غزة- “القدس العربي”:
أصدر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، ملخص التقرير الاستراتيجي الفلسطيني لعاميْ 2022-2023، حيث عالج القضية الفلسطينية بالرصد والاستقراء والتحليل، بالإضافة إلى المسارات المتوقعة لـ2024-2025. وجاء هذا الإصدار في ضوء استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
أشار التقرير إلى حالة الجمود في المشهد الفلسطيني الداخلي طوال سنتي 2022 و2023، ولم تُؤدّ عملية “طوفان الأقصى” إلى تحولات إيجابية سريعة، على مستوى العلاقات الوطنية الداخلية، ولا لدفع القيادة الرسمية الفلسطينية (التي هي قيادة منظمة التحرير، وقيادة السلطة الفلسطينية، وقيادة حركة فتح) لصياغة موقف جديد إزاء الصراع مع الاحتلال، يستثمر لحظة الحرب في إعادة ترتيب البيت الفلسطيني، وفي بناء الوحدة الوطنية وتعزيز الصمود الفلسطيني.
لم تُؤدّ عملية “طوفان الأقصى” إلى تحولات إيجابية سريعة، على مستوى العلاقات الوطنية الداخلية الفلسطينية، ولا لدفع القيادة الرسمية لصياغة موقف جديد إزاء الصراع مع الاحتلال
وقد عقدت قيادة منظمة التحرير لقاءين للمجلس المركزي، حيث ملأت شواغر اللجنة التنفيذية، وانتخبت رئيساً جديداً للمجلس الوطني، غير أن قيادة المنظمة ظلت متمسكة بشروطها لانضمام حماس والجهاد الإسلامي وقوى المقاومة بالموافقة على “اتفاقات أوسلو” والالتزامات التي تعهدت بها قيادة المنظمة.
وذكر أن ذلك جاء بالرغم من أن المجلس الوطني نفسه والمجلس المركزي طالبا بوقف العمل بالاتفاقيات وبوقف التنسيق الأمني مع إسرائيل. ويعتبر التقرير أن استطلاعات الرأي تشير إلى أن تيار المقاومة يملك شعبية أكبر بكثير من تلك التي تملكها القوى التي تحتكر القرار في منظمة التحرير والداعمة لمسار التسوية.
يوضح التقرير أن مشروع الإحلال الديني في المسجد الأقصى تصاعد في محاولة فرض التقسيم المكاني إلى جانب التقسيم الزماني، ثم التأسيس المعنوي للهيكل بمحاولة فرض الطقوس التوراتية فيه.
وأشار إلى أن “العدوان الصهيوني” كان يتخذ من الأعياد الدينية اليهودية والقومية الصهيونية ذروات لمحاولة تغيير هوية الأقصى، “فجاءت معركة طوفان الأقصى، لتنطلق من أعتى محاولات الإحلال الديني، وأمام الطابع النفسي الثأري والتعزيزي الذي يحكم السلوك الصهيوني تجاه صدمة السابع من أكتوبر، فإن محاولة التهجير النهائي لحي الشيخ جراح ولأحياء سلوان السبعة المهددة، من المتوقع أن تعود إلى الواجهة لتصبح عنواناً مركزياً من جديد”.
وأشار إلى أنه يضاف إليها كذلك وادي الجوز شمال البلدة القديمة حيث يدخل مشروع “وادي السليكون الجديد” حيز التطبيق.
أما على مستوى الاستيطان في القدس، فتحاول الآلة الاستيطانية حسم هوية القدس بإيجاد عمق استيطاني في مركز المدينة، إضافة إلى حسم مصير حدودها الشرقية.
مشروع الإحلال الديني في المسجد الأقصى تصاعد في محاولة فرض التقسيم المكاني والزماني، ثم التأسيس المعنوي للهيكل بمحاولة فرض الطقوس التوراتية فيه
ذكر الملخص أن “معركة طوفان الأقصى” هي عملية المقاومة الأبرز في الفترة التي يُغطيها التقرير، بل منذ إنشاء الكيان الإسرائيلي، وأحدثت ارتدادات هائلة فلسطينياً وإسرائيلياً وعربياً ودولياً.
وأوضح أن دولة الاحتلال كانت في سنتي 2022 و2023 قد تابعت احتلالها وعدوانها على الشعب الفلسطيني؛ الذي واصل مقاومته، وقد تصاعدت المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية بشكل غير مسبوق منذ نحو 17 عاماً، بالرغم من التنسيق الأمني. وقد حافظت عمليات المقاومة على معدلاتها المرتفعة خلال سنتي 2022 و2023؛ فقد سجل جهاز “الشاباك” الإسرائيلي 3,825 عملية مقاومة في سنة 2022، في الضفة الغربية بما فيها شرقي القدس، وقطاع غزة، وداخل الأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 1948، مقابل 4,578 عملية سُجلت في سنة 2023، ما عدا عمليات المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة خلال عملية طوفان الأقصى.
واستشهد في سنة 2022 ما مجموعهُ 224 فلسطينياً، بينهم 53 شهيداً في قطاع غزة، و171 شهيداً في الضفة الغربية، وبيّنت وزارة الصحة الفلسطينية، في تقريرها السنوي، أن 53 طفلاً شهيداً كانوا من بين مجموع الشهداء، بينما، استشهد في سنة 2023 ما مجموعه 22,404 فلسطينيين، منهم 22,141 شهيداً منذ السابع من أكتوبر وحتى اليوم الأخير من العام الماضي، منهم في قطاع غزة (21,822 شهيداً)، من بينهم أيضا نحو 9 آلاف طفل و6,450 امرأة، في حين بلغ عدد الشهداء في الضفة الغربية 319 شهيداً منهم 111 طفلا و4 نساء.
كما بلغ عدد المفقودين الذين تمّ التبليغ عنهم في قطاع غزة أكثر من 7 آلاف مفقود، منهم 67% من الأطفال والنساء. وجُرح 10,500 فلسطيني في سنة 2022، بينما جُرح أكثر من 60,273 فلسطينياً في سنة 2023 (56,451 في قطاع غزة، و3,822 في الضفة الغربية).
وفي المقابل، سجل جهاز الشاباك مقتل 31 إسرائيلياً في سنة 2022، ومقتل 43 إسرائيلياً (ما عدا ما تمّ تسجيله خلال طوفان الأقصى، والتي تشير إلى مقتل نحو 1,400 إسرائيلي)، خلال سنة 2023 نتيجة عمليات نفذها فلسطينيون. وجُرح 281 إسرائيلياً في سنة 2022، وذلك مقابل 181 إسرائيلياً (ما عدا ما تمّ تسجيله خلال طوفان الأقصى، والتي تشير إلى إصابة ما يزيد عن 7,262)، في سنة 2023.
أما على صعيد معاناة الأسرى، فقد شهدت سنتا 2022 و2023 العديد من التحولات على صعيد واقع عمليات الاعتقال التي نفّذتها قوات الاحتلال الإسرائيلي، والتي ارتبطت بشكلٍ أساسي بتصاعد حالة المقاومة ضدّ الاحتلال، حيث وصل عدد الأسرى في سجون الاحتلال إلى 8,800 أسير في نهاية كانون الأول/ ديسمبر 2023، وهذه الإحصائية لا تشمل معتقلي قطاع غزة بعد 2023/10/7، فيما لم تتوفر حصيلة دقيقة للفئات من الأطفال، والنساء والمسنين في السجون.
أحدثت “عملية طوفان الأقصى” هزة عميقة في منظومة الحكم وفي التجمع الاستيطاني اليهودي الإسرائيلي، ستبقى ارتداداته لسنوات عديدة قادمة
وقد بلغ عدد المعتقلين الإداريين 3,291، وعدد من صنفهم الاحتلال بالمقاتلين غير الشرعيين 661، وتعني هذه الحصيلة أنّ عدد إجمالي الأسرى زاد بـ3,550 أسيراً عن عدد الأسرى في السجون ما قبل 2023/10/7، وزاد عدد الإداريين بـ1,971 معتقلاً.
بالنسبة للوضع الداخلي، فقد أحدثت “عملية طوفان الأقصى” هزة عميقة في منظومة الحكم وفي التجمع الاستيطاني اليهودي الإسرائيلي، ستبقى ارتداداته لسنوات عديدة قادمة. وكانت سنة 2022 قد شهدت استمرار الائتلاف الحكومي الهش برئاسة نفتالي بينيت، غير أن هذا الائتلاف تفكك في صيف 2022، ما أدى لانتخابات جديدة أدت إلى فوز الأحزاب اليمينية والدينية بزعامة الليكود بأغلبية واضحة، مع صعود قوي لتيار الصهيونية الدينية بزعامة سموتريتش وبن غفير، حيث تشكلت حكومة برئاسة نتنياهو وهي الأشد تطرفاً في تاريخ الكيان السياسي.
ويقول التقرير إنه لذلك، كان الرد الإسرائيلي على “عملية طوفان الأقصى” “هستيرياً ومتوحشاً” في عدوانه على القطاع في محاولة استعادة بعض من هيبته.
ولفت إلى تشكيل “حكومة طوارئ” حيث انضم “حزب المعسكر” برئاسة غانتس إلى الائتلاف الحاكم، ولقيت الدعوات للعدوان على غزة و”سحق” حماس واستعادة المحتجزين، دعماً شعبياً إسرائيلياً واسعاً، لا يعبأ بالضحايا المدنيين الفلسطينيين ولا بالدمار الهائل الذي يحدث لقطاع غزة.
وسعى نتنياهو إلى تحقيق انتصار أو صورة انتصار في محاولة تحسين وضعه السياسي وشعبيته ولو بإطالة أمد الحرب. غير أن استطلاعات الرأي العام الإسرائيلية تشير إلى تراجع كبير في شعبية نتنياهو والليكود واليمين المتطرف مع تصاعد شعبية غانتس وحزبه المعسكر الرسمي، والرغبة في انتخابات جديدة بعد انتهاء الحرب، غالباً ما ستُنهي الحياة السياسية لنتنياهو، وتلقي به في السجن بتهم الفساد.
وقد أوضح التقرير كيف تعرض الاقتصاد الإسرائيلي لهزّة كبرى نتيجة معركة طوفان الأقصى والحرب على قطاع غزة، واستدعاء نحو 360 ألفاً من الاحتياط، وتعطّل الكثير من المصالح الاقتصادية، وضرب قطاع الهاي تيك، ونضوب السياحة؛ فانخفضت قيمة الشيكل لأدنى مستوى منذ 2012، وتوقع محافظ “بنك إسرائيل” خسائر كلية تصل إلى نحو 68 مليار دولار في الفترة 2023-2025. وكان الناتج المحلي الإجمالي الإسرائيلي قد ارتفع سنة 2022 بنسبة 11.5%، مقارنة بارتفاع قدره 11.6% سنة 2021. أما دخل الفرد الإسرائيلي فبلغ نحو 52,300 دولار في سنة 2021، ونحو 55 ألف دولار سنة 2022، غير أن هذا الدخل سيتراجع سنة 2023 إثر معركة طوفان الأقصى. وارتفع الدعم الأمريكي لإسرائيل منذ سنة 2018 ليبلغ 3.8 مليار دولار سنوياً، من بينها 3.3 مليارات دولار على شكل منحة عسكرية. وبعد معركة طوفان الأقصى، ارتفعت المساعدات الأمريكية، وخصوصاً العسكرية لإسرائيل بشكل كبير، حيث أعلن بايدن من البيت الأبيض في 2023/10/20 تخصيص مبلغ 14.3 مليار دولار كمساعدات لإسرائيل.
وتعدُّ إسرائيل أحد أكبر مصدري السلاح في العالم حيث بلغ مجموع صادراتها نحو 12.5 مليار دولار في سنة 2022.
صدم طوفان الأقصى قطار التطبيع السريع فعطّله، وجعل أولئك المنتشين بالعلاقات يقعون في حالة من الذهول والارتباك، كما انتاب بعضهم حالة من الغيظ والغضب على المقاومة.
يوضح التقرير أن السلوك الرسمي العربي العام ظلّ داعماً لمسار التسوية السلمية ولحل الدولتين وللمبادرة العربية الموضوعة على الطاولة منذ سنة 2002، كما ظلّ داعماً للقيادة الرسمية الفلسطينية برئاسة محمود عباس، ومتحفظاً في العلاقة مع حماس وتيار المقاومة أو مخاصماً لها. وفي المقابل، حافظت عدة بلدان على علاقات إيجابية مع حماس وخط المقاومة (ضمن الخط السياسي الرسمي العام) مثل قطر والجزائر والعراق واليمن وسوريا ولبنان وموريتانيا.
واستمرت حالة العجز والتشرذم العربي في سنتي 2022-2023، كما تعمَّق مسار التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، وتراجع الاهتمام بقضية فلسطين. وكان وقع معركة طوفان الأقصى مفاجئاً وكبيراً على الدول التي اندفعت في تطبيع علاقاتها مع الكيان الإسرائيلي، فجاءت كطوفان صدم قطار التطبيع السريع فعطّله، وجعل أولئك المنتشين بالعلاقات وانسيابيتها يقعون في حالة من الذهول والارتباك، كما انتاب بعضهم حالة من الغيظ والغضب على المقاومة.
هذا وقد ناقش التقرير بالتفصيل سلوك دول الطوق وتحديداً مصر والأردن وسوريا ولبنان تجاه فلسطين، كما ناقش تفاعل عدد من الأنظمة العربية مع القضية كالسعودية والجزائر والإمارات والكويت والعراق واليمن والسودان والمغرب؛ وتابع تطورات التطبيع في المنطقة، وسلوك الشعوب العربية تجاه فلسطين. كما ناقش التقرير بالتفصيل مواقف العالم الإسلامي وخصوصاً الموقفين التركي والإيراني.
وفي التقرير، تتبَّع القسم الأول من الفصل ردود الفعل الدولية على “عملية طوفان الأقصى”، من خلال قرارات الأمم المتحدة، كما تتبّع مؤشرات الموقف الأمريكي والمواقف الأوروبية، بالإضافة لموقف كل من الصين وروسيا والهند، ثم تناول الفصل موضوع التحول الواضح والمتسارع في توجهات الرأي العام الدولي.
أما القسم الثاني من الفصل، فقد غطّى تطورات القضية الفلسطينية دولياً للفترة 2023-2022، حيث أكدّت الدراسة في مرحلة ما قبل الطوفان استنتاجاً سابقاً وهو أن المقاومة المسلحة ترفع التأييد في أوساط الرأي العام الدولي للموقف الفلسطيني؛ بينما يخف هذا الدعم في أجواء مسارات التسوية السلمية.