتم ترسيم الحدود باتفاق طرفي النزاع».
«جانب الحقيقة»
ولم يتأخر الرد السوداني، فقد جاء على لسان المستشار الإعلامي لرئيس مجلس السيادة السوداني، العميد الطاهر أبو هاجة، الذي اعتبر أن البيان الإثيوبي «جانب الحقيقة والصواب وحاول إخفاء بعض المعلومات المهمة».
وأضاف في مقال نشرته الصفحة الرسمية للقوات المسلحة السودانية على «فيسبوك» أن «اتفاقية الحدود التي تمت إبان وقوع الدول الأفريقية تحت سيطرة الاستعمار، محل إقرار وموافقة منظمة الوحدة الأفريقية، وبالتالي الاتحاد اأافريقي معترف بها، وبذلك تُمثل لدى المجتمع الدولي والإقليمي وثيقة تحدد الحدود الرسمية بين السودان وإثيوبيا».
وتساءل: «لماذا وافقت إثيوبيا على اتفاقية 1902م لمدة تجاوزت 118 عاماً وعادت لرفضها والاعتراض عليها الآن؟».
وأوضح: «كنوع من التحايل الدبلوماسي استخدم البيان كلمة نزاع حدودي بين البلدين، وكأنما هناك حقوق ضاعت من الطرف الآخر ظلماً، والحقيقة الواضحة أن الطرف الذي وقع عليه التعدي هو السودان وليس إثيوبيا، فاستخدام كلمة نزاع فيه إخفاء للحقيقة».
وأضاف: «ألا يدري هؤلاء أن اتفاقية 1902، تبعت أراضي سودانية مهمة كبني شنقول لأثيوبيا، والتي بني عليها سد النهضة؟، وما أدراك ما سد النهضة، في ظل صعوبة الوصول لاتفاق يحافظ على الشراكة العادلة بين الدول المستفيدة».
وأكد أن «اتفاقية 1902 نافذة وللسودان مستندات وخرائط ووثائق وإثباتات توضح حتى اعتراف إثيوبيا بحق السودان وتوضح كيف أن السودان سمح للمزارعين الاثيوبيين بالاستفادة والانتفاع من الأراضي السودانية».
وشدد على أن «الحدود التي تم التوقف عندها في عام 1972، تم اختراقها منذ 25 عاما والسودان الآن أعاد انفتاح قواته وانتشارها داخل حدوده ولم يعتد على أحد».
ونوه إلى أن «احترام العلاقات الأزلية المُتجذرة محل تقدير الجميع، واللجوء للقانون الدولي كما ذكر البيان خطوة ممتازة، وهي الطريق السليم الذي لجأ إليه السودان منذ البداية كإتباع الحوار والتفاوض كأسلوب أمثل لحل خلافات الأشقاء».
«سلوك توسعي»
ويبدو أن «سلوك إثيوبيا تجاه السودان له طبيعة توسعية» حسب، أستاذ العلوم السياسية في مركز الدراسات الدولية في الخرطوم، الرشيد محمد إبراهيم. الأخير أشار إلى إصرار أديس أبابا «على غض الطرف عن كافة الخرائط القديمة، بما فيها التي رسمت حدودها وأفضت إلى انفصال إريتريا عنها».
وأوضح أن «أديس أبابا ستجد نفسها مضطرة للتوقف عن هذا السلوك لأن عدم اعترافها وإقرارها بتعيين حدود عام 1902، سيدفع السودان للتفكير في استعادة إقليمي بني شنقول وجامبيلا اللذين كانا تحت سيادته قبل عملية ترسيم الحدود التي أقرها الاستعمار البريطاني في ذلك الوقت».
ولفت إلى أن «ما تذهب إليه إثيوبيا في الوقت الحالي يتعارض مع مبادئ الاتحاد الأفريقي الذي يقوم نظامه الأساسي على عدم تغيير الحدود التي تركها الاستعمار، وستواجه خطواتها الراهنة برفض قوي من دول كثيرة في القارة وليس السودان فحسب، ما يجعل موقفها يأخذ طابعا إعلاميا أكثر منه قانوني، ويتعلق بشكل أكبر بالأزمة الداخلية في ظل سعي آبي أحمد لتقوية جبهته والحفاظ على تحالفه مع جماعة الأمهرة».
وشدد على أن «إثيوبيا تناور بشأن وضع العلامات على الأرض لأن الحدود جرى تعيينها بالأساس ومتفق عليها رسميا، وأن التكتيكات التي تتبعها حالياً بشأن أزمة الحدود تتطابق مع موقفها من مفاوضات سد النهضة».
وشهدت الفترة الأخيرة توترات عسكرية على الحدود السودانية ـ الإثيوبية على خلفية مهاجمة مجموعة من القوات الإثيوبية جنودا سودانيين، ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى.
ومنذ نحو 26 عاما توجه اتهامات لعصابات إثيوبية بالاستيلاء على أراضي مزارعين سودانيين في منطقة الفشقة (شرق) بعد طردهم منها بقوة السلاح. وتتهم الخرطوم الجيش الإثيوبي بدعم هذه العصابات، لكن أديس أبابا تنفي ذلك.