تكتيك الأعصاب المشدودة بين الأردن و «الدولة»: إخفاق استراتيجية «إقلاق» عمان

عمان ـ «القدس العربي» قد تأتي النتائج عكسية تماما على مستوى الرأي العام الأردني إذا كان «تنظيم الدولة الإسلامية» يخطط من وراء مناوراته الغريبة في مسألة الأسير الطيار معاذ الكساسبة إلى خلط الأوراق وتأزيم العلاقة بين الرأي العام المحلي والحكومة والحكم في عمان.
لا زال الرأي العام، بما في ذلك المتعاطف مع التنظيمات الجهادية وفي مكونات المجتمع كافة، منسجما وراء موقف موحد تماما لا يريد ان يقبل أقل من صفقة مقايضة وتبادل تنتهي برؤية الطيار الشاب حرا في عمان.
حتى المعارض البارز للنظام ليث الشبيلات كتب على وسائط التواصل الاجتماعي يدعو لتأجيل وإرجاء أي خلافات ونقاشات مع الدولة والنظام، بعنوان التحالف الدولي المناهض لداعش أو غيره من القضايا الخلافية، مشاركا المطالبين وبدون نقاش بالإفراج عن الأسير الكساسبة.
القيادي الشهير بالتيار السلفي الأردني أبوسياف محمود الشلبي طالب علنا بالإفراج عن الكساسبة وقبول صفقة التفاوض والناشط الإسلامي محمد الحديد اقترح الأمر نفسه على داعش، عبر الرسالة التي نشرتها له «القدس العربي» صباح الخميس.
يعني ذلك أن البيئة السلفية، وحتى الجهادية، في الأردن بدأت تدرك حساسية الاحتفاظ بالأسير الكساسبة والكلفة الباهظة للمساس به وبصرف النظر عن الغطاء الشرعي المستخدم في مثل هذه الحالات مما زاد بنسبة كبيرة في مستوى التعقيدات والتحديات.
تكتيك «داعش» من وراء عرض الحفاظ على حياة الكساسبة، ثم التهديد بإعدامه مقابل الإفراج عن ساجدة الريشاوي ومبادلتها بالرهينة الياباني، كان يهدف بوضوح لإرباك محور التحالف الدولي ولمحاصرة دوائر القرار الأردنية بضغط شعبي بدأ فعلا يتململ قبل ان تنجح مبادرات سياسية وتكتيكية في إدارة الوجبة الأولى من الأزمة الأخيرة مع «داعش».
عمليا، يمكن القول ان عوائد هذا التكتيك لم تكن منتجة بالنسبة لتنظيم «داعش» الذي أظهر رغبة في قبض ثمن الحفاظ على حياة الأسير فعالجته الحكومة الأردنية بالتخندق الصلب وراء مطلب محدد قبل الخوض في أية تفاصيل تفاوضية وهو توفير دليل على أن الأسير الطيار على قيد الحياة أولا، ثم الإصرار على أن مقايضة الريشاوي بالأسير الأردني فقط وليس بالأسير الياباني.
غير داعش مرات عدة من إعلاناته وبرزت إلى السطح احتمالات بوجود خلافات داخلية في تنظيماته حول أفضل السبل في معالجة أزمة الطيار الأردني وحساب الخسائر والمكاسب المحتملة وفي وجدان الشارع الأردني ظهر «داعش» خارج سياقات حتى أدبياته الجهادية وهو يشترط مبالغ مالية بدلا من الأسير الياباني ليعود لاحقا ويطالب بالإفراج عن الريشاوي بدلا منه.
خطابات «داعش» بهذا المعنى خلت من مظاهر مصداقية بالنسبة للجمهور الأردني الموحد تماما وبصورة غير مسبوقة خلف الدعوة للإفراج عن الأسير الكساسبة ويبدو حسب مصدر مطلع أن جهة ما نافذة في التنظيم يعتقد انها تمثل الجناح البعثي لا تريد ولا تسعى لمواجهة عسكرية وأمنية مباشرة مع الأردن، في هذا التوقيت، مما يعني أنها جهة تعرف مسبقا كلفة الاشتباك المباشر مع الأردن شعبيا وأمنيا وعسكريا بعدما وصلت لقيادة التنظيم رسائل بهذا المعنى فيما مضى.
الرد الأردني المباشر وخلال اليومين الماضيين بتكتيك مقابل لا ينطوي على الاستسلام للعبة التفاوض عن بعد، كما رسمها «داعش» وأظهرت نبرة من الصرامة والجدية في تحميل «داعش» مسؤولية الحفاظ على حياة الأسير الكساسبة وتجنب بالتوازي الخضوع لملامح الترتيب الذي أعلنه «داعش».
هنا حصريا أعلن مصدر أمني مسؤول بتكتيك مطابق ومضاد عندما حمل قيادة «داعش» مسؤولية حياة المساجين المحسوبين على الدولة في الأردن في لغة شديدة الحساسية ترافقت مع الرفض المطلق للعرض المقترح بمبادلة الريشاوي بالياباني بدون «التوثق» من حياة الأسيرالكساسبة.
في الوقت نفسه أصدر كبارالمسؤولين باقة من التصريحات ووضعت قيادات البلد والبرلمان بصورة اللغة التي يستخدمها «داعش» لإخضاع الأردن وتمت مخاطبة الرأي العام وإظهار الأولوية المطلقة وطنيا لقصة الأسير الكساسبة.
تحملت الإدارة الأردنية عواقب القلق الداخلية خصوصا في صفوف العشائر لكن «داعش» نفسه وضع الرأي العام المحلي بمزاج توقع «أسوأ» الاحتمالات وعدم الرهان على تنظيم الدولة وبالتالي الدعوة للاصطفاف الوطني ومساندة الدولة وهو الخيار الذي يحكم حاليا جميع المواطنين الأردنيين بمن فيهم الملاحظون على أداء الدولة.
سياسيا وإعلاميا، أديرت المسألة حتى الآن بجدية في عمان وأخفقت استراتيجية «داعش» الإعلامية والنفسية في تحقيق أهدافها، بل حققت وفقا للمراقبين نتائج عكسية في الكثير من المفاصل.
لكن النتيجة النهائية للمعركة التي فرضها داعش المصنفة إرهابية في الأردن كانت التعادل السلبي حتى اللحظة في معركة شديدة التعقيد والحساسية ولا يمكن توقع تداعياتها خصوصا بعدما برز إجماع وطني عز نظيره وراء الدعوة للإفراج عن الأسير الكساسبة.

بسام البدارين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    أظن أني سمعت بأن حكومة الأردن قد هددت التنظيم بالآتي :
    ان أنتم أعدمتم الطيار فسنعدم ساجدة الريشاوي وغيرها من المحكومين

    أعتقد أن هدف التنظيم الأول هو المال فهو ليس أكثر من عصابة

    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول واحد عايف حاله:

    كتير تحليلاتك اكتر من رائعه !!!

  3. يقول سامح // الامارات:

    * أتوقع ( والله أعلم ) أنّ ( داعش ) سوف تقبل المقايضة
    الطيار ( معاذ ) مقابل ( ساجدة ) وخروج ( الأردن ) من التحالف
    ضد داعش .
    * غير هيك وأي تصرف أحمق وأرعن من داعش سوف تخسر
    الشارع الأردني وكل متعاطف معها ف الأردن .
    شكرا والشكر موصول للأخ الكاتب ( بسام ) .

  4. يقول سامح- الإمارات:

    كلفة الاشتباك مع الاْردن و الثمن الباهظ…
    مجنون يحكي و عاقل يسمع…. و ما الذي يمكن للأردن أن يفعله مع تنظيم “ارهابي” يسيطر على مساحة تفوق مساحة الأردن خمس مرات و يمتلك من الثروات أضعاف ما ينتجه الأردن مضافاً إليه المساعدات ..
    الأردن يشارك في قصف الإرهابيين (جدلاً) و يغمض عينيه عن المجزرة المستمرة لأخوته و أبناء عمومته في كل شبر من سوريا و تحديدا درعا..
    ألا تكفي دماء الملايين في سوريا و العراق و اليمن و ليبيا و مصر لنقف و لو للحظة ندرك فيها الحال الذي وصلنا إليه بسبب سرطان العبودية للحاكم الذي تظهر أعراضه واضحة في هذا المقال و إن حاول الكاتب تعميتها..
    اصطيادكم في الماء العكر سينهي حياة الكساسبة .. و الله أعلم.
    شكرًا

  5. يقول عمار:

    ارتفاع الثقة الشعبية بقدرة الدولة وبجديتها في الحفاظ على سلامة الطيار وتقديمها كل الحلول الكفيلة بإنجاح عملية التفاوض من جهة وبقدرة الدولة على الرد اذا حدث مكروه لا سمح الله للطيار.
    بدوره يعيش تنظيم داعش لحظة موازية من القلق، فهو يدرك جيدا ان الدولة الاردنية تعرف الكثير عنه، من اسماء قادته وسكنهم وعائلاتهم، ويعرف ان الدولة لن تترك خصمها يعبث بحياة الاردنيين وارواحهم، بل وسبق لها ان طالت كل من عبث بأمنها سواء داخل الاردن او خارجه وهذه الرسالة نجحت الدولة الاردنية في ايصالها الى التنظيم بوضوح وصلابة ومن اعلى مستويات الدولة وهذا احد ابرز اسباب صمت التنظيم الارهابي حد اللحظة مكتفيا بتمديد المهلة يوما بعد يوم.
    التنظيم الارهابي عاجز حد اللحظة عن مجاراة خلية الازمة الاردنية سياسيا، مما يؤشر على مسألتين اما انه تورط في عدم الحفاظ على سلامة الطيار وهذا شعور بدأ يتنامى داخل كثيرين في الاردن وخارجه او ان التنظيم لم يستطع ان يحسم خلافاته الداخلية بشأن تسليمه الى الاردن او محاكمته وبالتالي يدخل في حرب مفتوحة مع الاردن على كل المستويات وهي حرب ستطال سُرر قيادات التنظيم وافراده وأظن ان الجناح العربي المشرقي في التنظيم يعلم ذلك جيدا.

  6. يقول محمد ابو ماجد:

    لا يفل الحديد سوى الحديد—ادعو الجميع الوقوف خلف المفاوض الاردنى—والتنازل سوف يتبعة تنازل-المطلوب من الاردنين التحدث بصوت واحد- داعمين حكومتهم وقواتهم المسلحة.

  7. يقول sami:

    يجب اطلاق سراح الطيار الاردني لانه كان يقوم باعمال خيرية في سوريا وتم القبض وطائرته محملة بالادوية والمعونات الانسانية

  8. يقول نادر حبايبه الاردن:

    الصحيفه الغراء
    ارجو النش الكاتب المحترم

    لقد تعودنا نحن في الاردن وما زلنا نكن الاحترام للجيش ‘ الجيش العربي الذي يعد صمام امان الاردن ولن يستطيع احد كائنا مان كان احداث اي وقيعه مع الجيش لا داعش ولا اي احد فالموضوع ان هناك حرب قائمه مع تنظيم مخابراتي شيطاني دولي متعدد الجنسيات واللغات وانماط التفكير متنوعه ومتوحد على القتل والسلب والاغتصاب والابتزاز ، لقد اثبتت الايام ان الاردن بقيادته الامنيه قادره الى وصول الى عمق القياده القاعديه فاجهزتنا كسرت ظهرهم في بعد عملياتهم في فنادق عمان وستكسر ظهرهم في حال ان اصاب المقاتل معاذ اي مكروه فهم يعلمون انه سيتم احضار جميع قياداتهم وتعليقهم امام الاردنين ليكون عبره للعالم مع انهاء حياه جميع من حسبو على هذا التنظيم وبالطرق القانونيه مع العلم ان وعلى الرغم من الضعف الاقتصادي الى ان الاردن قوي بعزيمه قيادته ووعي شعبه

    الان وجوب الاصتفاف الكل خلف الجيش ولن يتم مناقشه اي مواضيع قبل الانتهاء من هذا الملف عاش الجيش وعاش الوطن ويحيا العرش

إشترك في قائمتنا البريدية