قلنا في مقالة الأسبوع الماضي إن دخول (وليس اقتحام) المنطقة الخضراء يوم الأربعاء 27 تموز/ يوليو، لن يكون الأخير بالتأكيد، فقد عاد الصدريون لدخولها بعد ثلاثة أيام فقط، ليعتصموا داخل مبنى مجلس النواب العراقي. وأن هذا «الدخول» إنما يخضع للسياق السياسي، وأن السلطة هي التي تحدد، بشكل مباشر أو ضمني، متى يكون الدخول «طبيعيا» ومتى يتحول إلى اقتحام يقابل بقوة مفرطة. وقلنا أيضا إن السيد مقتدى الصدر لن يسمح بأي حال من الأحوال بتمرير حكومة يشكلها الإطار التنسيقي، وأنه سيمنع ذلك بكل الوسائل.
وعلى الرغم من كل مؤشرات تفاقم الأزمة، لم يصدر عن القوى السياسية، أو سلطات الدولة (رئيس الجمهورية او رئيس مجلس الوزراء) أي مبادرة حقيقية يمكن أن تكون خارطة طريق لحل الأزمة، فكل ما صدر كان إنشاءات لغوية تنتهي بدعوة إلى الحوار، مع أن هذا الحوار استمر تسعة أشهر دون جدوى، وأن هذا الفشل هو الذي أوصل الأمور إلى ما وصلت اليه!
وبالفعل فقد رفض السيد مقتدى الصدر فكرة الحوار، وقال في خطاب متلفز أن التجربة أثبتت أن «لا فائدة ترتجى من الحوار معهم» ودعا ضمنيا إلى حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة حين تحدث عن ما سماه بـ«عملية ديمقراطية ثورية سلمية، وعملية ديمقراطية مبكرة بعد حل البرلمان الحالي».
لكن الواقع أن هناك معضلة تواجه فكرة حل البرلمان والذهاب إلى انتخابات مبكرة، وهي أن الآليات الدستورية المتعلقة بذلك لا تحل الأزمة، بل تزيدها تعقيدا!
فالدستور العراقي رسم آلية محددة لحل مجلس النواب في المادة 64 منه، تجعل هذا الحل قرارا حصريا لمجلس النواب نفسه بالأغلبية المطلقة لعدد الأصوات (165 أو 166 صوتا وفقا للتأويلات المختلفة). وهكذا آلية تجعل إمكانية الحل الذاتي مستحيلة دون موافقة الإطار التنسيقي والمتحالفين معه، فضلا عن صعوبة إقناع العديد من النواب بذلك لمعرفتهم اليقينية أن لا ضمانة لعودتهم إلى مجلس النواب ثانية!
كما أن الدستور تحدث عن دعوة رئيس الجمهورية لانتخابات عامة خلال مدة أقصاها ستين يوما من تاريخ الحل، وهذه المادة لا يمكن إنفاذها اليوم لأن رئيس الجمهورية الحالي منتهي الولاية، ولا يملك صلاحية إصدار هكذا دعوة من الأصل!
والجميع يدرك أنه لا إمكانية لإجراء انتخابات مبكرة في العراق خلال هذه المدة التي حددها الدستور، لأن مفوضية الانتخابات في العراق كانت تضع دائما جدولا زمنيا لا يقل عن ستة أشهر لإجراء الانتخابات، وهي تقول دائما أن ليس بإمكانها تقليص زمن هذا الجدول مطلقا!
بالإضافة إلى ذلك ثمة اعتراضات على قانون الانتخابات، وعلى مفوضية الانتخابات، الأمر الذي يتطلب تشريع قانونين جديدين بهذا الصدد، وهذا غير متاح بسبب منع الصدريين لأي حديث عن عودة مجلس النواب للانعقاد، لاسيما ان علاقات القوى داخل هذا المجلس ليست في مصلحة التيار، وبالتالي يمكن أن يكون التشريعان ضدهما بشكل مباشر!
كل هذا يجعل فكرة تعطيل الدستور للذهاب إلى حكومة انتقالية هي المقدمة الضرورية التي لا بد منها للوصول إلى حل للأزمة القائمة في العراق اليوم
والحديث عن حل البرلمان والانتخابات المبكرة يعني أيضا الإبقاء على حكومة السيد مصطفى الكاظمي/ حكومة تصريف الاعمال التي يتهمها الإطار التنسيقي بتزوير الانتخابات، وانها قريبة من الصدريين، وبالتالي لن يسمح بالإبقاء عليها!
في سياق هذه الحلقة المفرغة، وحفاظا على السلم الأهلي، ومصالح الجمهور، التي يجب أن تبقى هي الحاكمة بعيدا عن أي نصوص ناظمة، بما فيها النص الدستوري نفسه. ليس ثمة حل سوى الوصول إلى اتفاق سياسي لتعطيل بعض مواد الدستور لمدة عام كامل (تحديدا المواد 54، و64/ ثانيا، و76/ أولا وثانيا وثالثا وخامسا) فضلا عن تعطيل عمل المحكمة الاتحادية للمدة نفسها (إلا فيما يتعلق بالطعون على قرارات وإجراءات الحكومة الانتقالية). وأن يمر هذا الاتفاق السياسي عبر قرار يصدر عن مجلس النواب. صحيح إن هاتين الخطوتين ليستا دستوريتين، ولكن الجميع يعرف أن هذه ليست المرة الأولى التي سيتم فيها كسر قارورة الدستور! فقد تواطأت الطبقة السياسية، وسلطات الدولة، والمحكمة الاتحادية، مرات عديدة من قبل على انتهاك الدستور لتجاوز أزمة ما، أو إنفاذ صفقة ما، والأزمة الحالية هي الأخطر، وقابلة للانزلاق الى مواجهة مسلحة، وهي تتطلب بالضرورة اتفاقا آخر (غير دستوري) من أجل حل هذه الأزمة!
تعطيل هذه المواد الدستورية هو وحده الذي سيتيح تشكيل حكومة انتقالية لمدة عام كامل باتفاق سياسي، على أن تعطى صلاحية تشريعية حصرية لتشريع قانون انتخابات جديد، وتشكيل مفوضة انتخابات جديدة. وهو وحده ما يجعل هناك إمكانية حقيقية لحل مجلس النواب والذهاب إلى انتخابات مبكرة خلال عام واحد في النهاية!
إن تعطيل العمل بالوثيقة الدستورية، كليا او جزئيا لمدة محددة، ليست بدعة، فهو أحد الحلول التي يتم اللجوء اليها في حالات الأزمات الخطيرة، وتتضمن دساتير الدول الديمقراطية هذه الإمكانية (راجع المادة 16 من الدستور الفرنسي) على سبيل المثال لا الحصر) وهو ما لم يلتفت اليه المشرع العراقي عند تقنينه لموضوع إعلان حالة الطوارئ، فقد خولت المادة 61/ 9 رئيس مجلس الوزراء صلاحيات كان يفترض أن تنظم بقانون تقاعست مجالس النواب المتعاقبة عن تشريعه، إلا أنه قيد هذه الصلاحيات بحيث لا تتعارض مع الدستور.
في العراق اليوم ثمة تعطيل كامل لسير العمل المنتظم للسلطات الدستورية العامة، فرئيس الجمهورية قد انتهت ولايته بموجب الدستور (المادة 72/ ثانيا/ 1) واستمراره بأداء مهامه المنصوص عليها في المادة 73 لا تتيح له إنفاذ المادة 76/ أولا، ومجلس الوزراء مستقيل وهو يقوم بتصريف الأمور اليومية حصرا، ومجلس النواب ممنوع من الاجتماع، بل قام رئيسه بتعليق أعماله دون أن يمتلك صلاحية لذلك من الأصل، والمحكمة الاتحادية ومجلس القضاء الأعلى متهمان من قطاعات عديدة بالتسييس وبأنهما أصبحا طرفا مباشرا في الصراع السياسي!
كل هذا يجعل فكرة تعطيل الدستور للذهاب إلى حكومة انتقالية هي المقدمة الضرورية التي لا بد منها للوصول إلى حل للأزمة القائمة في العراق اليوم!
كاتب عراقي
ما هو رأيك يا أستاذ بما فعله الرئيس قيس سعيد بتونس في تغيير الدستور ؟
هل هناك إمكانية بإنقلاب عسكري بالعراق ؟ وماذا عن الميليشيات الولائية ؟
ولا حول ولا قوة الا بالله
مع تحفظي على الجملة الخطيرة التي ذكرها السيد الكاتب ((… إن تعطيل العمل بالوثيقة الدستورية، كليا او جزئيا لمدة محددة، ليست بدعة، فهو أحد الحلول التي يتم اللجوء اليها في حالات الأزمات الخطيرة، وتتضمن دساتير الدول الديمقراطية هذه الإمكانية…) ) وانا طبعا لا اتفق مع الكاتب المحترم بوجود مثل هذه الآلية في الدساتير الغربية، ولكن ديباجة بعض الدساتير تؤكد مبدأ العودة الى الشعب فهو مصدر السلطات في نهاية الامر. وهنا يتراءى في ذهني سؤال اوجهه الى الكاتب المحترم: ومن سيقوم باختيار الحكومة الانتقالية؟ الجواب: في مثل هذه الاوضاع، واذا عدنا الى روح الدستور ومبدأ (الشعب مصدر السلطات) فان البرلمان المنتخب هو الجهة الوحيدة التي يمكنها تعيين هذه الحكومة الانتقالية قبل ان يحل نفسه.. ولكن في حالة قيام اي جهة اخرى باختيار هذه الحكومة الانتقالية فان ذلك سيعتبر انقلاباً مهما حاولنا تسويق او تزويق هذا الاختيار. ونحن كعرب نفهم جيدا معنى مثل هذه الخطوة. وما انقلابات البشير في السودان والسيسي في مصر وقيس سعيد في تونس الا امثلة على ذلك.
ماذا يريد هذا-السيد الذي فقد عمامته أو يكاد-من أجل عَرَضِ الحياة الدنيا؟هو في كل مرة يخاطب الناس يكاد أن يقول لهم”أَنَا ربكم الأعلى ” فاذعنوا و أخضعوا و إلا أرسلنا في المدائن حاشرين , هو يريد أن يكون للعراق ملكاً بعمامة و فاته” إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها و جعلوا أعزة أهلها أذلة “و لا يخاطب الناس إلا بضمير المفرد المتكلم ما يذكرنا بخطابات حاكم العراق الأسبق عبد الكريم قاسم الذي في إحدى خطاباته الطويلة المملة كرر كلمة أنا مائة مرة أو يزيد , صحيفته بيضاء ناصعة في جهاد المحتلين الأمريكان و غيرهم ” و لا تبخسوا الناس أشياءهم ” لكنه أخيرا وضع نفسه في خدمتهم , و بقراراته الأخيرة من الإستقالة من مجلس النواب إلى الدعوة لانتخابات مبكرة إلخ أوقع حلفاءه في ورطة قبل خصومه فالذي يريد حل البرلمان لا يستقيل منه و الذي يطلب انتخابات نيابية مبكرة لا يعلن سلفاً أنه لن يشارك فيها , لذلك بقصد و بدونه سارع بعض قادة الإطار إلى تأييد برنامجه لحل الأزمة للإيقاع بينه و بين حلفائه الذين لا يريدون التفريط بالمكاسب الإنتخابية التي حققوها , هذا الرجل في عقله شيء و يتخذ قراراته بمعزل عن عقلاء القوم و العلماء الربانيين و في هذا لايشاور رجاله ليشاركهم في عقولهم و ربما يعتمد في كل ذلك على الإستخارة فقط
مقترح الكاتب بتعطيل بعض مواد الدستور هو (شبيه بقولهم يفسر الماء بعد الجهد بااماء ) فهو لا ياتي بحل يعجلب يانهاء مشكلة الخلاف الشخصي بين مقتدى والمالكي والتي هي المحور الاساس للمشكلة السياسية المستعصية منذ تسعة اشهر فهدف كل واحد منهما اسقاط الاخر واقصاءه باية طريقة كانت لذلك فهذا المقترح يقود الى اطالة فترة عدم الوصول الى حل ربما لسنوات وتعطيل كل اجراء او قرار او توصية تخص مصلحة الشعب العاقي المظلوم ظلما لا مثيل له فهو يسير بشكل عمياوي وراء سيد وفق طاعة عمياء تشرنقت داخل اطار منزلة السيد القيادية والتي لاتقبل الانفكاك او الانعتاق منها بسبب جهل اصحابها وضعف عقولهم 0
اما من جهة المالكي امين عام حزب الدعوة في العراق فالناس يخضعون له من باب الالتزام باحترام السيد محمد باقر الصدر مؤسس حزب الدعوة