تقرير «هيومن رايتس ووتش» عن 7 أكتوبر: أسئلة عن أجوبة ناقصة

وائل الحجار
حجم الخط
0

لندن ـ «القدس العربي»: حدثان قانونيان هذا الأسبوع شكلا محطتين مهمتين للشعب الفلسطيني، على تفاوت أهميتهما.

الأول والأهم، هو الرأي القانوني لمحكمة العدل الدولية التي جرّمت الاحتلال الإسرائيلي، واعتبرت أنه لا يسقط بالتقادم، وجرّمت المستوطنات، ومساعي الضم الإسرائيلية، وأدانت نظام الفصل العنصري والتمييز في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأعادت التشديد على وحدة الأراضي الفلسطينية.
والحدث الآخر الذي سبق، هو التقرير الذي أصدرته إحدى أبرز المنظمات غير الحكومية الحقوقية في العالم، «هيومن رايتس ووتش» فيما يتعلق بهجمات 7 أكتوبر التي شنتها فصائل مقاومة فلسطينية مسلحة وفي مقدمتها «حماس» على غلاف غزة.
تابعت «القدس العربي» تقرير «هيومن رايتس ووتش» الذي أثار انتقادات من جانب فصائل فلسطينية، وكذلك عدّته بعض المنظمات الإسرائيلية أو الداعمة لإسرائيل غير مهم.
ولـ»هيومن رايتس ووتش» تاريخ طويل من التعرض للتنمر الإسرائيلي والتحريض، تحت دعوى الانحياز إلى رواية الفلسطينيين، لكن حتى هذا التقرير الذي تراه قوى أساسية في الشعب الفلسطيني منحازاً، لم ينج من التنمر الإسرائيلي.
وهذا ما يظهر في تصريحات جيرالد شتاينبرغ، رئيس معهد «NGO Monitor» وهو ـ حسب تعريف دافيد إسحاق في موقع «Jewish News Syndacte»هو «معهد بحثي مقره القدس يتبع المنظمات المناهضة لإسرائيل ووثّق لسنوات انحياز هيومن رايتس ووتش ضد إسرائيل».
ونقل الموقع ووسائل إعلام إسرائيلية عن شتاينبرغ قوله في تعليق على المنظمة: «هذا مثال واضح على التمثيلية الساخرة والتلاعب السياسي من قبل هيومن رايتس ووتش باستخدام واجهة حقوق الإنسان».
واتهم شتاينبرغ المنظمة الحقوقية العالمية باستغلال «مآسي الضحايا والرهائن لكسب بعض النقاط الرخيصة من خلال إظهار (توازن) زائف واضح مع المتبرعين الساذجين وأعضاء المجلس والداعمين».
ومن غير المستغرب أن يرفض الإسرائيليون هذا التقرير في سياق استهدافهم لمنظمة تحاول أن تكون متوازنة من حيث نقل معاناة الفلسطينيين وانتهاكات إسرائيل بحقهم، وهي معاناة لا يمكن لأيّ إنسان أن لا يراها.
مع ذلك، كان لتقرير «هيومن رايتس ووتش» وقع سيء في الجانب الفلسطيني، وفيما يخص فصائل المقاومة تحديدا.
فلماذا؟
طبعا بادرت حركة «حماس» إلى إصدار بيان اتهم التقرير بالانحياز ودعا إلى سحبه والاعتذار عنه، وكذلك فعلت «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» و»الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين» فيما لم يلق بالاً من «حركة الجهاد الإسلامي». وهذا ربما يجب أن يكون مدعاة تفكير للمدافعين عن حقوق الإنسان، والقانون الدولي الذي فشل فشلا ذريعا في فلسطين، بدل أن يكون محط إدانة مسبق فحسب.
لم تُسأل «الجهاد الإسلامي» عن سبب امتناعها عن الرد على أسئلة طرحتها «هيومن رايتس ووتش» في سياق تحقيقها الذي أفضى إلى صدور التقرير، ولم تفصح عن السبب، وربما يكون السبب أنه لا يوجد هامش مرن لدى الحركة في مقاربتها للقانون الدولي الذي يراه الكثير من «الأصوليين» أو «المتشددين» ـ بتعبيرات الغرب – سواء إسلاميين أو قوميين أو يساريين – قانون المستعمر الذي فرضه على الشعوب، والذي لا يسري عليه ولم يسر، لا في الجزائر، ولا في أفريقيا، ولا في أمريكا اللاتينية، ولا طبعا في العالمين العربي والإسلامي، وفلسطين حاضرة بقوة في ضمائر هذه الشعوب.
وتوجهت «القدس العربي» بأسئلتها إلى المعنيين، إلى «هيومن رايتس ووتش» وإلى بعض من الفصائل التي اتهم التقرير أذرعتها المسلحة بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وإلى خبيرة في المحاماة الدولية.
وبعض من أسئلة «القدس العربي» إلى «هيومن رايتس ووتش» ظلت إجاباتها معلّقة على الرغم من العموميات التي تضمنها.
وفي مقدمة هذه كله، سؤال الأرض المحتلة. فأي أرض محتلة تتحدث عنها «هيومن رايتس ووتش» أو لا تتحدث؟
وبلقيس والي، المديرة المشاركة في قسم الأزمات والنزاعات في المنظمة، أجابت على السؤال بخصوص حدود قطاع غزة وحدود دولة إسرائيل، بالإشارة بداية إلى أن قطاع غزة يعتبر محتلا رغم انسحاب إسرائيل منه عام 2005، ثم لتقول في مسألة الحدود: «عندما يتعلق الأمر بالحدود، نتبع الأمم المتحدة. نحن لا نقدم أي مطالبات جديدة في هذا التقرير أو في تقاريرنا الأخرى. نحن لا نتخذ موقفاً بشأن حدود إسرائيل أو حدود فلسطين»ـ قبيل أن تنتقل للحديث عن الضفة الغربية كمثال، مع أن الحديث عن غزة.
ولكن، هذا الجواب ربما يحتاج إلى سؤال آخر، تطرحه فصائل المقاومة، وهو الحدود. الحدود التي يقرّها القانون الدولي.. والذين أصدروا بيانات تناولت الحدود، تحدثوا فقط عن القانون الدولي.. لم يقولوا من «النهر إلى البحر».
وأسئلة أخرى: فلماذا لا تتخذ «هيومن رايتس ووتش» موقفا من الحدود؟ وأليس هذا مهما لتحديد طبيعة المجتمعات في كلي الجانبين؟ الفلسطيني والإسرائيلي؟ وأليس حكم القانون الدولي الوحيد اليوم في حدود إسرائيل ما ورد في قرار الأمم المتحدة الاعتراف بدولة إسرائيل، أي قرار قبول عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة من قبل الجمعية العامة رقم 273، المرتكز حرفيا على القرارين 181 الذي يحدد حدود إسرائيل، والقرار 194 الذي ينص على حق العودة، وبخريطة توضح ذلك؟
أو اتفاقيات الهدنة ـ وهي ليست حدودا ـ عام 1949؟ ولا حتى معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية التي تتحدث عن حدود فلسطين الانتدابية، وتقول صراحة في مادتها الثانية عن الحدود إن ذلك يحصل «من دون المساس بما يتعلق بوضع قطاع غزة»؟
أو اتفاقيات أوسلو التي تحدثت عن حدود عام 1967 كأساس للتفاوض، ولم ترق يوما إلى اتفاق سلام لأن إسرائيل انسحبت من المفاوضات منذ سنوات طويلة؟
أو في اعتبار مجلس الوزراء الفلسطيني في قراره رقم 270 عقب فك الارتباط الإسرائيلي مع غزة (أو ما سمي انسحابا) أن حدود القطاع هي حدود هدنة 1949 (كما معظم حدود 1967 الأخرى)؟
وإن سؤال «هيومن رايتس ووتش» عن تجاهلها هذا السياق، لا يرمي إلى تبرير استهداف المدنيين، لكنه يُتبع بسؤال عن تجاهلها التوصية للاحتلال بأمور أساسية..
وقد خلا بند «توصياتها للحكومة الإسرائيلية» الذي تضمنه التقرير، من توصية للاحتلال بالانسحاب. فلماذا يُغفل ذلك، طالما تقرّ المنظمة بأن غزة محتلة ـ ولا ترد توصيات مثلا بضرورة سلوك طريق التفاوض لحل الصراع والالتزام بالقانون الدولي، واحترام القانون الدولي في قضية الاحتلال، وبعدم تشجيع المدنيين من جانب الاحتلال على الاستيطان في أرض محتلة، لأن ما حدث في 7 أكتوبر ليس جريمة جنائية، ولا قبيلة هجمت على قبيلة، وهو من عمر الصراع كله، وحريّ بمن يطلب من الفلسطينيين التزام القانون الدولي، أن يطلب في التقرير نفسه، في باب التوصيات، الأمر نفسه من الإسرائيليين.
أما استهداف المدنيين – وهو ما لا تبرير له، خصوصا إذا كان هؤلاء من الضعفاء العاجزين ومن الأطفال، أو المسنين، أو النساء، أو أي مدني آخر مستضعف، وهذا ما حرص رد «حماس» إلى المنظمة قبل صدور التقرير على تأكيده النظري والإقرار بضرورة الالتزام بعدم المس بالدنيين، وحديثه عن «الأخطاء» المحتملة – فله بعد إضافي أيضاً.
ففصائل المقاومة أو بعضها، تدفع في أن القانون الدولي لم يعتبر أن هؤلاء المدنيين من المستوطنين يتمتعون بنفس الحماية القانونية التي يتمتع بها السكان الأصليون، بل يُنظر إليهم كمشاركين في عملية الاستيطان غير القانونية، وإن كان هذا لا يبرر تلقائيا استهدافهم، إلا من كان مقاتلا، فإن ذكر السياق مهم جدا عندما يُقارَب القانون الدولي.
وتدفع الفصائل أيضا، في ردودها كما حركة «حماس» بأخطاء عملياتية حدثت، فيما تنفيها «هيومن رايتس ووتش» بشدة، وتقول إن أدلتها متينة، وتستبعد بشكل كامل أن يكون ما حصل ـ ولو جزئيا ـ فوضى أو «اعتداءات أهلية» وتقول إن الصورة الكاملة كانت عبارة عن مذبحة مخطط لها بتفاصيلها الدقيقة منذ سنوات، ومن غرفة عمليات الفصائل المشتركة.
ومع ذلك، نسيت «هيومن رايتس ووتش» أن تبذل جهدا أكبر للاتصال بفصيلين سمتهما كراعيين لجناحيهما المسلحين، أي الجبهتان الشعبية والديمقراطية، لسؤالهما عن الاتهامات الموجهة إلى قواتهما المسلحة. وهو ما دفع بالفصيلين إلى اعتبار ما جرى نقصا سمته «الجبهة الشعبية» في مذكرتها التي أرسلتها لـ»القدس العربي» بـ»العوار القانوني».
كما تدفع الفصائل بحق المقاومة الذي لا تنكره «هيومن رايتس ووتش» ولكنها تشدد على أن ذلك يستثني استهداف المدنيين.
وبمعزل عن الوجهتين، فإن توصيات «هيومن رايتس ووتش» لا تجيب على الأسئلة المهمة والكثيرة للفصائل التي ترى أنها لا تجيب على أسئلة الشعب الفلسطيني نفسه، المضطهد والمشرد والذي لم يعدم وسيلة سياسية أو عسكرية خلال 76 عاما، ورفع منذ عقود لواء القانون الدولي.. الذي لا يطبق، ولا تطبقه حكومات كثيرة في العالم ترفع لواءه عادة، إذا تعلق الأمر بدم غير دمها.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية