تعز: كلما شعرت الطفلة اليمنية نظيرة الجعفري بالضيق نتيجة الحرب في بلدها، لجأت إلى الموسيقى بعدما أدرجتها مدرستها الواقعة في مدينة تعز في البرنامج التعليمي لتدرسيها كباقي المواد.
وفي غرفة صغيرة في مدرسة النورس، يصدح صوت الموسيقى الخارجة من آلة “اورغ”، بينما تراقب الجعفري، بابتسامة، مدرّستها وهي تضغط بأصابع يديها الاثنتين على مفاتيح الآلة الموسيقية، الواحد تلو الآخر.
وتقول الطفلة “أحب مادة الموسيقى”، مضيفة “في الأوقات التي أكون فيها غير مرتاحة، أعزف الموسيقى”.
وأتقنت الجعفري عزف موسيقى أغاني معروفة، بينها أغنية أعياد الميلاد، و”نسم علينا الهوى” للمطربة اللبنانية فيروز، بينما تقوم مؤخرا بالتدرب على عزف أغنية “أنت عمري” للمطربة المصرية الراحلة أم كلثوم.
وتقول وهي تجلس خلف آلة “الاورغ” إنها تتمنى “أن ينتصر اليمن” وتنتهي الحرب المستمرة منذ 2014 حتى تبدأ “حياة جديدة”.
واشتهرت مدينة تعز الواقعة في جنوب غرب اليمن، بجودة حبوب البن التي تزرع فيها وتصدر إلى الخارج عبر ميناء المخا على ساحل البحر الاحمر في غرب هذا البلد الفقير.
مدينة تعز وضواحيها أصبحت منذ حوالى أربع سنوات مسرحا لقتال شرس بين القوات الموالية للحكومة التي تسيطر عليها بمساندة من تحالف عسكري بقيادة السعودية، والمتمردين الحوثيين المدعومين من إيران والذين يحاصرونها.
وتناشد الامم المتحدة أطراف النزاع للسماح بفتح ممرات إنسانية من المدينة إلى خارجها. وقد جرى الاتفاق على تشكيل لجنة أمنية مشتركة ووقف إطلاق النار في محادثات في السويد الشهر الماضي، لكن الاتفاقات لم تطبّق بشكل كامل.
خط نار
تعرّضت مدرسة النورس المؤلفة من ثلاثة طوابق إلى أضرار بسبب القتال في العامين 2015 و2016، لكنها أعادت فتح أبوابها في أيلول/سبتمبر 2016، بينما بقيت آثار الرصاص والقذائف على جدرانها شاهدة على حرب قتل فيها نحو 10 آلاف شخص ووضعت ملايين على حافة المجاعة.
ويقول القيمون على المدرسة إن حصة تعليم الموسيقى التي اضيفت إلى البرنامج التعليمي، تهدف إلى إدخال بعض السعادة في قلوب الطلاب.
ويؤكد مدير المدرسة شهاب الدين أحمد أن المنطقة التي تقع فيها المدرسة “خط مواجهات وخط نار (…) لقد اضطررنا لنقل (الطلاب) للخارج” للاستقرار والتعلم في مبنى آخر بعيدا عن الاقتتال.
وتابع “كانت الحالة النفسية للطلاب صعبة” عندما أعادت المدرسة فتح أبوابها “فحاولنا أن ندخل مادة ترفيهية، واخترنا الموسيقى”، مشيرا إلى أن جامعة في المخا قامت بإعارة المدرسة آلات وأدوات موسيقية.
وقال أحمد “نشاهد الطلاب وهم يتفاعلون معها. العائد الايجابي ممتاز جدا”.
تعبير بأغنية
رغم أن الحصص الموسيقية ليست جزءا من برنامج علاج نفسي أكبر في هذه المدرسة، إلا أن الموسيقى غالبا ما تستخدم حول العالم كوسيلة لدعم ومساندة أشخاص تعرضوا لصدمات نفسية أو عاشوا في مناطق حرب.
وفي الغرفة المتواضعة المخصصة لتدريس الموسيقى في مدرسة النورس، يخرج عشرات الاطفال يوميا من أجواء الحرب والمعاناة، ليغنوا ويصفقوا ويتعلموا العزف على الآلات، في بلد تقول الامم المتحدة إنه أصبح موطن أكبر أزمة إنسانية في العالم.
ويردّد الاطفال عبارة “هذا وجهي، هذا انفي” بالانكليزية على وقع الموسيقى، ويغني آخرون أغنية عنوانها “العلم سلاح”.
وتشير منظمة الامم المتحدة للطفولة “يونيسف” إلى ان 2500 مدرسة من بين حوالى 16 الفا هي خارج إطار الخدمة حاليا، 66 % منها تضرّرت بسبب أعمال العنف، و27 % أغلقت أبوابها كليا، بينما تستخدم 7 %ملاجئ لنازحين أو معسكرات لأطراف النزاع.
وحرم توقّف هذه المدارس عن التعليم 1,84 مليون طفل من الدراسة لينضموا الى نحو 1,6 مليون طفل آخر لا يرتادون المدرسة منذ فترة ما قبل النزاع (بحسب أرقام 2017). ويبلغ عدد سكان اليمن أكثر من 27 مليون نسمة، نصفهم دون الثامنة عشرة.
وحذّرت “يونيسف” العام الماضي من أن أربعة ملايين طالب إضافي قد يحرمون من الدراسة، خصوصا في المحافظات الشمالية الخاضعة في غالبيتها لسيطرة المتمردين، بسبب عدم تلقي 67 % من المدرسين رواتبهم منذ عامين.
في تعز، تشعر مدرّسة الموسيقى في مدرسة النورس عبير احمد الشرعبي، بأن الطالب في الحصص التي تعطيها “يحس براحة أكثر من الحصص الأخرى. الطاقة التي تخرج في حصة الموسيقى أكبر من الطاقة التي تخرج في الحصص الأخرى”.
وتتابع الشرعبي قائلة “الحروب تسبّب الألم، ولذلك فإن الشيء الذي نشعر به في داخلنا أحيانا نعبر عنه (…) بأغنية”. (أ ف ب)