مَنْ تابعَ يوميات الحرب في سوريا، لا بدّ أن يكون قد لاحظ اسم مراسل إعلام النظام الميداني شادي حلوة. مقابلاته مع أحد مجرمي الحرب (سهيل الحسن) شوهدت بأعداد هائلة، واستحقت عدداً كبيراً من التعليقات، مرات على خطاب الحسن، الذي بات نموذجاً يضرب به المثل لسرياليته، أداءً ومضموناً، إن جاز الحديث عن مضمون، ومرات بسبب الطريقة المذلّة التي عومل بها مراسلٌ، هو أحد خدّام العصابة المخلصين.
المراسل المذعور، الممسوح تماماً أمام سادته على الجبهات، كان في الشارع شخصاً آخر تماماً. تَفرعنَ في حي الشعار، وفي مختلف أحياء حلب، وها هو يطلّ الآن ضمن برنامج «هنا حلب» مختالاً، كما يليق بديك مزابل، متعالياً على شكاوى الناس وصراخهم، بل ومحوّلاً اللوم على البسطاء المطالبين بالكهرباء والنظافة وتنظيم الفوضى وتوفير المواصلات ورفع أنقاض المباني المهدمة، عندما يشير إلى مخالفات الناس العمرانية، بمعنى أن من يرتكب هذه المخالفات لا يحق له الشكوى!
أكثر من عشرين دقيقة من تقرير مصوّر يشكو فيه الناس أحوالهم، لكن ما يقوله أداء المراسل يؤكد أن لا أمل في أن يستمع أحد من المسؤولين إلى الشكوى. لغته وإيماءاته لا توحي بأنه مهتم إلا بأن يكون هو موضوع الكاميرا. يتجوّل كمسؤول كبير، يتكلم باستخفاف وقلّة احترام، كل ذلك أمام ملايين من السوريين يشكون الحالة نفسها، وأكثر. ما يعني أن عليهم هم أيضاً أن يبلغوا اليأس.
فهمنا، يئسنا، لكن لماذا التنكيل إلى هذا الحدّ!؟
يشهد «معهد العالم العربي» في باريس معرضاً يضيء على أيقونات ونجمات الفن العربي المعاصر، من أم كلثوم إلى أسمهان ووردة الجزائرية وصباح وفيروز وهند رستم وسامية جمال وليلى مراد وتحية كاريوكا وسعاد حسني.
لا يستعيد المعرض أسماء وحسب، بل حقبة بحالها، تمتد على حوالى مئة عام من الفن والسياسة والثورات.
يستحق المعرض كتابة أطول، لكن ما يهم الآن هنا، في هذا الحيّز، المقابلة التي أجراها برنامج «المشهدية» في قناة «الميادين» مع الناقد والممثل والإعلامي اللبناني عبيدو باشا، وبدا فيه الأخير، كما نعرفه دائماً متلفزاً أو ممسرحاً أو مكتوباً، كتلة هائلة من الهراء، مع أن الإطار في كتابات ومقالات أخرى، بما يتضمنه من مصطلحات وركام كلام هي عدّة الشغل، يوحي برفعة القول.
يقول عبيدو، ولا يبدو أنه اقترب من المعرض إلا في أخبار صحافية هنا وهناك، إن هذا التكريم «خيار ملغوم، لأنه جاي من برا مش من عنّا. على طول بيشتغلوا على مقاييسهم، أجنداتهم، أفكارهم… « و»أنه نحن في العالم العربي لا نستطيع، لا نمتلك الرغبة في الإضاءة على نسائنا، وما زلنا إلى الآن نفصل بين النساء والرجال، وبالتالي هم بدهم يضووا على نساء لأنه نحن ما بنضوي عليهم».
دائماً هناك جواب شبه جاهز يقال في كل مرة يُذكر فيها اسم الشرق والغرب. هي تقريباً موضة نقدية اتهامية مقنعة للملايين، تسمُ كل دعم من الخارج بأنه مجرد أجندات مشبوهة، وأن أي دعم لا يمكن أن يمرّ من دون التطرّق إلى حقوق المرأة وشؤون ختان الإنسان.
كلام مشغول بنَفَسٍ معارض جداً، مشغول بأن يكون معارضاً وحسب، كلام عبيدو التالي يوضح أكثر: «هؤلاء النساء إنتاج ظروفهن، لسن من إنتاج أنفسهن. كلهن بنات ثورات كبرى، عسكرية وصناعية وسياسية. هن خارج ظروف إنتاجهن مانُن شي (لسنَ شيئاً). لولا عبدالناصر ما في أم كلثوم. هكذا نوع من المعارض يخرجهن من بيئاتهن».
عندما تلمّح مذيعته إلى أن من المحتمل أن منظمي المعرض عرب وليسوا فرنسيين يجيب: «عندما تشتغلين في مؤسسة فرنسية بيصير بدّك تسبقيها بتقديم الخدمات لها».
دائماً هناك جواب عند الناقد الفذّ، والكلام أعلاه ليس من فراغ، إنه شبه جاهز، يقال في كل مرة يُذكر فيها اسم الشرق والغرب. هي تقريباً موضة نقدية اتهامية مقنعة للملايين، بمن فيهم رؤساء، تسمُ كل دعم من الخارج بأنه مجرد أجندات مشبوهة، وأن أي دعم لا يمكن أن يمرّ من دون التطرّق إلى حقوق المرأة وشؤون ختان الإنسان.
حتى التكريم لن يمرّ، حسب ناقد «الميادين» وأشباهها، من دون أجندة: «أنا ضد تسطيح تكريم المرأة». وكي لا يُفهم خطأ يستدرك: «المرأة مكرّمة». كيف؟ قال: «لما بكون قاعد أنا ويّاكِ بكون عم كرّمك» وحين ينتبه للأنا الهائلة في العبارة الأخيرة يضيف: «ولما بتكوني قاعدة معي بتكرميني».
كلام مضطرب، وصل إلى لحظة كاد ينكر فيها على «أيقونات الزمن الجميل» وهذا هو عنوان الحلقة، أهميتهن وجمالهن، كي يثبت نظريته بأن التكريم الباريسيّ ملغوم.
الممانعة طبع، لا جدوى من مناقشته أو إجراء أي تعديل فيه.
أطيب تقرير إذاعي يمكن أن تسمعه سيكون عن الخبز، خصوصاً إذا كان معجوناً بنكهة «بي بي سي» الإذاعة العريقة.
بمناسبة احتجاجات الخبز في الخرطوم وليبيا، تجول الإذاعة في ست دقائق على بلدان عديدة لتستكشف علاقتها بالخبز، مصر القديمة والجديدة، هذه التي تعطي الخبز أجمل اسم: العيش، وعلى العراق وفرنسا وبريطانيا واليابان. تتحدث عن علاقة الخبز بالثورات، حيث أدى إلى انتفاضة الخبز في مصر عام 1977، وفي تونس العام 1984، وفي سوريا أدى التلاعب بوزن الرغيف إلى إسقاط حكومة الشيخ تاج في الأربعينيات.
لم ينس التقرير استخدام أغنيات في خلفية صوت المذيعة وضيوفها، من أغان مصرية تتحدث عن «العيش والملح» إلى صوت زياد رحباني في مقطوعته البديعة «وقمح» وبالطبع كان علينا أن نتوقع صوت مارسيل خليفة بالأغنية الأشهر: «أحن إلى خبز أمي».
ربما كانت تصلح عبارة محمود درويش لتكون عنواناً، أو خاتمة لموضوع بي بي سي: «أَمِنْ حبّة القمح يبزغ فجر الحياة وفجر الحروب!».
كاتب فلسطيني سوري
راشد عيسى الشيء اللذي تتميز به اعطاء عناوين جذابة و مثيرة للمقالة،
شكراً للكاتب على تنوع أخباره!!
ولا حول ولا قوة الا بالله