تعويضات اليهود العرب الذين هاجروا إلى إسرائيل وعلاقتها بالسلام

أزعم أن الهدف من حملة الدعاية التي دأب التلفزيون الإسرائيلي على بثها منذ شهر يونيو/حزيران الماضي تحت شعار ‘أخبر ابنك’ بحجة تسجيل الجوانب التاريخية لهجرة اليهود الشرقيين إلي إسرائيل عن طريق رواية ‘قصصهم الشخصية’، بدأت معالمها تتضح في الأونة الأخيرة، حيث بان للقاصي والداني أن الغرض لم يكن ‘توثيق تراث يهود الشرق الأوسط’، كما تم من قبل توثيق تراث يهود أوروبا، بل لاستكمال خطة جهنمية للحصول عن طريق جماعات الضغط اليهودية الأمريكية والمنظمات الدولية على تعويضات من الدول العربية التي هاجروا منها.
هذه الحملة ارتكزت على اللقاءات التي عقدها برلمانيون إسرائيلون مع أعضاء من جماعات الضغط اليهودية الأمريكية، للتنسيق حول كيفية الحصول على تعويضات لليهود الشرقيين من حكومات الدول التي هاجروا منها.. وأيضا على المؤتمر الذي دعا إليه ليبرمان، وزير خارجية إسرائيل، أوائل العام الماضي وشارك فيه زعماء الجاليات اليهودية في أمريكا وبعض الدول الأوروبية، الذي تمخض عنه في منتصف مارس/اذار عام 2012 قانون قدمته وزارة الخارجية الإسرائيلية، يطالب مجموعة من الدول العربية ‘بدفع تعويضات تبلغ قيمتها 300 مليار دولار أمريكي عن املاك 850 ألف يهودي هاجروا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية إلى إسرائيل، على دفعات متعاقبة’.
البداية التي رصدت هذه الحملة جاءت على صفحات صحيفة ‘هآرتس’ بتاريخ 13/6/2013 عندما قالت ان هذا المشروع يعد أولى ثمار قرار حكومي صدر عام 2009 يفرض على الحكومة تغيير سياسة التعامل مع اليهود الشرقيين، باعتبارهم لاجئين وليسوا مهاجرين، من الضروري ان تحصل الدولة على تعويضات مقابل املاكهم التي تركوها وراءهم في البلدان التي هاجروا منها، والتي تزيد قيمتها عن قيمة أملاك الفلسطينيين داخل الخط الأخضر.
وآخر ما يدعم هذا المخطط العنصري الانتهازي.. ما تسرب منذ بضعة أيام حول خطة الإدارة الأمريكية للوصول إلى ‘اتفاق إطار’ يوفر الأجواء الإيجابية لمنع انهيار الجهود المتواصلة، التي يبذلها جون كيري منذ نحو أربعة أشهر لكي يحظى بموافقة الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي على ‘خطة سلام’ طويلة الأجل تمثل مرجعية وحيدة ونهائية لمراحل التفاوض في كل ما يتعلق بالملفات العالقة بينهما منذ اتفاق أوسلو الشهير.
ما تسرب جاء لمصادر المعلومات عبر مارتن أنديك موفد واشنطن لمتابعة مسار تعزيز الخطوات المؤدية لإنفاذ ‘اتفاق الاطار’ الذي تقول التقارير الأوروبية انه سيطرح خلال فترة قصيرة على الجانبين، ويتضمن شقين..
الأول خاص بالطرفين المتنازعين، ويقترح
الوعد بإقامة دولة فلسطينية على أساس حدود عام 1967، مع تبادل للأراضي.
الابقاء على نحو 80′ من مستعمرات/ مستوطنات الضفة تحت سيادة إسرائيل.
اعتراف الجانب الفلسطيني بيهودية دولة إسرائيل، مقابل اعتراف إسرائيل بالدولة الفلسطينية.
يعلن الطرفان إنهاء الصراع بينهما مرة واحدة وأخيرة.
الثاني.. خاص باليهود الشرقيين من مواطني دولة الاحتلال العنصرية، وينص على حق الذين فروا من الدول العربية في الحصول على ‘تعويضات’ عن أملاكهم التي تركوها وراءهم عندما ‘اضطروا للهجرة’ إلى دولة اسرائيل، بعد إعلان قيامها.
يلزم الإشارة هنا إلى أن حكومة إسرائيل العنصرية ظلت حتى أوائل عام 2012 ترفض تصنيف اليهود الشرقيين باعتبارهم ‘لاجئين’، لأن فلسفة الاستعمار والاستيطان التي غرسها بن غوريون كانت ترتكز على أن ‘الدولة اليهودية قامت لكي تستقبل المهاجرين الذين قدموا للعيش فيها بعد ألفي سنة من الشتات’.. لكيلا يجبر على الاعتراف بأن اللاجئين اليهود هم السبب في طرد اللاجئين الفلسطينيين حتى لا يسجل ذلك في وثائق الأمم المتحدة.
من هنا يلزم التساؤل لماذا يثار هذا الموضوع الآن؟ وما العلاقة بينه وبين ‘اتفاق الإطار’ الذي يتبناه وزير خارجية أمريكا؟ في الظاهر لا يوجد ارتباط، لكن من يمعن النظر سيجد أن هناك أكثر من رابطة قوية. تتوهم دولة الاحتلال العنصرية أن تكتيكها الخفي مع القوى اليهودية الأمريكية المعادية للشعب الفلسطيني بصفة خاصة، وللعرب والمسلمين بصفة عامة، لفرض هيمنتها على الشرق الأوسط الكبير يسير في مسارين لا علاقة بينهما.. الأول التعاون مع الإدارة الأمريكية لإنجاز ‘اتفاق اطار السلام’ بينها وبين الشعب الفلسطيني. والثاني رعاية مصالح شعبها الذي يؤكد نتنياهو مراراً وتكراراً أنه ‘لا يمكن ان يساوم على مصالحه الحيوية’. هذا التكتيك مترابط منذ سنوات طويلة، فمثلا رفض الرئيس الفلسطيني محمود عباس فكرة مقايضة مستعمرات/ مستوطنات الضفة الغربية بجزء من الأراضي يضم فلسطينيي عام 48، أو ما يعرف بمنطقة المثلث التي تشتمل على مدن وقرى فلسطينية يعيش فوقها حالي 500 ألف فلسطيني، كما طرحها رئيس وزراء دولة الاحتلال آنذاك إيهود أولمرت. وبعد ذلك بثلاث سنوات فشلت مساعي عقد اتفاقية سلام بين إسرائيل والجانب الفلسطيني منتصف عام 2010، التي كانت ترعاها الإدارة الأمريكية بسبب تعنت إسرائيل ورفضها وضع جدول زمني لمنح الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة، وفي ذلك الحين طالبت صحيفة ‘الإندبندنت’ البريطانية الرئيس أوباما بأن يدعو لعقد قمة دولية نهاية العام ‘لكي يمهد لإعلان قيام الدولة الفلسطينية’.
إسرائيل لا تقبل بترسيخ قواعد السلام لا بينها وبين الفلسطينيين ولا بينها وبين العرب، ولا بينها وبين الدول الإسلامية.. ويدل ملف تعاملها مع هذا المطلب الذي يمثل حاجة أساسية للمنطقة ولأهداف السلم والأمن العالميين لأكثر من عشرين عاما علي أنها لا تخطط للعودة إلى حدود عام 1967 المعترف بها من جانب الأمم المتحدة، ولن تعترف بالحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني المحتلة أرضه التي نص عليها بروتوكول لوزان الذي وقعته بتاريخ 12 مايو/ايار 1949 والذي التزمت ضمن بنوده بتنفيذ قرار التقسيم رقم 181 لسنة 48 على أساس ‘أنه الحل الذي اتفق عليه الطرفان العربي (كفريق واحد) والإسرائيلي، وصادق عليه المجتمع الدولي ممثلاً في منظمة الأمم المتحدة’. ولذلك دائما ما تلجأ الى التنصل مما يتم الاتفاق عليه.
فوجئت إسرائيل في منتصف شهر ديسمبر/كانون الاول الماضي بالتحذير الذي أعلنه سفراء بريطانيا وألمانيا وفرنسا وايطاليا واسبانيا في تل أبيب ‘بأن مواصلة استكمال مشاريع البناء في المستوطنات 1800 وحدة سكنية جديدة – سيشكل ضربة قاضية لعملية السلام ‘وطالبوها بوقف هذه المشاريع إلى أن يتم التوصل إلى إطار الاتفاق المرتقب برعاية واشنطن.
ولكنها لم تكتف بمواصلة الإعلان عن برامج البناء المتتالية، بل دفعت لجنة التشريعات الوزارية لتقديم مشروع قانون ينص على ضرورة ‘موافقة ثلثي أعضاء الكنيست الإسرائيلي على أي مفاوضات تتعلق بتقسيم مدينة القدس أو بالانسحاب من المستوطنات ذات الكثافة السكانية بالضفة الغربية’.
لذلك حملت صحيفة ‘الغارديان’ البريطانية في الثاني من شهر يناير/كانون الثاني الماضي حكومة نتيناهو مسؤولية الجزء الأكبر من فشل المباحثات بينها وبين الجانب الفلسطيني، واتهمتها بإضاعة فرصة ثمينة لتحقيق السلام في ظل الانقسام الفلسطيني من ناحية واستجابة محمود عباس لضغوط أمريكية وأوروبية وعربية من ناحية أخرى.
وفي نهاية الشهر الماضي أعلن الرئيس الفلسطيني موافقته على برنامج الانسحاب التدريجي من الأراضي الفلسطينية، الذي اقترحه جون كيري بحد أقصى ثلاث سنوات. وجاء الرد الاحتلالي العنصري ضاربا عملية السلام برمتها في مقتل، حيث رفض نتنياهو تحديد ثلاث سنوات كأجل واضح لإتمام عملية الانسحاب وربط استكماله بمدى التزام الجانب الفلسطيني بمكافحة التطرف والتعاون في مجال ملاحقة الإرهابيين.
عند هذا الحائط المسدود فتحت حكومة إسرائيل بمساعدة قوى الضغط اليهودية الأمريكية ملف تعويضات اليهود العرب الذين هاجروا إلى اسرائيل الذي يبدو أن وزارة الخارجية الأمريكية تؤيده. من الواضح أن نتنياهو يهدف من وراء ذلك إلى ..
1 إغراق الراعي الأمريكي في مسائل تتعلق بحتمية قبول الدول العربية المعنية لمبدأ تعويض اليهود العرب.
2 إجبار الجانب الفلسطيني على القبــــول باشتراطات السلام كما تراها، وعلى رأسها التنازل عن حق العودة والتعويض معاً.

‘ استشاري اعلامي مقيم في بريطانيا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الو ثاءر:

    رجاء اي اتفاق بين الفلسطينيين واليهود ان يكون بالارقام وواضح النقاط ،،،واخلاء المستوطنات نهائيا في مدة محددة ، واليهود يعودوا الى حيث اتوا ،ولا تدفع فلسطين الثمن لانهم جاؤا بارادتهم ،،، ولا وجود لاي يهودي بين الاردن وفلسطين ،،،، ولا تبادل للاراضي الا بالقيمه الحاليه وعلى نطاق ضيق جدا ،،،، والقدس امانه في عنق كل مسلم عودتها بدون نقصان ،،،ولا قبول باراضي معينه ويقولون هذه القدس ،،،،، والا يترك الامر الى الاجيال القادمه ،،،وان يعرض اي حل على استفتاء ،،،،،لان الوقت اصعب وقت يمر على العرب ليختاره كيري لنيل نوبل ولا سند للمفاوض الفلسطيني الان ،،،وهل يعقل ان اكثر من عشرين سنه على المفاوضات بدون تغيير المفاوض لحلها في اشهر ،،، انتبهوا هذا وطن لا للبيع وشكرا

  2. يقول عدنان العربي:

    لماذا لايدعو الفلسطينيون والعرب الى إنشاء محكمة خاصة على غرار محاكم نورمبرغ ( بعد الحرب الثانية ) للتحقيق والفصل في المزاعم الصهيونية ، والبت فيمن هو لاجئ بالقسر ومن هو مهاجر طوعي ! ولبيقدم مجرمي الحرب الى العدالة ! واقترح أن تسمى ب ” محكمة النكبة ” ! كما ارجو ان يتدارس القانونيون العرب هذه المسألة جديا ، ودراسة امكانية التوجه الى محكمة العدل العليا في لاهاي والى محكمة الجنايات الدوليو ( معاهدة روما ) .

إشترك في قائمتنا البريدية