لوس أنجليس – «القدس العربي»: بعد تحطيمها رقمًا قياسيًا وتخطيها حاجزَ ستةِ مليارات دولار العام الماضي، تراجعت إيرادات شباك التذاكر في دور العرض الأمريكية في النصف الأول من هذا العام بنسبة عشر في المئة، على عكس ما توقع الخبراء، لأن استوديوهات هوليوود استمرت في انتاج الأفلام نفسها، التي تدفقت الجماهير لمشاهدتها في دور العرض العام الماضي.
تلك كانت أفلام الأجزاء والإعادة، التي دفع نجاحها استوديوهات هوليوود الى إغراق دور العرض بها هذا العام. وذلك، حسب المعلقين، أسفر عن ملل الجمهور منها والابتعاد عها.
من ضمنها الجزء الرابع من سلسلة «من إن بلاك: «انترناشيونال» و«غودزيلا: ملكُ الوحوش»، والجزءُ الجديد من سلسلة «إكس من: دارك فينيكس»، والجزء الثاني من «الحياة السرية للحيوانات الأليفة»، إضافة إلى فيلمِ «ليغو»، الجزء الثاني، وفيلمِ الإعادة «هيلبوي»، وفيلمِ «شافت».
للوهلى الأولى، هذه الأفلام تبدو رابحة، لأن كل منها حصد أكثر من مئة مليون دولار في شباك التذاكر، الذي يغطي بسهولة تكاليف انتاجها. لكن إذا أخذنا بالحسبان أن دور العرض الأمريكية تأخذ ما يقارب 40 – 50 في المئة من الإيرادات ودور العرض الأجنبية تأخذ 80 -60 في المئة، وأضفنها تكاليف تسويق وتوزيع الفيلم، التي تصل الى ضعف ميزانية انتاجه، تتغير الصورة تماما.
على سبيل المثال، الجزء الرابع من سلسلة «مين إن بلاك» حصد مئتين وعشرين مليون دولار في شباك التذاكر حول العالم.
وبما أن ميزانية انتاجه كانت مئة مليون دولار، فقد يبدو رابحا. لكن إذا اخذنا في الحسبان أن ما يقارب 110 ملايين دولار تذهب لدور العرض، فضلا عن تكاليف تسويقه وتوزيعه وهي 100 مليون دولار، نكتشف أنه خسر نحو تسعين مليون دولار.
لكن من المفارقات أن أكثر الأفلام درا للأرباح كانت أيضا أفلام الأجزاء والإعادة. وعلى رأسها أفلام شركة «ديزني» وتحديدا أفلام مارفيل كوميكس.
فيلم «المنتقمون: نهاية اللعبة» تخطت إيراداته مليارين وسبعمئة مليون دولار عالميا، ليصبح ثاني أكثر الأفلام دخلا في التاريخ، بعد فيلم «آفاتار». وفيلم «كابتن مارفيل»، الذي حصد أكثر من مليار دولار عالميا. ويليهما فيلم الإعادة «علاء الدين» بثمانمئة مليون دولار، ثم الجزءُ الرابع من «توي ستوري» بستمئة مليون دولار.
«ديزني» تهيمن على شباك التذاكر
نجاح تلك الأفلام يشير الى أن شركة «ديزني» ما زالت تهيمن على دخل شباك التذاكر بنسبة أكثر من أربعين في المئة، وذلك لأنها تملكُ شركاتِ «مارفيل» و»بيسكار» و»لوكاس فيلمس»، وشركة «فوكس»، التي ابتلعتها مؤخرا.
وفي حديث مع مدير شركة مارفيل، كيفين فايغي، أكّد أن سر نجاح أفلامه هو تركيزه على تطوير شخصياتها وتسليط الضوء عليها بدلا من الممثلين الذين يجسدونها، مما يساهم في تماهي الجماهير معها والارتباط بها عاطفيا.
فعلا، فبعد إطلاق إثنين وعشرين جزءا منها، ما زالت أفلام مارفيل تثير إعجاب النقاد وتجذب جماهير عريضة من كل أنحاء العالم. أما أفلام الأجزاء غير المربحة فكانت قصصها مبتذلة وشخصياتها مملة وواجهت انتقادات لاذعة من قبل النقاد. لكن هل تتحكم جودة الأفلام وحدها في جذب الجماهير إلى دور السينما؟
فيلم «ليت نايت» كان أكثرَ الأفلام نجاحا نقديا وتجاريا في مهرجان «صندانس» السينمائي الأخير، وقد اشترته شركة «أمازون» بمبلغ قياسي قدره ثلاثة عشر مليون دولار، لكنه تدهور في شباك التذاكر. كما فشل فيلم النجمة الهوليودية أوليفيا وايلد «بوكسمارت» في جذب جماهير السينما، رغم تقييم النقاد له بمعدل ثمانية وتسعين في المئة على موقع راتين توميتوز.
مثلُ هذه الأفلام الكوميديةِ كانت في الماضي مصدرَ دخلٍ مهم لاستديوهات هوليوود في شباك التذاكر، لكن في الأعوام الأخيرة تراجعت أرباحها لأن مصدر إيراداتها كان في الولايات المتحدة، حيث تجد صدى عند الجماهير هناك، وليس في الأسواق العالمية، التي لا تتفاعل مع الكوميديا الأمريكية. وبما أن دخل شباك التذاكر العالمية بات أكثر من ثلثي دخل الأستوديوهات، هبطت نسبة إيرادات الكوميديات هبوطا حادا، بينما ارتفعت نسبة إيرادات أفلام المؤثرات الخاصة وأبطال القوى الخارقة من 10 في المئة في بداية تسعينيات القرن الماضي الى سبعين في المئة هذا العام، وذلك بفضل جاذبيتها العالمية، فضلا عن أن «مارفيل» مزجت أفلامها بكوميديا تجد صدى عن كل الجنسيات والحضارات.
منصة البث الإلكتروني «نيتفلكس»
لكن يبدو أن أفلام الدراما الكوميدية وجدت ضالتها في منصة البث الإلكتروني «نيتفلكس». من أبرزها هذا العام فيلمُ «ميردير ميستري» للنجمين الهوليووديين أنيستون وأدم ساندلار، و«واين كونرتري» من إخراج نجمة الكوميديا «آمي بولار».
وقد كشفت «نيفتلكس» أن أكثر من ثلاثين مليون بيت شاهدوا فيلم «ميردير ميستري» خلال أول يومين من طرحه على منصتها. وهذا يشير إلى أن المنصات الإلكترونية مناسبة أكثر لطرح مثل هذه الأفلام.
وفي حديث مع بولر، قالت إنها تفضل أن يطرح فيلمها في دور العرض على الشاشة الكبيرة، لكن الأهم هو أن يشاهد الناس فيلمها. ويبدو أنه سوف يجذب جهورا أكبر على منصة «نيتفلكس» من دور العرض.
«أنا أم لأطفال. لهذا لا يمكنني الخروج الى السينما لمشاهدة أفلام هناك بسهولة. لكن بامكاني أن أشاهد فيلما على منصة «نيتفلكس» متى شئت. والحقيقة هي أن الناس لا يكترثون بمنصة طرح الفيلم، بل يريدون أن تكون قصته متينة وشخصياته مثيرة».
بلا شك أن ظاهرة «نيتفلكس» حالت دون خروج الناس الى دور السينما. وبما أن «نيتفلكس» لا تعرض أفلامها في دور السينما، لا تعتمد على دخل شباك التذاكر، مثل استوديوهات هوليوود، بل فقط على دخل رسوم اشتراك المستخدمين الشهرية، التي تتراوح بين سبعة الى ثلاثة عشر دولارا شهريا. وقد وصل عدد مشتركيها هذا العام الى ما يقارب مئة وخمسين مليونا، ويُتوقع أن يصل دخلها نصف هذا العام ما يقارب سبعة مليار دولار.
فضلا عن أفلام «نيتفلكس»، باتت المسلسلات التلفزيونية على غرار «لعبة العروش» و«أكاذيب كبيرة صغيرة»، و«أشياء غريبة»، التي لا تقل جودتها فنيًا ومضمونًا وتقنيًا عن أفلام السينما، باتت وسيلة الترفيه الأفضل والأرخص للجماهير، والأكثر جذبا لأبرز نجوم هوليوود للمشاركة في صنعها، مثل نيكول كيدمان، ريس ويثيرسبون وميريل ستريب في «أكاذيب كبيرة صغيرة»، وجوليا روبرتس في «هومكومينغ». لهذا الناس ليسوا بحاجة للذهاب الى دور العرض لمشاهدة نجومهم المفضلين، بل بامكانهم أن يشاهدونهم في صالات بيوتهم وقت ما شاءوا.
وفي لقاء مع جورج كلوني، الذي شارك مؤخرا في إخراج وبطولة المسلسل التلفزيوني «كاتش 22». قال إن التلفزيون بات أفضل من الأفلام السينمائية لطرح قصص مركبة من عدة شخصيات.
«عندما تطرح عدة شخصيات لا يمكنك أن تطورها في فيلم طوله ساعة ونصف. لكن يمكنك أن تفعل ذلك بسهولة في ست حلقات من مسلسل تلفزيوني، طول كل منها نصف ساعة»، يقول كلوني.
هذه ليست المرة الأولى التي تواجه هوليوود مثل هذه الأزمة. لكنها كانت دائما تحوّل تلك الأزمات إلى فرص لتعزيز أرباحها.
ظهور جهاز التلفزيون في بداية خمسينيات القرن الماضي كان أخطر تهديد على كيان هوليوود، لأن الناس توقفت عن الذهاب الى دور العرض وبقيت في بيوتها لمشاهدة برامج التلفزيون المسلية، بدون شراء تذاكر. لكن سرعان ما حولته الاستوديوهات الى مصدر دخل رئيسي لها من خلال ترخيص أفلامها لشبكات التلفزيون.
مصدر دخل مهم
كما واجهت أزمة الفيديو في الثمانينيات والتسعينيات، وجعلته هو الآخر مصدر دخل مهم لها. إذ بلغت إيرادات استوديوهات هوليوود من مبيعات الفيديو في عام 2005 ما يقارب واحدا وعشرين مليار دولار. ومن رخص التلفزيون ما يقارب ثمانية عشر مليار دولار، بينما كان دخل شباك التذاكر العالمي ما يقارب سبعة ونصف مليار دولار، وهي النسبة الأدنى من الدخل الإجمالي للاستديوهات في هذا العام.
حتى عندما حققت أفلام شركة «فوكس» عام 2014 أعلى دخل في شباك التذاكر، قدره مليار ونصف المليار، كان ذلك الدخل جزءا صغيرا من دخلها الإجمالي.
كذلك فإن أرباح شباك التذاكر هي الأدنى أيضًا، إذ يذهب ما يقارب سبعين في المئة من إيراداتها لتغطية تكاليف عرض الفيلم، مقارنة بتكاليف اقراص «دي في دي»، وهي خمسة عشر في المئة ورخص التلفزيون، التي لا تكلف شيئا.
تجدر الإشارة كذلك إلى أن معظم شبكات التلفزيون، التي تبث المسلسلات التلفزيونية الناجحة، مملوكة لاستوديوهات هوليوود. فمثلاً «وورنر بروس» تمتلك «أتش بي أو»، التي تبث «لعبة العروش» و»أكاذيب كبيرة صغيرة».
كما تستعد «ديزني» و»ورنرز بروس» و»يونيفيرسال» هذه الأيام لإطلاق منصاتها الإلكترونية، لتطرح آلاف الأفلام والمسلسلات التلفزيونية، التي أنتجتها عبر السنين، والأفلام الجديدة بعد عرضها في دور السينما، مما قد يقلب الأمور على «نيتفلكس» ويضعها في أزمة وجودية، وذلك لأن الاستوديوهات بدأت بسحب أفلامها وبرامجها التلفزيونية من منصتها، مما قد يضطرها الى إنتاج أفلام وبرامج لارضاء مشتركيها.
إذا الخاسر الأكبر هذا العام هو شبكات دور العرض، التي شاهدت مؤخرا هبوطا حادا لأسهمها في البورصات العالمية، وليس استوديوهات هوليوود، التي تستعيد خسائر شباك التذاكر في مبيعات الفيديو وعروض التلفزيون، وقريبا على المنصات الإلكترونية.