الجزائر ـ “القدس العربي”:
لا تزال التغريدة المسيئة للجزائر التي نشرها الحساب الرسمي لحزب الجمهوريين اليميني في فرنسا، وووصفت بـ”العنصرية والبذيئة” تثير ردود فعل متباينة على ضفتي المتوسط قبيل الانتخابات البرلمانية الأوربية.
وفي أول رد فعل له، حاول مرشح اليمين الفرنسي لهذه الانتخابات، فرانسوا كزافييه بيلامي، أن يرمي الكرة في الملعب الجزائري، في محاولة لصرف الأنظار عن هذه التغريدة. وقال بيلامي وهو رأس قائمة الجمهوريين، في حديثه مع قناة “بي أف أم” الفرنسية: “ما يصدمني حقاً ليس التغريدة، بل سياسة الجزائر التي ترفض استعادة مواطنيها الذين ارتكبوا جرائم على الأراضي الفرنسية”. وأضاف مهاجما الجزائر: “إنه بلد أضاف في نشيده الوطني مقطعاً يهدد فرنسا”. وبرأي بيلامي، فإن المواقف الجزائرية، تؤدي إلى تغذية اليمين المتطرف في فرنسا، وهو ما يوجب حسبه قول “هذه الحقيقة”.
ويشير بيلامي بكلامه إلى الإشكالات التي وقعت في الفترة الأخيرة بين الجزائر وفرنسا حول إصدار تراخيص العبور القنصلية للجزائريين الذين صدرت في حقهم أوامر طرد من التراب الفرنسي، حيث اتهم باريس الجزائر بعدم التعاون في هذا المجال وهو ما نفته الجزائر. أما عن النشيد الجزائري، فلم يتردد المترشح اليميني في ترديد مغالطة، إذ أن الجزائر لم تضف أي مقطع لنشيد قسما، بل وسعت حالات استخدام النشيد كاملا بما في ذلك مقطع “يا فرنسا قد مضى وقت العتاب فاستعدي وخذي منا الجواب”، والذي يعتبره اليمين الفرنسي تهديدا لبلادهم.
وورد في هذه التغريدة التي شاركها رئيس حزب الجمهوريين اليميني المتطرف إيريك سيوتي، كما هو معلوم دعوة للجزائر لأن “تسترد كل شيء سواء كان جيدًا أم سيئًا: المجرمون، الجانحون، المهاجرون غير الشرعيين”. وجاء ذلك كرد فعل على تحديد الجزائر قائمة الممتلكات المنهوبة من قبل فرنسا خلال الفترة الاستعمارية من أجل استعادتها. وتحتفظ فرنسا في متاحفها، بسيوف الأمير عبد القادر وأغراضه وبمدافع ومقتنيات ثمينة ومخطوطات أصلية وغيرها مما تم نهبه على مدار 132 سنة من الاستعمار.
ولم يقتصر الاستفزاز على النص، فقد وضع أسفل تغريدته الشعار الجزائري المعروف “وان تو ثري” مع صورة لطائرة في وضع الإقلاع، في إشارة لدعوة المهاجرين غير المرغوب فيهم من قبل هذا الحزب للمغادرة. كما أرفقت التغريدة بصورة للمناصرين الجزائريين وهم يحملون الأعلام الجزائرية ويحتفلون في شارع الشانزيلزيه أمام قوس النصر بباريس في إحدى المناسبات الكروية، وهي صورة يستعملها عادة اليمين المتطرف للإقناع بنظرياتهم حول “غزو المهاجرين” و”فقدان الهوية الفرنسية” و”وولاء المواطنين الفرنسيين من جنسية جزائرية لبلادهم الأم”.
ولقي هذا التصرف إدانة حتى من شخصيات معتدلة في حزب الجمهوريين مثل الوزير السابق اكزافيي برتراند، الذي طالب بحذف التغريدة المسيئة، مشيرا إلى أن التنافس الانتخابي لا يبيح التطاول على دولة وشتمها، فيما وصف الأمين العام للحزب الاشتراكي، أوليفييه فور، هذا التصريح بـ”الرسالة التي تهدف إلى إذكاء الكراهية بمزيج جميل من الأكاذيب”.
ومع أن المترشح بيلامي حاول أخذ مسافة من نص التغريدة المسيئة بالقول إنه “لم يكن ليعيد نفس العبارات”، إلا أنه أراد في الوقت ذاته جبر الانقسام الذي أحدثته في حزبه، بتحميل المسؤولية للطرف الجزائري وللرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي قال إنه يمارس لعبة انقسام الذاكرة مع الجزائر، في إشارة إلى سياسة مصالحة الذاكرة التي انتهجها مع الجزائر، والتي أثارت في السنوات الماضية بشكل واسع حفيظة تيار اليمين واليمين المتطرف.
ومن الجانب الجزائري، يُنظر إلى هذا النقاش في فرنسا بشكل مستغرب، كون أن الجزائر لم تطلب سوى استعادة ممتلكاتها المنهوبة خلال الفترة الاستعمارية. وذكرت يومية المجاهد التي تعبر عن الخط الحكومي، في افتتاحية لها أن “جزءا من الطبقة السياسية الفرنسية، المنخور من الداخل، ينهار تحت تأثير الهوس الجزائري الذي تمت الإصابة به عام 1962”. وأشارت الجريدة إلى أنه “لا توجد هناك حتى الآن إشارات عن التعافي، فالسقوط مثير للشفقة”، مضيفة أن “أحدث مثال لذلك هو تغريدة مشينة تعبر عن الحقد الشديد والضغينة تجاه الجزائر، الجنة المفقودة لأولئك الذين يحنون إلى الجزائر الفرنسية”.
وأبرزت الجريدة الناطقة بالفرنسية، أن حزب الجمهوريين قد هاجم الجزائر “بشكل مباشر”، مذكرا بأن سبب مثل هذا السلوك يتمثل ببساطة في كون “بلد الخمسة مليون شهيد قد طلب فقط استعادة ممتلكاته التاريخية والرمزية من فرنسا وأن ذلك كان كافيا لإضرام النار”. ولفتت إلى أن “هذه التغريدة التي لا تشرف فرنسا حقوق الإنسان، قد صدمت الفرنسيين أنفسهم”، مضيفة أن صاحب هذه التغريدة، زعيم الجمهوريين، إريك سيوتي، قد نجح في تحقيق “الإجماع” ضده، داخل الطبقة السياسية الفرنسية وأن “الهراء” قد أثار ضجة كبيرة. وأردفت بالقول إن “سيوتي قد نجح إذا في أولى انجازاته المتمثلة في تقسيم حزبه، لكنه أخفق بشدة في جر الجزائر إلى هذا الحضيض الذي اختاره منذ فترة طويلة كملجأ سياسي، لسوء حظه”.
كما ذكرت الصحيفة أنه “إذا رفضت الجزائر المشاركة في جدل فرنسي-فرنسي آخر على مستوى منحط، فإنه لا يزال من المناسب تحديد الدوافع وراء هذا الهجوم، والتي يمكننا دائما أن نستخلص منها بعض الدروس”. وتابعت تقول “حتى الآن، يبدو أن البراغماتية قد سادت على العاطفة في إدارة العلاقات الجزائرية-الفرنسية، وأن تلك الأصوات الآتية مباشرة من أعماق الإرث الاستعماري الفرنسي تذكرنا بشكل صارخ بأن العلاقة بين البلدين لا تزال عرضة لهجمات الكراهية ضد الجزائر والتي لا تزال تخالج جزء من الطبقة السياسية الفرنسية”.
وختمت الجريدة بالقول إن “صنابير الأمل حتى وإن كانت مغلقة أو تالفة بسبب مخلفات الاستعمار التي تغذي كراهية شرسة ضد الجزائر، فإنها لا تزال تتدفق، وأسباب هذا التفاؤل، الذي قد يبدو ساذجا، تعد رغم ذلك كثيرة”. وأشارت في هذا الصدد إلى “التاريخ المشترك حتى وإن كان مؤلما، والثقافة، وبشكل خاص جالية نشطة لا تطلب إلا المرافقة وأن تكون بمثابة جسور حقيقية من أجل مستقبل أفضل”. وذكرت أن الرئيس عبد المجيد تبون “كان على الدوام منسجما في مسعاه الداعي إلى تجاوز العواطف في هذه العلاقة التي تتغذى على عاطفة لا متناهية”، وهي العلاقة التي “يريد أن يخرجها من الحلقة المفرغة ليرسيها على العقلانية”.