تعاون بغداد وأربيل ضد «داعش» بين الضرورة وفقدان الثقة

مصطفى العبيدي
حجم الخط
0

نجاح الاتفاق على اشراك البيشمركه في حماية المناطق المختلف عليها يبقى قرارا سياسيا يقيده ضعف الثقة بين القيادات الكردية والشيعية، والصراع على خيرات العراق.

بغداد-»القدس العربي»: شكلت الهجمات النوعية الأخيرة التي شنها تنظيم «داعش» الإرهابي، على مواقع للبيشمركه والجيش والطرق والقرى النائية شمال العراق، والخسائر البشرية والمادية الناجمة عنها، تحديا خطيرا لحكومتي بغداد وأربيل، وسط تجدد الدعوات لتعاون الجيش العراقي والبيشمركه في مواجهة خطر التنظيم.
وعقب سلسلة من العمليات الإرهابية النوعية التي نفذها تنظيم «داعش» مؤخرا في العديد من مناطق شمال العراق، وخاصة كركوك وديالى وصلاح الدين والموصل، فقد أعلنت حكومتا بغداد وأربيل التوصل إلى اتفاق لنشر قوات مشتركة وإجراءات أخرى للحد من خطر تنامي الهجمات الإرهابية. وجاء الإعلان عقب وصول رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، إلى أربيل وعقد اجتماعات مع حكومة الإقليم والقيادات العسكرية الكردية، متوعدا بملاحقة عناصر التنظيم والقضاء على الهجمات التي أسفرت عن استشهاد عدد من عناصر البيشمركه والمدنيين، فيما وجه رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني، قوات البيشمركه بالوصول إلى أقصى درجات التعاون والتنسيق مع الجيش العراقي لسد الثغرات الأمنية التي يستغلها تنظيم «داعش».
ولتحقيق هذا الغرض، توجه وفد عسكري كردي إلى بغداد لبحث سبل التنسيق والتعاون في مواجهة تصاعد الخروق الأمنية المتكررة، حيث بحثت القيادات العسكرية للقوات العراقية والبيشمركه «توحيد الجهود الأمنية والعسكرية لمواجهة هجمات داعش وتعزيز استراتيجية التعاون والتفاهم الأمني والعسكري في مناطق التنسيق الأمني بين قوات المركز والإقليم» بدعم قوات التحالف الدولي، لوجستيا واستخباريا.
وجاءت باكورة التعاون الجديد من خلال إعلان قيادة العمليات المشتركة والبيشمركه، قيام بعض قواتهما، بتنفيذ عمليات كبيرة ونوعية، للبحث والتفتيش على طول الحدود الفاصلة بين القطعات الاتحادية مع إقليم كردستان في محافظات ديالى وكركوك وصلاح الدين ونينوى، فضلاً عن الاتفاق على زيادة التنسيق الميداني الاستخباري والعملياتي وتنفيذ ضربات جوية، عبر تفعيل مراكز التنسيق المشتركة لقوات الطرفين، كما «تم الاتفاق على تشكيل لوائين مشتركين لتعزيز الأمن في المناطق ذات الاهتمام المشترك». وبهذا الصدد، أعلن وزير الدفاع الأمريكي لويد اوستن أن «الولايات المتحدة ستواصل مساندة قوات البيشمركه وقوات الأمن العراقية في مكافحة إرهابيي داعش، ولا سيما في المجالات الاستشارية وتبادل المعلومات والاستخبارات».
وكانت عمليات تنظيم «داعش» في الآونة الأخيرة، تميزت بتطور نوعي في الهجمات، وتحدي الحكومة العراقية، فقد سيطرت العصابات الإرهابية، قبل أيام، على قرية في قضاء لهيبان بمحافظة كركوك شمال العراق، لساعات قبل استعادتها من قبل القوات الأمنية، حيث أقدمت على حرق منازل المواطنين ومزارعهم بعد السيطرة على المنطقة وفرار السكان منها.
وفي مناطق متعددة حول الإقليم، شن تنظيم «داعش» هجمات مماثلة على نقاط تعود لقوات البيشمركه قرب قرية قره سالم بين محافظتي أربيل وكركوك، وعلى قرية خضرجيجة التابعة لمخمور في الموصل، إضافة إلى مهاجمة نقاط السيطرات الكردية في مناطق أخرى، حيث أسفرت الهجمات عن سقوط عشرات القتلى بين صفوف البيشمركه والمدنيين، عدا ان طرقا رئيسية مثل طريق بغداد كركوك تتوقف الحركة فيها ليلا، كما ان عشرات القرى النائية قد هجرها أهلها بسبب الأعمال الإرهابية وتكرار الخروقات الأمنية فيها.
وفي الذكرى الرابعة لإعلان بغداد القضاء على تنظيم «داعش» عام 2017 يتابع العراقيون بقلق عودة هجماته في العديد من المحافظات العراقية رغم كل الحملات الأمنية لمطاردة بقاياه، حيث تشير التقديرات إلى وجود آلاف من عناصر التنظيم الإرهابي في مناطق متفرقة بين سوريا والعراق ويتنقلون عبر الحدود، للقيام بتنفيذ الهجمات الليلية بأسلوب حرب العصابات والكر والفر، نظرا لعدم قدرتهم على مسك الأرض لفترة طويلة، فيما كشف اللواء محمد رستم القيادي في البيشمركه، عن تعاون تنظيم «داعش» مع جماعة مسلحة متطرفة تسمى «جند الله» أغلبهم من الكرد المتشددين دينيا، لشن هجمات محددة في العراق.
ورغم الإعلان عن الاتفاق على التحرك المشترك لقوات الطرفين، يخشى المراقبون ان القوى الشيعية الولائية، التي أفشلت اتفاق بغداد وأربيل حول تطبيع الأوضاع في سنجار غرب الموصل، ستعرقل اتفاق نشر البيشمركه في المناطق المختلف عليها، خاصة وان الكاظمي الذي حرص على عقد تلك الاتفاقيات مع الإقليم، يبدو بقاءه في منصبه في الحكومة المقبلة ضعيفا. ولذا فإن الاتهامات المتبادلة لا تتوقف بين الأحزاب الكردية من جانب، والشيعية والتركمانية من جانب، باستغلال التنظيمات الإرهابية مثل حزب العمال التركي وتنظيم «داعش» ودعم تواجدها على الأراضي العراقية، لتحقيق أجندات محلية وإقليمية سياسية ضد الأطراف الأخرى، بل ان قادة تحالف الفتح الذي يضم الفصائل الولائية، اعتبر أن الهجمات الأخيرة في كركوك مقصودة وتقف خلفها أجندات سياسية لتوفير المبررات لبقاء القوات الأمريكية في العراق، مع قرب خروجها المقرر نهاية العام الجاري، إضافة إلى اتهام القيادة الكردية بافتعال أو استغلال هجمات «داعش» من أجل السعي لإعادة سيطرة الإقليم على كركوك والمناطق المختلف عليها بين حكومتي بغداد وأربيل، وذلك عقب طرد البيشمركه من تلك المناطق عام 2017 عقب الاستفتاء على الانفصال عن العراق.
وعلى كل حال، فلا شك ان ضعف السلطة المركزية في بغداد وتداعيات نتائج الانتخابات الأخيرة، وصراع الأحزاب على السلطة وامتيازاتها، وفرت أجواء عودة هجمات تنظيم «داعش» وتركيزه على المناطق المتروكة بين خطوط القوات الاتحادية والكردية لتنفيذ عملياته الإرهابية. وهو أمر يخدم الطرف الكردي ويوفر له مبررات المطالبة بنشر القوات الكردية في تلك المناطق، إلا ان احتمال نجاح الاتفاق على اشراك البيشمركه في حماية المناطق المختلف عليها، يبقى قرارا سياسيا يقيده ضعف الثقة بين القيادات الكردية والشيعية، والصراع على خيرات العراق، إضافة إلى ممارسة الضغوط على الإقليم لخدمة الأجندات الإقليمية.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية