تعدو الذئاب على من لا كلاب له!

حجم الخط
0

صدق الشاعر جرير حين قال: تعدو الذئاب على من لا كلاب له/ وتتقي صولة المستأسد الضاري.
منذ زمن طويل وأنا أضع هذا البيت من الشعر أمامي، لأنني أشعر أنه يلخص الحالة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ويلخص أيضا العلاقات الدولية التي تتعامل مع بعضها البعض بأسلوب الغابات والحيوانات. فالشعب القوي يأكل الشعب الضعيف ويتآمر عليه علناً، ويتصرف معه بأسلوب البلطجي الذي ينزل الحارة ويغلق الدكاكين والأسواق مفتخراً بعضلاته. فقط هو الذي يملك القوة والقرار والقدرة على سحق من يقف أمامه ، والشعب الغني يأكل الشعب الفقير ويزيد من فقره عن طريق سرقة مقدراته بأساليب السحرة والتحايل والفوقية وبث النزاع بين أبناء الشعب الواحد.
يوماً بعد يوم وحرب، بعد حرب وثورة بعد ثورة، نكتشف أننا لا كلاب لنا – بالعكس تحولنا إلى كلاب نحرس الغير – تقوم بحمايتنا من الذئاب. اما المستأسد الضاري – الانتصار العربي – الذي تتقيه وتخاف منه الذئاب، فقد خرج من عرينه ولم يعد، وما زلنا ننتظره.. لم اسقط في عبارات الإنشاء وسذاجة الشعر، ولكن أمام حملة ‘اخبر ابنك’، التي تنشرها وسائل الاعلام الإسرائيلية، لا بد ان يصاب المرء منا بجلطة دماغية وشلل رباعي، لأن تاريخ الشعب الفلسطيني والنكبات التي أثخنت جسده وحولته إلى مشرد ولاجئ ستنتقض عندما تسمع عن الحملة المليئة بالخبث والغرور. حملة ‘أخبر ابنك’ هي حملة دعائية لتشجيع اليهود الشرقيين على توثيق ممتلكاتهم التي تركوها في الدول العربية من عقارات وبنايات وأموال مصادرة. ويسجلون أيضاً كيفية مغادرتهم من الدول العربية، حتى يطالبوا بالتعويضات اللازمة، لأن الأجيال التي أتت من الدول العربية ماتت، أو على وشك الموت، وعلى الأبناء معرفة جميع التفاصيل.
يقال إن هذا الاستعداد سيكون ورقة مساومة إذا حدث تفاوض في المستقبل لتسوية قضية اللاجئين. ويقال أيضاً ان إسرائيل تريد خلق مشكلة اللاجئين اليهود، وهذه المشكلة ملقاة على عاتق الدول العربية التي لم تسمح لليهود بإخراج ممتلكاتهم، وأجبرتهم على مغادرة أماكن سكناهم مجردين من كل شيء. والدول العربية هي التي سببت الخراب لجماعات يهودية عريقة عمرها 2500 عام، بالإضافة إلى التعويضات المالية ذات الصلة بأملاك الجاليات اليهودية التي يعمل المختصين والمستشارين ومكاتب محاسبة على دراستها بالوثائق!
الآن حملة ‘اخبر ابنك’ تقف بقوة، وحسب معرفتنا بالخبايا والظهور المنحنية والذئاب المحيطة بنا، فمن الممكن ان تنجح هذه الحملة مستقبلاً. فكل عنوان وحملة وموضوع ووعد بدأ في عدم تصديق وطفرة ولحظة مضحكة واستخفاف، ومن يتعمق في التاريخ ويجمع الضحكات التي كانت تلف وتدور حول و’عد بلفور’ أو حول الوجود اليهودي في فلسطين، حتى ان جدتي كانت تقول لي: يا ستي.. هدول كانوا أولاد الميتة، أي لا خوف منهم، وغيرها من صور الظروف الحالكة والانفاق المأساوية التي دخل فيها الشعب الفلسطيني، يعرف ان كل شيء جائز والغبي الذي لا يتعلم من تجاربه. فكيف بشعوب تعرف انها تداس يومياً من إسرائيل؟! الحملة تقايض الدول العربية علناً وليس سراً. ستقايض مصر ولبنان وسورية والعراق واليمن والمغرب وتونس وغيرها. وقبل مدة من عزل مرسي قام نائب رئيس حزب الحرية والعدالة عصام العريان بالمطالبة بعودة اليهود إلى مصر، وهاجم جمال عبد الناصر واتهمه بطردهم من مصر. وقد هاجمه الجميع، لان تلك الدعوة تفتح الباب على مصراعيه لمطالبة اليهود بالتعويضات. ان الشعب اليهودي متمثلا بدولة إسرائيل، الذي يتنكر للشعب الفلسطيني وحقوقه وسرق امام العالم أراضيه أقام دولته وما زال يسرق البقية الباقية من أراضيه وحلمه في إقامة دولته الفلسطينية، ويسجن ويقتل ويصادر ويقيم المستوطنات، ويحتل الأراضي السورية. وقد قامت إسرائيل أيضا بسرقة الثروات في سيناء اثناء احتلالها لها، ولم يتجرأ الشعب المصري على المطالبة بالتعويضات. وكذلك الدول العربية التي تضررت نتيجة العدوان الإسرائيلي عليها لم تفكر بإقامة دعوى ضدها، بل تتعامل معها بأسلوب اتقاء شرها. أي ‘تمشي الحيط الحيط وتقول: يا رب السترة من إسرائيل’! كل هذا والسيناريو الاحتلالي في قمة عنفوانه وتدميره وزنازينه. وتعمل إسرائيل بمنطق وشعار وتكتيك الملاكم السابق تايسون (قبضة تحمي الوجه وقبضة تكيل الضربات)، ولا نعرف كيف سيكون الرد العربي على حملة ‘اخبر ابنك’. فالشعب الفلسطيني لا يملك بالمواجهة الا بحملة ‘أنجب ابنك’ امام العقوبات والسنوات التي تحصد العمــــر، وحتى نتحدى لا مبالاة السجان. فقد قام الأسرى الفلسطينيون بمعجزة الخلـق من خلف القضبان. وأظن انهم أول من اوجدوا طرق تهريب الحيوانات المنوية.
ربما استعملت طرق التهريب في ظروف مرفهة ومعروفة ولها عناوين واضحة. لكن من خلف القضبان بعيداً عن عيون السجان، وبطرق بوليسية سينمائية، فهذا الأمر يستحق التحية على الإصرار والتحدي ونبذ اليأس. ومنذ ولد الطفل مهند، ابن الأسير عمار الزين، هناك آمال تنمو في نفوس الزوجات، خاصة زوجات المحكوم عليهم بالمؤبد والسنوات الغارقة في الخوف والنسيان. وآخر المواليد الآن مجد، ابن الأسير عبد الكريم الريماوي. فها هي ليديا الريماوي تنجب الطفل ابن حلمها وانتظارها، وبإنجابه تتحدى الظروف والعراقيل. تهديه إلى زوجها، الذي يعتقد الاحتلال انه سيموت داخل السجن دون ان يكمل مسيرة حياته احد.
هم يقولون ‘اخبر ابنك’ ونحن نقول ‘أنجب ابنك’، وما دام الهوس الديمغرافي وعدد الفلسطينيين يثير في نفوسهم الرعب، حتى انهم يقومون بعدّ العرب صباحاً ومساء، فلا بد ان تستمر الحملة ويشجعها كافة الفلسطينيين. ومن يحاول التشكيك، ويحاول التأثير على رجال الدين وإخراج الفتاوى، نقول له ان مجيء طفل فلسطيني يستحق المجازفة والمغامرة لكسر القضبان وإعطاء جرعة فرح لذلك الأسير المنسيّ.

شوقية عروق منصور

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية