تظاهرات تونس: لماذا عاد شعار «إسقاط النظام»!

حجم الخط
6

تشهد تونس احتجاجات متواصلة تعتبر الأكثر حدّة وانتشارا منذ عملية قيس سعيّد الانقلابية في 25 تموز/يوليو 2021، وهي العملية التي أقصت مجمل القوى السياسية الفاعلة في البلاد، وركّزت السلطات السياسية والبرلمانية والقضائية في يد الرئيس، ورغم الدعم السياسي الذي لقيته الحركة الانقلابية من دول غربية وعربية، فإن ذلك الدعم لم يتجسد على شكل مساعدات اقتصادية، في الوقت الذي ساهمت سياسات الحكومة في هروب المستثمرين الأجانب، والسياح.
أدخلت سياسات سعيّد المنفردة البلاد في أحد أسوأ الأزمات الاقتصادية والمعيشية، وساهم ذلك بسخط كبير جراء ارتفاع أسعار المواد الغذائية ونقص السلع وحتى الأدوية وزجاجات المياه، واستمر الانهيار في قيمة العملة المحلية، واقترب معدل التضخم من 10٪، وصار التونسيون ينتظرون ساعات أمام المخابز والمحال التجارية لشراء السلع المدعومة، كما انتشرت طوابير أمام محطات الوقود بسبب نقص البنزين رغم زيادة سعر الوقود 4 مرات خلال العام الجاري. رفعت هذه التداعيات كلّها مستويات الفقر والبطالة وساهمت في موجات من الهجرة غير الشرعية وصار غرق الشبان التونسيين في البحر خبرا يوميا مفجعا.
تحولت الحكومة التونسية، منذ ولادتها، إلى ما يشبه صفا دراسيا يتلقى إملاءات الرئيس والاستماع إلى محاضراته وتنفيذ طلباته، ودفع هذا العجز الذاتي عن الفعل، والافتقاد للمصداقية والشرعية، إلى كونها مسببا رئيسيا في الأزمة الراهنة، فهربت الاستثمارات، وتناقص النقد الأجنبي، وتراجعت الصادرات، وبلغ العجز التجاري خلال النصف الأول من العام الجاري 3,6 مليار دولار، كما تصاعد معدل الجرائم ذات العلاقة بالسلطة وأجهزتها، كالرشوات والعمولات والسمسرة والفساد المالي.
لجأت الحكومة، كما هو متوقع، إلى إلقاء اللوم على «الفساد» و«السوق السوداء» والتضخم العالمي، وأزمة أوكرانيا، وفي ظل اقتراب ماليتها العامة من الإفلاس، وبلوغ العجز التجاري 5,32 مليار دولار، فقد استسلمت حكومة نجلاء بودن لفكرة وحيدة هي الاستدانة من الخارج، وبالتالي، تلقّي شروط الدائنين الدوليين الكبار.
تزامنت الاحتجاجات الأخيرة مع إعلان صندوق النقد الدولي لاتفاق مع تونس لمنحها تمويلا بقيمة 1,9 مليار دولار على مدى 48 شهرا، غير أن الاتفاق بشأن ترتيبات التمويل ستنتظر موافقة مجلس الصندوق التنفيذي الذي سيناقش طلب تونس في كانون أول/ديسمبر المقبل، ولكن الحكومة التونسية لم تشرح بعد برنامجها «الإصلاحي» المرتقب، لأن ذلك قد يزيد، عمليا، في تأجيج الشارع ضدها.
كان صاعق الاحتجاجات الأخيرة هو مقتل شاب نتيجة جروح أصابته خلال مطاردة قوات الأمن له، والذي تزامن مع دفن غرقى آخر حوادث الهجرة غير الشرعية في قبور لمجهولي الهوية، لكن الخلفيّة العامّة له هي الأزمة السياسية ـ الاقتصادية، التي تسبب بها التسلّط السياسي للرئيس، وعجز حكومته عن الفعل، وكان طبيعيا أن يعود شعار «الشعب يريد إسقاط النظام» وكذلك شعارات التنديد بالانقلاب والدكتاتورية.
كانت تونس أول الثورات العربية التي ألهمت ما سمّي بـ«الربيع العربي» كما كانت آخر تلك الثورات التي تتعرّض لهجوم الثورة العربية والمحلية المضادة، وتعطي هذه الاحتجاجات الأخيرة الأمل بأن الشعب التونسي قادر على الخروج من النفق المظلم الذي أدخل سعيّد فيه البلاد وإعادة سكّة الديمقراطية التي هي الطريق الحقيقي لتحقيق عدالة وتنمية للتونسيين، وليس الاستدانة الخارجية وتسوّل المكافآت على المواقف الدبلوماسية (كما حصل في تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة الأخير بخصوص أوكرانيا) أو انتظار هبات الدول المناهضة للشعوب.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    ” وتعطي هذه الاحتجاجات الأخيرة الأمل بأن الشعب التونسي قادر على الخروج من النفق المظلم الذي أدخل سعيّد فيه البلاد وإعادة سكّة الديمقراطية التي هي الطريق الحقيقي لتحقيق عدالة وتنمية للتونسيين، ” إهـ
    معظم الشعب التونسي صامت !
    هل هو الخوف من السُلطة , أم هو الخوف من المجهول !! ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول سامح //الأردن:

    *(تونس) في متاهة وتسير نحو المجهول وكان الله في عون الشعب التونسي المنكوب.
    حسبنا الله ونعم الوكيل في كل فاسد وظالم.

  3. يقول alaa:

    الشعب البطل لا يصمت علي الديكتاتور وسيتحرر

  4. يقول S.S.Abdullah:

    لقد ورد التالي (ورغم الدعم السياسي الذي لقيته الحركة الانقلابية من دول غربية وعربية، فإن ذلك الدعم لم يتجسد على شكل مساعدات اقتصادية، في الوقت الذي ساهمت سياسات الحكومة في هروب المستثمرين الأجانب، والسياح.) تحت عنوان (تظاهرات تونس: لماذا عاد شعار «إسقاط النظام»!)، ماذا يعني ذلك؟!

    لأن من أعظم القوانين التي عرفها التاريخ ، وضعت في العراق العظيم، في زمن حمورابي ، وتنص مادة السرقة ما يلي :
    اذا تم سرقت احدى المنازل ولم يعرف السارق ، يتم تعويض صاحب المنزل من قبل الشرطة ومن رواتبهم الشخصية، بسبب إهمالهم في أداء واجباتهم،
    صدر هذا القانون قبل ٣٧٠٠ سنة !

    أحسنت هذه أحسن نصيحة، لجيل المستقبل، في أي دولة من دولنا، وليس فقط أمريكا، يا شيخ صالح، حبيبنا أبا طلال?

    أنا كنت أحاول فهم، كيف يتم صناعة أي (فرعون)

    https://youtu.be/wkwiT0RByPA

    وقد أبدع محمد ناصر، في تلخيص ذلك بالمقارنة بين (د محمد مرسي)، وبين (عبدالفتاح السيسي)، من خلال مفهوم الدعاء/الذكر في الجامع، أثناء أي صلاة من الصلوات الخمس، على أرض الواقع،

    في الرابط مثال عملي عن سوء مفهوم حرية الرأي أو التقييم أو النقد أو إصدار حكم

    https://youtu.be/m6ECH-YIdXk

    والأهم هو لماذا، وما دليلي على ذلك؟!

  5. يقول أنس:

    اين انت يا ابن اكسيل. هههههههه

  6. يقول سعيد محجوب:

    نحن لا نملك صواريخ عابرة للقارات ولكن نملك أفكارا عابرة للتاريخ (قيس سعيد ) يا سلام قمة الفهم للواقع وكيفية معالجة الأزمات

إشترك في قائمتنا البريدية