مع اقتراب موعد الانتخابات الأمريكية، تسابق المسؤولون والمعلقون بالحديث عن أهمية الصوت المسلم والعربي وخاصة في ولايات متأرجحة مثل ميشيغان التي يوجد فيها أكبر تجمع عربي في الولايات المتحدة، وهو تجمع غاضب بسبب دعم إدارة جو بايدن المستمر للحرب الإبادية في غزة. واللافت أن بعض المسلمين والعرب الذين دعموا بايدن في حملته الانتخابية عام 2020 ابتعدوا هذه المرة عن المرشحة الديمقراطية. وقد أعلنوا عن مواقفهم منذ وقت طويل وعندما كان المرشح الديمقراطي هو بايدن، قبل أن يجبره قادة الحزب على التنحي وفتح المجال أمام نائبته كامالا هاريس التي رحب العرب والمسلمون بداية في ترشيحها على أمل أن تغير من موقفها وتبعد نفسها عن بايدن الذي ظل متمسكا بصهيونيته حتى النهاية ولا يزال يرسل الأسلحة والعتاد لدعم إسرائيل في الحروب التي فتحتها في غزة ولبنان والضفة الغربية وإيران وسوريا والعراق واليمن، وبدون أن يكون لديها أي خطة خروج، سوى القضاء على أعدائها في المنطقة وإعادة بناء نظام جديد يخدم المصلحة التي يريدها نتنياهو والمتطرفون من حكومته والمصالح الأمريكية.
الطريق الثالث
خيبت هاريس توقعات المسلمين والعرب الأمريكيين عندما قدمت تصريحات غامضة داعمة لوقف إطلاق النار وفي الوقت نفسه ظلت ملتزمة بتقديم كل الدعم الذي تريده إسرائيل بما في ذلك الأسلحة التي لم تتوقف. وهو ما قاد الكثير من الناخبين العرب والمسلمين لإعادة النظر في دعمهم للديمقراطيين والبحث عن مرشح ثالث للتصويت له، وهذا ما يبدو أنه سيحدث، فحظوظ مرشحة حزب الخضر جيل ستاين متقاربة في بعض الأحيان مع هاريس بين المسلمين والعرب في أمريكا الذي يقول عدد منهم إنهم رغم خيبتهم، سيصوتون لهاريس لأن الخيار الآخر أسوا. وهناك فئة تخطط ان تظل في بيوتها وتمتنع عن التصويت وفئة صغيرة قررت دعم ترامب، حيث ظهر عدد من قادة العرب والمسلمين في تجمع انتخابي لترامب ووصفهم بالناس الطيبين وقال أحدهم إنهم قرروا دعم ترامب لأنه سيجلب السلام، حسب الإمام بلال الزهيري الذي تمت مشاركة كلمته بشكل واسع على منصات التواصل الاجتماعي.
ترامب يتملق
مع أن المراقب لمواقف ترامب يعرف أنه قضى سنين في شيطنة المسلمين والعرب، والجميع يتذكرون قانون «حظر المسلمين» الذي منع فيه مسلمي سبع دول إسلامية من دخول الولايات المتحدة. وفي الحرب الحالية أصدر عددا من التصريحات والإشارات المتناقضة والغامضة بشأن وقف الحرب ولكنه التزم بدعم إسرائيل وتصالح في تموز/يوليو مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والذي زاره في مقر إقامته بمار-إي- لاغو، مع أن ترامب لامه في مقابلة مع مجلة «تايم» وحمله مسؤولية الفشل الأمني في 7 تشرين الأول/أكتوبر. ومع ذلك يرى بعض المسلمين أو من يشاركون في حملته من العرب أنه «تغير» وهذا كاف، كما قال أحدهم في مقابلة مع صحيفة «نيويورك تايمز» (30/10/2024) إنه صوت للديمقراطيين من هيلاري كلينتون إلى بايدن ويريد الآن أن يغير لترامب على أمل حدوث شيء.
وقالت الصحيفة إن ترامب يحاول الضغط على مجموعة من المسلمين والعرب لمنح أصواتهم له، متجاهلا سنوات من الإسلاموفوبيا والشتائم والإهانات التي وجهها لهم إلى جانب تجريدهم من إنسانيتهم. ونسي أنه في الشهر الماضي كان يعد جمهوره بأنه سيعيد قرار حظر المسلمين. وزعم في الصيف، كاذبا أن هاريس تريد «إرسال الآلاف من المتعاطفين مع الجهاد إلى ولاية مينسوتا» وأن الحزب الديمقراطي يريد تحويل «وسط الغرب الأمريكي إلى الشرق الأوسط». ويشعر ترامب مثل الديمقراطيين بضرورة الحصول على أصوات المسلمين والعرب لأن النسب متقاربة مع منافسته في استطلاعات الرأي وخاصة في المناطق المتأرجحة، ولهذا فأنه يرى أهمية التملق للمسلمين الذي صدق بعضهم «وعوده».
مع أن التخويف من المسلمين هو حجر أساس في هوية ترامب ويعود إلى حملته للرئاسة عام 2016. وفي تجمع انتخابي حاشد يوم السبت الماضي بميشيغان، وهي ولاية حاسمة ذات عدد كبير من السكان العرب والمسلمين، أخبر الحشد أنه التقى بمجموعة من زعماء المجتمع في وقت سابق من اليوم. وسأل: «هل تعلمون ماذا يريدون؟ إنهم يريدون السلام. إنهم أناس عظماء». وقد أيده عدد من رؤساء بلديات مثل ديربورن هايتس، وهي ضاحية عربية كثيفة بجوار ديربورن، وهامترماك، وهي جيب في ديترويت يديرها بالكامل مجلس بلدي مكون من المسلمين. وبدا ترامب مهاجما حيث دعا المسلمين والعرب لعدم التصويت لهاريس لأن لديها مرشحين كارهين للعرب والمسلمين.
ولا غرو فالخطاب المتودد للمسلمين من ترامب ما هو إلا حسابات سياسية. وسيفوز أو يخسر بناء على مجموعة من أصوات المسلمين والعرب الأمريكيين الذين زعم في الماضي أنهم لم يندمجوا بشكل كامل في المجتمع الأمريكي وثقافته.
قضايا أخرى
ورأت مجلة «إيكونوميست» (28/10/2024) أن الحرب في غزة ولبنان ليست هي السبب التي تدفع المسلمين والعرب الأمريكيين للتخلي عن الديمقراطيين. مضيفة أن هناك قضايا محلية تجمع بعض المسؤولين العرب مع مواقف الجمهوريين المحافظين تدفعهم لدعم ترامب. إلا أن زعماء ورموزا عربية حذرت من الوقوع في شرك ترامب.
وكما قال جيمس زغبي، مؤسس المعهد العربي – الأمريكي الذي تحدث في اجتماع عقد في 27 أيلول/سبتمبر بغرفة التجارة العربية بمدينة ديربورن، ميشيغان: «سمعت أناسا في مجتمعي يتحدثون عن معاقبة الديمقراطيين بسبب هذه الحرب» مضيفا «لن يعاقبوا الديمقراطيين بل سيعاقبون المهاجرين والناس الأبرياء» وأنهى كلامه بمناشدة «لا تعاقبوا البلد، العالم وأطفالكم وأحفادكم فقط لأنكم تشعرون بالغضب».
وتنبع أهمية التكالب الجمهوري والديمقراطي على ولاية ميشيغان من وجود 310.000 عربي ومسلم فيها. ومع ذلك لا تتجاوز نسبة تقدم هاريس فيها عن 0.4 في المئة. ورغم حاجة الديمقراطيين للصوت العربي والمسلم في هذه الولاية إلا أنهم لم يأخذوا بالاعتبار حساسية الموقف وأهمية تقديم تطمينات للناخبين المسلمين وخاصة في غزة والإبادة فيها، بل تميز خطابهم بالفوقية، تماما مثل رفضهم أثناء انعقاد المؤتمر الوطني للحزب في ميشيغان في آب/أغسطس، منح صوت فلسطيني أو مسلم للتحدث على المنصة أمام الوفود المشاركة.
ولأن الديمقراطيين يفترضون أن الناخب الأمريكي الحريص على الديمقراطية لا خيار أمامه إلا انتخاب هاريس، فهم يتجاهلون الكثير من القضايا التي تؤثر على المجتمعات العربية، سواء الحرب في غزة أو استخدام أموال دافع الضريبة لدعم إبادة جماعية تجري منذ عام وعلى الهواء مباشرة.
كلينتون الجاهل
وكانت كلمة الرئيس السابق بيل كلينتون، مثالا واضحا عن الجهل والغطرسة في الوقت نفسه. ففي خطاب ألقاه هذا الأسبوع، قال فيه: «أصعب قضية هنا في ميشيغان هي الشرق الأوسط. أفهم لماذا يعتقد الشباب الفلسطينيون والأمريكيون العرب في ميشيغان أن الكثير من الناس ماتوا» ثم مضى في وصف سكان الكيبوتسات القريبة من غزة بأنهم أطيب الناس وكانوا يريدون حل الدولتين ولكن حماس «ذبحتهم».
ولكن الأكثر استفزازا في كلام كلينتون هو قوله إن حماس تجبر إسرائيل على قتل المدنيين: «ستقول، حسنا، يجب أن تعذرني، أنا لا أحسب بهذه الطريقة. الأمر لا يتعلق بعدد الأشخاص الذين اضطررنا إلى قتلهم، لأن حماس تتأكد من حماية نفسها بالمدنيين، وسوف تجبرك على قتل المدنيين إذا كنت تريد الدفاع عن نفسك».
وتجاهل كلينتون كل الدمار الذي أحدثته إسرائيل في غزة، وخاصة شمالها، حيث وصف مسؤولو الأمم المتحدة بأن الوضع هناك أشبه بالقيامة وأن الناس سيموتون في أية لحظة.
وحسب موقع «ميدل إيست آي»(31/10/2024) فقد انتقد الصحافي الأمريكي مهدي حسن ما قاله كلينتون، وقال إن الديمقراطيين خسروا ميشيغان ويستحقون هذه الخسارة. وعلقت مشاركة على منصات التواصل الاجتماعي أن كلينتون «صريح للغاية في دعمه لإبادة الفلسطينيين» معتبرة أن الحزب الديمقراطي «حزب أحمق مليء بأشخاص أغبياء يضعون أحذيتهم على أعناقنا ويسمون ذلك خلاصا».
عدم التصويت لهاريس خطأ
والغريب أن هناك معلقين تبنوا الموقف القائل إن هاريس تظل أفضل الشرين، ولمنع ترامب من تدمير الديمقراطية يجب انتخابها، بل وانتقد معلق عربي في مجلة «ذي أتلانتك» موقف العرب المسلمين ورأى أنهم يضرون بأنفسهم. وكتب روبن أبكريان في صحيفة «لوس أنجليس تايمز» (30/10/2024) مجادلا أن الذين يعاقبون هاريس بسبب غزة مخطئون. وقال إن الذين يصوتون لصالح ستاين أو الأسوأ لصالح ترامب لمعاقبة الديمقراطيين مثل من يقوم بجدع أنفه لتشويه وجهه، أو هكذا قالت له أمه.
ونقل عن وائل الزيات وهو مسؤول سابق عمل في الخارجية الأمريكية، ويدير منظمة اسمها «إيمغيج» دعمت هاريس إن هناك غضبا وخيبة أمل من الديمقراطيين وهاريس، ويعرف المسلمون في قلوبهم منطق الانتخابات ومخاطر التصويت لترامب لكن هناك غضبا عارما على بايدن واستمرار ضخه للمال والسلاح إلى بنيامين نتنياهو لقتل وإبادة الفلسطينيين، ولهذا يتساءلون: فلماذا لا نعاقبهم؟
ومع أن الدعم العربي والمسلم متقارب للمرشحين في بعض الاستطلاعات إلا أن الدعم لهاريس تراجع وبنسبة 12 في المئة مقارنة مع 15 و 18 في المئة لترامب وهي نفس النسبة التي صوتت له عام 2020. وفي المقابل قالت نسبة 30 و 40 في المئة إنها ستصوت لمرشح ثالث، أي ستاين.
يعرفون ترامب
يعرف المسلمون الأمريكيون تاريخ ترامب وفاشيته، لكنهم تركوا في العراء. وبعد أن التقى بهم في ميشيغان سافر إلى نيويورك وعقد تجمعه في ماديسون سكوير غاردنز واستمع لوصف سكان بورتوريكو بالقمامة.
وتحدث ردويو جولياني، عمدة نيويورك السابق قائلا إن الفلسطينيين «يريدون قتلنا وحتى الطفل البالغ عامين، ولن يسمحوا لفلسطيني بالدخول إلى الأردن. ولن يسمحوا لفلسطيني بدخول مصر وتريد هاريس أن تجلبهم إلينا».
بالتأكيد يعرف المسلمون شخصية ترامب وهم واعون لما قاله لنتنياهو «افعل ما تريد» ولهذا السبب يدعم نتنياهو ترامب ويأمل بفوزه كبقية الإسرائيليين، مع أن رئيس الوزراء الإسرائيلي قد يندم على دعمه حسب ديفيد رزنبرغ بمجلة «فورين بوليسي» (31/10/2024) الذي ذكر نتنياهو بأن ترامب لا يوثق به، وأن الحرب في غزة غيرت من طبيعة التحالف الأمريكي-الإسرائيلي، وبهذا ستكون السنوات المقبلة صعبة على إسرائيل التي تعتمد على أمريكا في الدعم العسكري. وحسب دراسة لجامعة براون فقد أنفقت الولايات المتحدة حتى 30 أيلول/سبتمبر 2024 مبلغ 22.7 مليار دولار على الدعم العسكري بالإضافة لإرسال قوات عسكرية لتشغيل النظام الصاروخي، هذا بالإضافة لفرق التفتيش الخاصة لمساعدة إسرائيل على استهداف قادة حماس في غزة. وترامب الذي يطرح فكرة ماغا أو أمريكا العظيمة الجديدة لا يحب أن يدفع المال للآخرين.
يعرف الجميع أن ترامب خطر ليس على أمريكا فقط بل والعالم، لكن بايدن لم يعمل الكثير على تصحيح مسار البلاد ومحو آثار ترامب، أسوة بما فعل الأخير الذي حاول محو تراث باراك أوباما بدءا من النظام الصحي وانتهاء بالخروج من الاتفاقية النووية مع إيران عام 2015. بل وأبقى بايدن على كل القرارات التي اتخذها من نقل السفارة الأمريكية إلى القدس واعترافه بسيادة إسرائيل على الجولان وتجاهله الفلسطينيين وغير ذلك. وكل ما قدمته الإدارة في هذا السياق متابعة لسياسات ترامب، مزيدا من العقوبات على إيران ومحاولات جديدة في التطبيع مع الدول العربية، وهذه المرة بين السعودية وإسرائيل. فكيف يريد الناخب العربي أو الأمريكي الرافض للجمهوريين تصديق من يقول إن منع ترامب من الوصول إلى السلطة مهم، وبعد ذلك نعمل على تصحيح المسار.
وهذا هو بالضبط ما ورد بمقال للسناتور عن ولاية فيرمونت نشرته صحيفة «الغارديان» (30/10/2024) وتساءل فيه: «كيف أصوت لهاريس إذا كانت تدعم حرب إسرائيل؟ هذه إجابتي» وقال: «أفهم أن هناك الملايين من الأمريكيين الذين لا يتفقون مع جو بايدن وكامالا هاريس من الحرب الرهيبة في غزة، وأنا واحد منهم» ومضى مؤكدا أن إسرائيل لها الحق بالدفاع عن نفسها ضد هجوم حماس لكن ليس لها الحق في قتل أكثر من 42.000 فلسطيني وجرح 100.000 آخرين. وليس لها الحق بتدمير كل جامعات غزة الـ12 ولا منع دخول المساعدات الإنسانية وغير ذلك من الفظائع التي ارتكبتها. ولهذا السبب يقوم ساندرز بعمل جهده لمنع تصدير السلاح إلى حكومة اليمين المتطرف التي يتزعمها نتنياهو. ومبرر ساندرز في التصويت لهاريس نابع كما أشرنا إلى خطورة ترامب والذي عبر عن إعجابه بما يقوم نتنياهو بعمله في غزة. وما اقترحه من تحويل القطاع إلى مشروع إسكاني مربح على البحر. ووعد ساندرز قائلا: «أعدكم لو فازت هاريس فاننا سنعمل معا لتغيير السياسة الخارجية الأمريكية تجاه نتنياهو، بما في ذلك وقف فوري لإطلاق النار وعودة الأسرى كلهم وتدفق للدعم الإنساني ووقف هجمات المستوطنين في الضفة الغربية وإعادة بناء غزة للشعب الفلسطيني» مضيفا أن هناك فرصة أحسن لتغيير السياسة الخارجية مع هاريس أكثر من ترامب.
وهي نفس النبرة التي رأيناها في مقال للمعلق بصحيفة «نيويورك تايمز»(30/10/2024) نيكولاس كريستوف جاء بعنوان «لا تسمح للطهارة الليبرالية بأن تعيد انتخاب ترامب». وقال كريستوف إن الأمريكيين العرب يشعرون بأنهم «يدفعون تكاليف» دعم بايدن لإسرائيل في حروبها في غزة ولبنان، حيث «تستخدم ضرائبهم لشراء أسلحة قد تسهم في مقتل أقاربهم». وأظهرت استطلاعات الرأي انخفاض دعم الأمريكيين العرب لهاريس. ولكن الكاتب يحذر وبالرغم من هذا الغضب من العواقب المحتملة لدعم ترامب أو عدم التصويت على الإطلاق، حيث قد يؤدي ذلك إلى تفاقم المعاناة في مناطق النزاع.
وذكر الكاتب بمواقف ترامب التي تجاهل فيها القضية الفلسطينية فترة رئاسته. ويقول إن من ينتقد هاريس عليه التفريق بين الخيارين أمام الناخب الأمريكي: «فبينما يتحدث البعض عن مشكلات أخلاقية في حملة هاريس، فإن ترامب لديه سجل حافل بالفضائح، بما في ذلك محاولته الغاء الانتخابات وعلاقاته المثيرة للجدل».
وعليه فلا بد وأن يفكر الناخب بجدية في عواقب تصويته و«لا يمكن تجاهل الأثر السلبي المحتمل لو عادت السياسات القاسية التي يمثلها ترامب» مضيفا أن «التصويت لا ينبغي أن يكون تعبيرا عن الغضب فحسب، بل وسيلة للتغيير الفعلي».
يمين أو يسار لا فرق
وفي هذا الخطاب الذي يمنح الناخب خيارا بين أمرين أحلاهما مر، هناك اجتزاء للحقائق وتجاهل للواقع الأمريكي المنقسم على أمره والخلافات بين الأمريكيين حول جوهر المشروع الأمريكي الديمقراطي. ولن يحل هذا الأمر حسب المعلق شادي حميد في صحيفة «واشنطن بوست» (31/10/2024) لا انتخاب ترامب أو هاريس، بل الاعتراف بالخلاف وأن أمريكا الماضي، لن تعود. وحتى لو كان هذا الماضي موجودا فلا يمكننا العودة إلى الوراء لأن القوى الدافعة للاستقطاب لا رجعة فيها ولأنها نابعة من تغييرات بنيوية عميقة في التركيبة التعليمية والدينية للبلاد، كما يقول. وفي النهاية فلا فرق بين أي من الحزبين، كما يقول الأكاديمي جوزيف مسعد من جامعة كولومبيا في مقال نشره موقع «ميدل إيست آي» (29/10/2024)، ويتبنى كل من الحزبين الرئيسين في الولايات المتحدة سياسات إمبريالية على المستوى العالمي، بينما ينحصر الخلاف بينهما في القضايا الداخلية. من هنا، يظهر خيار التصويت لصالح «الشر الأقل» وكأنه استراتيجية مبررة، حيث يتم الدفاع عن هذا الخيار كخير مطلق بغية التغلب على «الشر الأكبر». ويقول إن هذا المنطق يغض الطرف عن مصير مليارات البشر حول العالم الذين تخضعهم الولايات المتحدة لهيمنتها وتقمعهم بشكل مباشر أو غير مباشر، مقابل تحقيق بعض الإصلاحات الداخلية التي تمس فقط شريحة من الطبقة الوسطى في أمريكا، والتي تعتبر إلى جانب الأثرياء المستفيد الأول من سياسات الإمبريالية التي تفرضها الولايات المتحدة عبر القمع والاستغلال على شعوب العالم الأخرى.
ويقول إن ما يجمع الناخبين الليبراليين واليساريين في الولايات المتحدة مع نظرائهم من اليمين في انتخابات هذا العام، هو نفس ما وحدهم دائما: «أمريكا أولا، ومن بعدنا الطوفان».