تقييـم البني آدم بالمقلوب!

حجم الخط
0

قال محمود ساخراً: رغم أن كلمة نعل لم تذكر في كتاب الله سوى مرة واحدة فقط، فإن البشر في كافة أنحاء العالم يقيمون الإنسان بالجزمة، فهي مقياس النجاح ومقياس سلامة العقل رغم أن القدم التي تنتعلها هي أبعد الأعضاء من الرأس! أي شخص يقابلك يحدق أولاً إلى حذاءك، فإذا كان فخماً، جديداً ولامعاً فأنت إنسان ناجح وسليم العقل، وإذا كان قديماً وبالياً فأنت فاشل، أما إذا كنت حافي القدمين فأنت مجنون بالتأكيد!
عقب خليل:، نعم، الإنسان هو المخلوق الوحيد الذي ينتعل الحذاء، يتفنن في صنعه وينفق الكثير لشراءه، ويبدو أن وظيفة الحذاء قد تحولت من مجرد حماية القدمين إلى تقييم الدماغ البشري الذي اخترع الحذاء نفسه، ولعل أكبر المفارقات السياسية أن العسكر الذين يرتدون البوت قد اخترعوا للحذاء وظيفة قمعية جديدة في الدول الدكتاتورية وهي الدوس على رقاب المدنيين الثائرين بعد تعرية أقدامهم من الأحذية المدنية الرقيقة الشكل مقارنة بالبوت العسكري الطويل الرقبة، الغليظ الشكل والاسود اللون، أما أكبر المفارقات الاجتماعية فهي أن النساء يرتدين ما يسمى بالكعب العالي المرتفع جداً عن الأرض لأغراض إبراز المفاتن الانثوية لكنه قد يستخدم لضرب رؤوس الرجال إذا لزم الأمر!
قال محمود: ذات مرة قصدت أحد الفنادق، حجزت سريراً في غرفة تتسع لنزيلين، حشرت حقيبتي في أحد دولابي الغرفة، خلعت حذائي، ثم ارتميت على أحد السريرين، بعد برهة دلف إلى الغرفة رجل أنيق ينتعل حذاءاً راقياً، عندها همست لنفسي: يبدو أن شريكي في الغرفة شخصية مرموقة للغاية! عرفني الرجل بنفسه حيث ذكر أنه رجل أعمال، دردشت معه للحظات ثم رحت في سبات عميق، عندما استيقظت لم أجد حذائي ولا حقيبتي، أدركت بعد فوات الأوان أن رجل الأعمال المزعوم لم يكن سوى لص ماكر ضللني بحذائه اللامع ثم سرقني في وضح النهار! شعرت بغضب شديد، فكيف أمشي حافياً إلى السوق لأشتري حذاءاً جديداً؟! بدأت السير نحو السوق بخطوات مرتبكة! فجأة وجدت نفسي في شارع مكتظ بطالبات إحدى المدارس، أخذت نظرات الفتيات تتجه تلقائياً إلى أقدامي العارية ثم تنتقل إلى وجهي، كانت العيون تلمع باستنتاج سريع وحاسم (هذا الشاب مجنون) ومن ثم كانت الخطوات الرشيقة تبتعد عني بسرعة فائقة إلى مسافات آمنة! أخذ الحرج يزداد، قمت بمحاولات فاشلة لإخفاء قدميّ العاريتين من المارة الذين لم يكفوا قطّ عن ممارسة أقدم هواية بشرية وهي التحديق في الأقدام ثم اصدار الاحكام الحاسمة! أخيـراً، لمحت أحد محلات بيع الأحذية فاندفعت إليه بسرعة البرق، ففي تلك اللحظة، أصبح العثور على حذاء، أي حذاء، مسألة حياة أو موت! ما أن وقفت في مدخل المحل وطلبت شراء حذاء حتى حدق صاحب المحل في قدمي العاريتين ثم خرج بالإستنتاج إياه! عندها أنفجرت صائحاً: لماذا تحــدق في قدميّ هكذا ؟! أنا مجنون وأريد أن أسترد عقلي بشراء أي حذاء حتى لو كان أكبر من مقاسي بعشرة درجات كاملة! تيقن الرجل من جنوني المطبق ثم سحب حذاءاً قبيحاً ومده لي وهو يقول: جرب هذا! تنفست الصعداء، حينما اختفت قدماي داخل ذلك الحذاء، سألت الرجل قائلاً: كم ثمن هذا الحذاء القبيح؟! رد الرجل بنبرة مرتعدة: يا سيدي لا أحد يريد نقودك، خذه لوجه الله ثم غـادرنا بأقصى سرعة لو سمحت!
فيصل الدابي/المحامي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية