تقرير ـ «القدس العربي»: على الرغم من الانتشار الأمني الواسع، شارك الآلاف من السودانيين، أمس الخميس، في مليونية “سلطة الشعب”، في العاصمة الخرطوم ومدن أخرى، مطالبين بإسقاط الانقلاب وتسليم السلطة للمدنيين، فيما تحدثت “لجنة الأطباء السودانيين” عن استخدام قوات الأمن نوعا جديدا من الأسلحة لقمع المحتجين.
وكانت تنسيقيات لجان المقاومة وتجمع المهنيين السودانيين قد دعت لتظاهرات توجهت نحو القصر الرئاسي وسط الخرطوم.
وفي وقت مبكر من صباح الأمس، أغلقت السلطات جسر المك نمر الرابط بين مدينتي بحري والخرطوم بالحاويات. كما أجبرت أصحاب المحال التجارية والباعة الجائلين في منطقة وسط الخرطوم على المغادرة، مع انتشار كثيف لسيارات ومدرعات تابعة للأجهزة الأمنية، خاصة في نقاط التجمع المحددة للتظاهرات.
نقاط تجمع جديدة
وأعلنت تنسيقيات لجان المقاومة نقاط تجمع جديدة، قبل أقل من ساعة على انطلاق التظاهرات، سرعان ما نجح المتظاهرون في الوصول إليها تمهيدا لتوجههم نحو القصر الرئاسي وسط الخرطوم.
وفي بيان مشترك، دعت لجان مقاومة الخرطوم المتظاهرين للتوجه نحو نقاط التجمع والمسارات البديلة، بعد محاولات الأجهزة الأمنية تفريق التظاهرات قبل انطلاقها، خاصة في منطقة باشدار القريبة من وسط الخرطوم.
وقالت إن “أطراف المقاومة سطرت ملحمة ثورية جديدة، رغم محاولات الأجهزة الأمنية تعطيلها منذ البداية”، مضيفة” لن نهزم ولن نستسلم مهما اتخذت السلطات من تدابير أمنية لمنعنا من التظاهر وممارسة حقنا الدستوري”.
سيول بشرية
وحسب ما أكدت لجان مقاومة الكلاكلة، جنوب الخرطوم، وبعد “محاولات من السلطة الانقلابية لقمع المواكب في نقاط تجمعها ومنع تحركها، سيول بشرية تتجه نحو القصر الجمهوري للمطالبة بإسقاط المجلس العسكري”.
بالفعل، استطاع المتظاهرون، ما بين كر وفر الوصول إلى موقف شروني القريب من شارع القصر، مستعينين بخوذ الدراجات والكمامات وأقنعة السباحة والغطس لمواجهة قنابل الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية وسيارات الرش بالمياه الملونة سيئة الرائحة.
كما استطاعت مجموعات من المتظاهرين اعتادت تقدم التظاهرات، تطلق على نفسها اسم “ملوك الاشتباك”، وغاضبون الوصول إلى شارع القصر، مستعينين بدروع من قطع من الخشب والبلاستيك والكرتون أحيانا في محاولة للحماية من مقذوفات الأجهزة الأمنية. فيما ظلت العيادات الميدانية تحاول إسعاف العشرات من حالات الاختناق والإصابات، التي يقوم بنقلها مسعفون يقودون دراجات نارية، الغرض منها تسهيل العبور ما بين المتاريس (الحواجز).
ولم تعلن لجنة الأطباء السودانيين عن عدد المصابين وحجم الإصابات حتى لحظة كتابة التقرير، لكنها أكدت في بيان أن “هذه السلطة الانقلابية أكثر حرصاً على قتل شعبها والتنكيل به من الوقوف على أمنه والعمل على سلامته كما تدعي”.
وزادت: “نلفت انتباه المهتمين والمختصين والمدافعين عن حقوق الإنسان والواقفين ضد الانتهاكات وكل الجهات ذات الصلة، إلى استمرار وتكرار استخدام نوع جديد من الأسلحة التي تتسبب في كسور بصورة متكررة وسط عدد مقدر من الثوار وفي الموضع ذاته ، وأن هذا النوع من الإصابات غريب وغير معتاد، ما يجعلنا نشك في استخدام أداة جديدة غير معروفة تؤدي إلى هذه الإصابات دون إحداث جرح أو أثر مرئي، ووفقاً لإفادات المصابين فإنهم يشعرون بصعقة كهربائية أو ذبذبات أثناء الإصابة”.
واعتبرت أن “هذه السلطة الانقلابية لم تستبق أي رصيد أخلاقي واستنفدت كل السبل غير المشروعة في مواجهة شعبها قتلاً، تواطؤا، إعاقة، وإصابات لا حصر لها، فمن أراد أن يختبر صدق تصريحاتهم ويحاكم نواياهم فعليه متابعة تقارير الإصابات الخاصة بالمواكب الثورية السلمية والانتهاكات التي تحدث في مناطق مختلفة من السودان مثل كرينك، نجد أن هذه السلطة أكثر حرصاً على قتل شعبها وتشريده وإذلاله من الحرص على سلامته وأمنه”.
وفي مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة، وسط البلاد، حاولت الأجهزة الأمنية كذلك قمع التظاهرات منذ انطلاقها، إلا أن المتظاهرين نجحوا كذلك في الوصول إلى مباني أمانة حكومة الولاية. ولكن مع استمرار عمليات القمع وإصابة واعتقال العشرات، تفرقت في وقت مبكر، حسب بيان لتنسيقيات لجان مقاومة ود مدني، التي تشهد الحراك الشعبي الأكثر اتساعا بعد العاصمة الخرطوم.
وقالت لجان مقاومة ود مدني إن “الأجهزة الأمنية ظلت تستهدف الأجزاء العلوية من أجساد المتظاهرين بعبوات قنابل الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية التي أطلقتها بكثافة، الأمر الذي تسبب في إصابات بالغة لم يتم حصرها بعد”.
وتأتي التظاهرات بعد يوم من توقيع تنسيقيات لجان المقاومة في العاصمة الخرطوم ميثاق “سلطة الشعب”، إذ بينت أنه “ميثاق سياسي، تتمثل أهميته في وضعه الأسس التي تمكن الشعب من تولي السلطة وتأسيس دولة وطنية ديمقراطية، لا شراكة فيها مع القوى المضادة للثورة في السودان، ولا تفاوض فيها على وجود المؤسسة العسكرية في الحكم والمجال السياسي، ولا مساومة فيها في حق الشعب في الحياة والعيش الكريم”.
وحسب التنسيقيات، هذه “أول خطوة فعلية للمشاركة القاعدية للسودانيين في قرارات دولتهم، وتهدف إلى وحدة قوى الثورة ووضع لبنة أساسية لقيام فترة انتقالية تضمن تحولاَ ديمقراطياَ فعلياَ وتحقق شعارات الثورة السودانية (حرية، سلام، عدالة)”.
وهذا التطور، وفق التنسيقيات “سيحدث ثقبا كبيرا في عرش الاحتكار والوصاية، وعتبة في سلم الوصول إلى الدولة المدنية الديمقراطية”، معتبرة الميثاق “تمترساَ خلف مطالب لجان المقاومة المشتركة التي لن تتراجع عنها”.
أربعة فصول
ويتكون ميثاق سلطة الشعب من أربعة فصول، شملت تعريف مبادئ وأهداف ومطالب ومجالس ميثاق الشعب.
ونص على “إقامة دولة القانون والمؤسسات التي تعبر عن تطلعات مكونات المجتمع السوداني كافة، وتعزيز الحقوق والحريات العامة من خلال تكريس مبدأ الفصل بين السلطات، والاحتكام إلى صناديق الاقتراع في المنافسة السياسية”.
كما نص على “القصاص العادل والفوري بواسطة محاكم ثورية، فضلا عن الإسراع في عمل في التحريات والمحاكمات الخاصة بالفساد وجرائم نظام الإنقاذ، وسن القوانين الرادعة لمكافحة الفساد، وتشكيل لجنة تحقيق دولي للتحقيق في مجزرة اعتصام القيادة وفي جميع المجازر التي ارتكبها المجلس العسكري”.
وطالب بـ”حل المجلس السيادي (العسكري) وتشكيل مجلس سيادي مدني جديد من ثلاثة مدنيين فقط، وإلغاء الوثيقة الدستورية والعودة إلى دستور عام 1956 المؤقت، وتشكيل المجلس التشريعي الانتقالي من الثوار ولجان المقاومة والقانونيين والسياسيين الوطنيين وأسر الشهداء الذين صنعوا الثورة، ومراجعة اتفاق السلام”.
هيكلة قوات الأمن
وأكد على “ضرورة هيكلة قوات الأمن وتشكيل حكومة ثورية من التكنوقراط الوطنيين والمشهود لهم بالكفاءة والنزاهة والخبرة، وتكوين مجلس أعلى لقيادة قوات الشعب المسلحة يتكون من الضباط الشرفاء المفصولين تعسفيًا ومن قدامى المحاربين، وأن يكونوا مؤمنين بمدنية الدولة، على أن يتم اختيار خمسة ضباط، يشغلون مناصب وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان العامة بالإضافة إلى قادة القوات البرية والجوية والبحرية، بالإضافة إلى إنشاء 16 مجلسا آخر تنخرط مع الموقعين على ميثاق سلطة الشعب على تكوين مجلس السيادة والوزراء والمجلس التشريعي والمجلس الأعلى لوضع الدستور ومجلس الأمن القومي”.
ويتكون مجلس السيادة، حسب الميثاق من “ثلاثة أعضاء مدنيين مستقلين، عضو سياسي وعضو اقتصادي وعضو من خلفية عسكرية قانونية، على أن يتم اختيارهم بمواصفات دقيقة وصارمة، بينما يتم تشكيل مجلس الوزراء من 17 حقيبة وزارية بالإضافة لرئيس الوزراء، وأن يكونوا من الكفاءات الوطنية المستقلة، ومشهودا لهم بالخبرة والنزاهة والانضباط وحسن الإدارة”.
أما المجلس التشريعي فيتكون “من الثوار على ضوء مبادرة المجلس التشريعي الثوري مع الإضافة إليها، بالإضافة إلى تشكيل المجلس الأعلى لوضع الدستور من الدستوريين والقانونيين والحقوقيين الوطنيين الشرفاء ومنظمات حقوق الإنسان والسياسيين الثوريين ولجان المقاومة”.
ونص ميثاق “سلطة الشعب” أيضاً، على أن “يترأس رئيس الوزراء، مجلس الأمن وتتكون عضويته من ممثل للمجلس السيادي وجميع الوزارات السيادية وممثلي الأجهزة العدلية والأمنية”.
ودعت “لجان المقاومة” في الخرطوم، في بيان مشترك، للتوحد والسير في طريق الميثاق، مشيرة إلى أن ذلك “سيعجل من نهاية الانقلاب العسكري”.
وأكدت تمسكها برفض التفاوض والشراكة مع العسكر، وقالت إنها لن تساوم على حق السودانيين ودماء الشهداء”.
وأضافت: “لن نتراجع وسنكون الجيل الذي ينهي عهد الانقلابات العسكرية في السودان”.
وحددت لجان المقاومة موقفها مبكرا من العملية السياسية المعلنة من بعثة الأمم المتحدة لدعم الانتقال الديمقراطي، مؤكدة “رفضها لأي تسوية مع قادة الانقلاب وأنها ستواصل المقاومة حتى إسقاطهم وبناء الدولة المدنية الديمقراطية التي يطمح لها السودانيون، وتحقيق القصاص العادل لضحايا الانقلاب والثورة السودانية”.
وقتل منذ انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حسب لجنة أطباء السودان المركزية، 95 متظاهرا، بينما أصيب قرابة 5000 آخرين.