اعتقال المواطنة الإسرائيلية – الأمريكية، الباحثة والمحاضرة في الجامعة العبرية نديرا شلهوب – كيبوركيان، لم يأتِ لإنفاذ القانون ولرفع لائحة اتهام ضدها ومحاسبتها قانونياً.
يدور الحديث عن اعتقال استعراضي سيشكل إشارة تحذير لحرية التعبير. آمل ألا أعتقل بعد هذا المقال.
حتى لو قالت البروفيسور شلهوب كيبوركيان الأقوال الأكثر إثارة للغيظ، نفيها ارتكاب أي عنف جنسي في 7 أكتوبر، فإنها لم ترتكب أي جريمة، وما ادعاء الشرطة بأنها اعتقلت للاشتباه بالتحريض سوى ادعاء يفهم كل طالب قانون أنه يمكن دحضه دون جهد كبير، لأن القانون الجنائي في إسرائيل يقوم على أساس أحكام الأدلة، وفي اعتقال المحاضرة لم يعرض أي دليل غير حقيقة واحدة: أنها قالت أقوالاً مغيظة، لكن ليس بالضرورة جنائية.
لا شك أن الاعتراف الآن سيسهل على إدارة الجامعة العبرية إقالتها، بخاصة حين أشارت إليها للاستقالة عقب أقوال قالتها في أكتوبر الماضي وأثارت عاصفة. هكذا هو الحال عندما يراد إرضاء الجمهور في إسرائيل.
من حظنا أن محكمة الصلح في القدس تجاهلت الأجواء العامة والإعلامية القاسية ضد كل من يحاول التفكير بشكل مختلف وضد كل من يتجرأ على أن يقول أقوالاً بشكل مختلف، وردت طلب شرطة إسرائيل التي تحولت في السنة الأخيرة -وبخاصة منذ نشوب الحرب- إلى شرطة أفكار، ونفذت نحو 500 اعتقال، أساساً لمواطني عرب إسرائيليين. في نهاية الأمر، لم ترفع لوائح اتهام ضد معظمهم، رغم تمديد اعتقالهم.
أغلب الظن، نشاط البروفيسور شلهوب – كيبوركيان عضويتها في منظمات مثل “الصندوق الجديد لإسرائيل” و “مركز غيشا” هما اللذان أعطيا أساس الوزن لاعتقالها وإهانتها.
نعم، مواقفها مناهضة للصهيونية، ولا تختلف كثيراً عن مواقف الكثيرين في الجمهور الإسرائيلي والشعب اليهودي، بما في ذلك قسم من الجمهور الحريدي. لعل دوافع أولئك تختلف عن دوافع البروفيسورة شلهوب. لكن النتيجة ذاتها بالنسبة للصهيونية، ولا ينبغي لهذا أن يكون موقفاً خطيراً إذا لم يكن مقبولاً في نظر الكثيرين.
إن شهادة شلهوب عن التجربة التي اجتازتها في المعتقل تثبت بما لا يرتقي إليه شك بأن الاعتقال كان استعراضاً وردعياً، إذ حسب ما روته، فإنه جيء بها إلى محطة الشرطة، ثم المحكمة، وهي مقيدة في يديها وقدميها كآخر المجرمين، وفي أثناء الاعتقال وجهت إليها أقوال قاسية وزعم ضدها أنها تؤيد قتال اليهود.
لا شك أن الشرطة في هذه الحالة، مثلما في حالات كثيرة أخرى، تنفذ سياسة الوزير المسؤول، المبنية على كراهية العرب كغطاء أو تعويض عن الفشل الذريع ممن كانوا يعدون منذ سنوات “بالحوكمة”.
خسارة أن تلك الشرطة التي أقيمت على خدمة المواطنين في كل مكان في العالم، هي في إسرائيل تستهدف ملاحقتهم وتحاول أن تكون بطلة على امرأة في الستينيات من عمرها بدلاً من ملاحقة المجرمين والقتلة الحقيقيين وتقضي على الجريمة المستشرية في المجتمع العربي، والتي جبت حياة أكثر من 50 قتيلاً منذ بداية السنة.
جلال البنا
إسرائيل اليوم 25/4/2024