الناصرة: “القدس العربي”:
يكشف تقرير لمنظمة “يكسرون الصمت” الإسرائيلية بعنوان الانقلاب الصامت”، تولّى ترجمته للعربية المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية، كيف يتم سرقة الضفة الغربية المحتلة من خلال مشروع خصخصة الاستيطان والتهويد.
يقول التقرير إن المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية يمرّ بتحولات متسارعة، منذ تشكيل الائتلاف الإسرائيلي الحاكم في 29 كانون الأول 2022. وهي تحولات تستند الى أجندة يمينية استيطانية تقوم على ثلاثة مبادئ:
1) التوجّه نحو ضم الأراضي “ج” وفرض تدريجي للسيادة الإسرائيلية الشاملة عليها؛
2) رفع عدد المستوطنين إلى مليون نسمة خلال العقدين القادمين؛
3) الجيش الإسرائيلي الذي يدير الأرض المحتلة، ومستشاروه القانونيون الذين “يغازلون” القانون الدولي، أطراف لم تعُد صالحة، وتمثّل بنية بالية وغير قادرة على تحقيق متطلبات المرحلة الجديدة من النمو الاستيطاني.
طبقاً للتقرير، حوّلت إسرائيل طبيعة الحكم في الضفة الغربية باستخدام تدابير بيروقراطية بالخفاء، ونقلت النظام من صيغة احتلال عسكري عليه التزامات تجاه السكان الواقعين تحت الاحتلال بموجب القانون الدولي إلى نظام تدير فيه المؤسسات الحكومية المدنية الإسرائيلية معظم جوانب الحياة الفلسطينية في الضفة الغربية، وهي مؤسسات إسرائيلية مهمتها الولاء للإسرائيليين. وفي عهد الوزير المستوطن بتسلئيل سموتريتش، مُنح أتباع الأيديولوجية الاستيطانية سيطرة أكبر على الضفة الغربية، وهذا يعني عملياً حصولهم على السلطة اللازمة لتنفيذ أجندتهم الأيديولوجية.
وحسب التقرير أيضاً، تم توضيح نوايا حكومة نتنياهو الحالية في وقت مبكر، حيث جاء في مقدمة المبادئ التوجيهية للحكومة التالي:
“للشعب اليهودي حق حصري لا جدال فيه في جميع أنحاء أرض إسرائيل. ستعمل الحكومة على تعزيز وتطوير الاستيطان في جميع أنحاء أرض إسرائيل- الجليل والنقب، والجولان، ويهودا والسامرة”.
كما يقول إن اتفاقيات الائتلاف الموقعة عند تشكيل الحكومة (بتاريخ 29 كانون الأول 2022) هي في الأساس بمثابة خطة عمل تفصيلية لضم الضفة الغربية. ويؤكد أنه لم يكن تعيين وزير المالية بتسلئيل سموتريتش كوزير إضافي في وزارة الدفاع واتفاق تقاسم السلطة بين الوزيرين في وزارة الدفاع: غالانت وسموتريتش، في شباط 2023، والذي منح سموتريتش معظم الصلاحيات على مختلف جوانب الحياة المدنية في الضفة الغربية، سوى خطوات أولى على طريق تغيير طبيعة السيطرة الإسرائيلية في الضفة الغربية.
يكشف تحليل الإجراءات التي اتخذتها الحكومة منذ إقامتها، والتي يتم تنفيذها بشكل مكثّف حتى مع استمرار القتال في غزة، عن المضي بشكل حثيث في تنفيذ الضم في الضفة الغربية على نطاق غير مسبوق. ويوضح التغيير الجوهري في نظام السيطرة على الفلسطينيين من خلال نقل صلاحيات الحكم من الجيش إلى السلطات الحكومية الإسرائيلية.
وينوه التقرير أن إدارة المستوطنات هي هيئة حكومية جديدة داخل وزارة الدفاع تقدم تقاريرها مباشرة إلى الوزير سموتريتش، وتسيطر على معظم مجالات الحياة المدنية في الضفة الغربية. إدارة الاستيطان مكلّفة بتصميم السياسات الحكومية في الضفة الغربية بشأن المسائل التي لا تتعلّق بالأمن بشكل محض: تسيير عمل الإدارة المدنية، إدارة التخطيط وإنفاذ القانون (بما في ذلك عمليات الهدم) على البناء غير المرخّص؛ تولّي مسؤولية سياسات إدارة الأراضي، بما في ذلك تخصيص الأراضي، واستكمال تطبيق القانون الإسرائيلي على المستوطنين من خلال الأوامر العسكرية، وتحسين الخدمات الحكومية للمستوطنين.
ويستذكر أنه تم تعيين يهودا إلياهو رئيساً لإدارة المستوطنات، وهو شريك سموتريتش في تأسيس منظمة ريغافيم (منظمة استيطانية تعمل على الاستيلاء على الأراضي وتهجير الفلسطينيين في الضفة الغربية). ويعتبر إلياهو مساعداً مقرّباً من الوزير سموتريتش.
كما يستذكر التقرير أنه، في أواخر أيار 2024، ولأول مرة، تمت الموافقة على تعيين مدني في منصب نائب رئيس الإدارة المدنية مهمته تولي الشؤون المدنية. ويوضح أن الإدارة المدنية هي الجسم العسكري المسؤول عن تطبيق السياسة المدنية للجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية. تولّى نائب رئيس الإدارة المدنية الجديد صلاحيات إدارية متعددة وواسعة تتعلّق بمعظم جوانب الحكم المدني في الأراضي المحتلة- بما في ذلك إدارة الأراضي والتخطيط والبناء والمراقبة والإنفاذ والتجارة والاقتصاد والسلطات المحلية وإدارة المحميات الطبيعية والمواقع الأثرية وغيرها. كما منح النائب في بعض الحالات صلاحية سنّ أنظمة في المناطق الخاضعة لمسؤوليته- حيث كانت هذه الصلاحيات تمنح سابقاً من خلال أوامر عسكرية يصدرها رئيس الإدارة المدنية- ما يجعل النائب مشرًّعا ثانوياً.
ويؤكد التقرير أن هذه الصلاحيات مهمة لأنها تشكل جوهر السيطرة الإسرائيلية الحكومية في الضفة الغربية، لا سيما في ما يتعلّق بصنع السياسات وتنفيذها على أرض الواقع. ويقول إن المسمّى الوظيفي “نائب رئيس الإدارة المدنية” هو أمر مضلّل، حيث إن المنصب تابع لإدارة المستوطنات وليس لرئيس الإدارة المدنية، والشخص الذي يشغل هذا المنصب لا يتلقّى أوامر من رئيس الإدارة المدنية، كما أنه غير مُلزم برفع التقارير إليه أو التشاور معه. وبعد تفويض “النائب” بهذه الصلاحيات، فإنه يعمل من حيث الجوهر كرئيس للإدارة المدنية. منبهاً أن نائب رئيس الإدارة المدنية، الذي يعد فعلياً الرئيس الجديد للإدارة المدنية، يخضع لتسلسل هرمي يترأسه الوزير سموتريتش كوزير إضافي في وزارة الدفاع. لافتاً إلى أن هذا التسلسل قد أقصى الجيش عملياً من عمليات صنع القرار في معظم جوانب الحياة الفلسطينية في الضفة الغربية. ويشير إلى أن الشخص المعين لهذا المنصب هو هيلل روث، وهو عضو سابق في مدرسة أود يوسف شاي الدينية التي يقودها المستوطنون ويسكن في مستوطنة ريفافا. أثناء خطة فك الارتباط في العام 2005، شغل روث منصب مدير الشؤون المالية والإدارية لمنظمة حونينو،
وهي مجموعة لتقديم المساعدة القانونية للتيارات اليمينية. وشغل روث لاحقاً منصب أمين صندوق المجلس الاستيطاني الإقليمي شومرون.
ويوضح التقرير أن تعيين مدني نائباً لرئيس الإدارة المدنية يكمل العملية التدريجية لنقل المسؤوليات من الجيش إلى الهيئات الحكومية المدنية في إسرائيل. منبهاً أن الخطوة الهامة في هذه العملية هي نقل المسؤوليات من هيئة النائب العام (“المستشار القانوني ل “يهودا والسامرة”) إلى المستشار القانوني لوزارة الدفاع. عملياً، يتم الآن تقديم المشورة القانونية في العديد من القضايا المصيرية والحساسة من قبل مستشارين تم تجنيدهم من قبل إدارة المستوطنات ويعملون تحت إشراف سموتريتش في وزارة الدفاع. كما يحل هؤلاء المستشارون محل النيابة العسكرية من خلال العمل كمستشارين قانونيين لنائب رئيس الإدارة المدنية.
ويمضي التقرير في تبيان ملامح مشروع السلب والنهب الجاري من خلال خصخصته: “هذه ليست مسألة فنية. على مدى سنوات، حال الجيش دون المصادقة على بعض السياسات وتنفيذها في الضفة الغربية لأن مستشاريه القانونيين اعتبروها خرقاً لالتزامات إسرائيل بموجب القانون الدولي. إن نقل وظيفة المستشار القانوني إلى وزارة الدفاع يزيل الضوابط التي كانت تمنع إساءة استخدام السلطة– والتي كانت أصلاً ضوابط ضعيفة ومحدودة. وهذا يعني أن ولاء المستشار القانوني قد تحول من التزام بضوابط القانون الدولي، إلى الولاء لمصالح الشعب الإسرائيلي بشكل محدّد”.
وحسب التقرير أيضاً، ففي ظل هذه الحكومة هذا التحول في المسؤولية تجاه المصالح المدنية الإسرائيلية سيجعل من الأسهل توسيع المستوطنات الإسرائيلية على حساب الحقوق الأساسية للسكان الخاضعين للاحتلال. والأهم من ذلك، فإن هذا التغيير يسمح أيضاً، أكثر من أي وقت مضى، بالتأثير السياسي على تعيين المستشارين القانونيين أنفسهم.
ويستذكر التقرير أنه في حزيران 2023، مررتْ الحكومة الإسرائيلية قراراً، والذي يعتبر تعديلاً على قرار الحكومة رقم 150 للعام 1996، والذي يتيح تخطّي الموافقة المطلوبة من مستويات حكومية على مراحل مختلفة تتعلّق بإجراءات التخطيط والموافقة على توسيع المستوطنات (بما في ذلك ترخيص البؤر الاستيطانية كأحياء للمستوطنات القائمة)، باستثناء المرحلة الأولى، حيث يتم تقديم الخطط إلى سلطات التخطيط للمراجعة. ووفقاً للقرار الجديد، بمجرد موافقة مسؤول حكومي على الترويج لخطة بناء في منطقة معينة، لا يلزم الحصول على موافقة أخرى من المستوى السياسي.
وقد تحول بتسلئيل سموتريتش بصفته الوزير الإضافي في وزارة الدفاع إلى صاحب السلطة الوحيدة للموافقة على المضي قدماً في إجراءات التخطيط. وقد حول القرار مشاركة الحكومة في إجراءات التخطيط في الضفة الغربية لتتماشى بما هو معمول به داخل إسرائيل. والواقع أن العملية أسهل في الأراضي المحتلة، حيث يتولى الآن وزير واحد السلطة. وسيجعل هذا التغيير العمليات أكثر سلاسة، ويتيح الموافقة بأثر رجعي على العديد من البؤر الاستيطانية غير المرخصة في الضفة الغربية، وهي خطوة هامة نحو التوسع الشامل للمستوطنات.
وبموجب التقرير، فقد شهد التوسع الاستيطاني تقدّماً كبيراً منذ تشكيل الحكومة، بما في ذلك:
تم تحديد 70 بؤرة استيطانية، والتي ستخضع إلى عملية موافقة بأثر رجعي. لقد تم تصنيف معظم البؤر تحت مسمى جديد- “قيد الموافقة”. إن الحصول على هذا التصنيف وحده يمنع أي إجراء تنفيذي لهدم البناء غير القانوني، ويسمح لهذه البؤر الاستيطانية بتلقّي تمويل حكومي مباشر والربط بالبنية التحتية.
يذكر أنه وفقاً لحركة السلام الآن فإنه منذ تشكيل الحكومة (في 29 كانون الأول 2022) تمت إقامة 44 بؤرة استيطانية جديدة. على الأقل، نصف هذه البؤر هي مستوطنات زراعية/ رعوية تشارك في الاستيلاء على الأراضي والطرد المنهجي للفلسطينيين من المنطقة.
كما تم الإعلان عن أكثر من 22,000 دونم كأراضي دولة، مقارنةً بـ 13,000 دونم تم الإعلان عنها بين عامي 2014. و يقع 2,600 دونم من أصل 22,000 بين مستوطنتي معاليه أدوميم وكيدار في المنطقة E1. وسيؤدي البناء في هذه المنطقة إلى تقسيم الضفة الغربية إلى قسمين، وهو ما يشكل عقبة استراتيجية أمام حل الدولتين.
ويقتبس التقرير بعض أقوال الوزير المستوطن الغيبي سموتريتش: “لدي مهمة واحدة فقط في الحياة.. منذ أن كنت طفلاً. لهذا السبب أسّستُ ريغافيم. لهذا السبب ذهبت إلى الكنيست والحكومة… مهمة حياتي هي إحباط قيام دولة فلسطينية”.
ويقول التقرير إن تغيير نظام السيطرة في منطقة “ج” والتوسّع الاستيطاني في الضفة إنما يسعى إلى تعزيز المأسسة الكاملة والدائمة للسيادة الإسرائيلية في المناطق المحتلة وإحباط إمكانية إقامة دولة فلسطينية في المستقبل. ويوضح أن ثمّة اتجاهاً مهماً يسعى إلى إبطال فكرة الدولة الفلسطينية يتمثّل في تآكل نموذج أوسلو، وحسب هذا النموذج، هناك فهم ضمني مشترك بين الفلسطينيين والإسرائيليين بأن غالبية الضفة الغربية سيتم تخصيصها لتكون في المستقبل تحت سيطرة الدولة الفلسطينية.
يشار إلى أنه بموجب شروط اتفاقات أوسلو لا يجوز لإسرائيل العمل في المنطقتين “أ” و”ب” إلا لأغراض أمنية، بينما تقع الشؤون المدنية تحت السيطرة الفلسطينية. في حين أن المنطقة “ج”، التي تشكّل 60% من الضفة الغربية والمخصصة في نهاية المطاف للدولة الفلسطينية المستقبلية، تقع تحت السيطرة الأمنية والمدنية الإسرائيلية. ومع ذلك، ولأكثر من عقد من الزمان، انخرط المستوطنون في حملة لإعادة لتأطير البناء الفلسطيني في المنطقة “ج” باعتباره محاولة فلسطينية للاستيلاء على المنطقة و”انتهاك السيادة الإسرائيلية على المنطقة “ج”. ويوضح التقرير أنه في الآونة الأخيرة، حولت حملة المستوطنين تركيزها إلى “الاستيلاء الفلسطيني المزعوم على المناطق المفتوحة”، مدعية أن هذه المناطق، بما في ذلك المنطقتان “أ” و”ب”، ينبغي أن تعامل على أنها أراض إسرائيلية. وكجزء من هذه الحملة، كان الوزير سموتريتش يحرّف بتعريف الأمن بموجب طريقة تسمح لإسرائيل بالعمل في المنطقتين “أ” و”ب”، ما يعزّز التواصل الاستيطاني الإسرائيلي ويفاقم التشرذم الفلسطيني، باعتبارهما مسألة تتعلّق بالأمن القومي الإسرائيلي.
ويحذر التقرير من أنه إذا نجح هذا التحريف، فقد يكون مبرراً مستقبلياً لعمليات الهدم وحظر البناء الفلسطيني في المنطقتين “أ” و”ب” تحت ستار الأمن.
ويقول إن أحد الأمثلة البارزة على الجهود المنهجية لطمس الخطوط الفاصلة بين المناطق “أ” و”ب” و”ج”، على النحو المحدد في اتفاقات أوسلو، حدث في حزيران 2024، عندما تولّت الحكومة الإسرائيلية سلطات إنفاذ القانون في “المحميات الطبيعية المتفق عليها” في المنطقة “ب”. وفي أعقاب هذا القرار، وقع القائد العسكري للضفة الغربية أوامر تمنح إسرائيل سلطة هدم منازل الفلسطينيين في “المحميات الطبيعية المتفق عليها”.