وسط أخبار الأزمات من حروب وجائحة وغلاء المعيشة في العالم، كانت البشرية شاهدة خلال هذه الأيام على تقدم بشري مدهش، يتعلق الأمر بتلسكوب جيمس ويب، الذي قدم الصور الأولى عن الحقب الأولى للكون الفسيح الذي نعيش فيه، ليزيد من الأسئلة المحيرة للبشرية. وتعاطت ثقافات وديانات مع الحدث من زوايا مختلفة.
ويعد هذا المشروع غربيا بمشاركة الأوروبيين والولايات المتحدة وكندا، بقيادة وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا». وشارك فيه علماء قدموا من مختلف الثقافات والديانات. وبهذا تثبت الولايات المتحدة عبر بعض مؤسساتها مثل «ناسا» استمرارها في احتضان أحلام العلماء، وبالتالي أحلام البشرية (بغض النظر عن سياستها الأرضية) في البحث عن حقائق هذا الكون، الذي بالكاد يعد ما جرى تصويره بجيمس ويب مثل حبة رمل واحدة من حبات الرمل في السماء، وعليه سيكون حجم الكرة الأرضية مثل بروتون في الذرة وسط هذا الكون.
لقد شكلت صور هذا التلسكوب بالعودة إلى مليارات السنين إلى الوراء لرصد الكون العميق، عملا تجسيديا لنظرية النسبية لدى إنشتاين للتجول عبر الأزمة الفضائية لمعرفة أسرار الكون، أو مثل آلة الزمن للروائي هيربرت جورج ويلز، التي تنتقل من حقبة إلى أخرى. وهكذا، يعد 11 يوليو/تموز 2022 تاريخ تقديم تلسكوب جيمس ويب الصور، منعطفا وفجرا جديدا في علم الفلك، وعلاقة الإنسان بالفضاء شبيها بيوم 4 أكتوبر/تشرين الأول 1957 عندما أطلق الاتحاد السوفييتي أول قمر اصطناعي في الفضاء، ويوم 13 سبتمبر/أيلول 1959 عندما حطت لونا المركبة السوفييتية على سطح القمر، ويوم 12 إبريل/نيسان 1961 عندما كان يوري غاغارين أول إنسان يصل إلى الفضاء الخارجي ويدور حول الكرة الأرضية، ثم المنعطف الكبير يوم 20 يوليو 1969 عندما وصلت بعثة بشرية على سطح القمر، ليكون الإنسان قد بدأ العد العكسي الحقيقي نحو غزو الفضاء. وتضاعفت الإنجازات الكبرى ومنها مغادرة مركبة فوياجر 1 خلال شهر ديسمبر/كانون الأول 2011 النظام الشمسي بعدما قطعت مسافة 19 مليار كلم، وهبوط المركبة الشهيرة كيوريوسيتي على سطح المريخ يوم 6 أغسطس/آب 2012. ويضاف إلى هذا تشييد الصين أكبر مرصد في العالم خلال يوليو 2016 لرصد حضارات فضائية.
يحدث كل هذا في ظل مؤشرات قوية تدل على انتظار البشرية حدثا عظيما ما خلال السنوات أو العقدين المقبلين على أكثر تحديد، وهي فرضية لقاء حضارات فضائية. وكان مدير شعبة الفيزياء الفلكية في جامعة هارفارد أبراهام لويب قد تحدث منذ سنتين عن وصول مركبة فضائية إلى الشمس للتزود بالطاقة ثم غادرت نحو جهة ما في الكون. وفي الوقت ذاته، كشف البنتاغون لأول مرة عن تقارير تؤكد وجود أجسام طائرة في الفضاء وفي المحيطات ليست من صنع البشرية، بل يسيرها ذكاء خارق. وتعترف دول من حجم الصين وروسيا وفرنسا بوجود هذه الأجسام الطائرة. ولعل الجانب السلبي في غزو الفضاء هو المحاولات الأحادية للدول، في وقت كان يستوجب إجماعا وسط البشرية، إذ يسعى الغرب للريادة وتنافسه الصين وروسيا وبدأت أمم أخرى تنضم إلى هذا النادي مثل الهند، في حين غزو الفضاء يتطلب تعاونا بشريا. وكان أكثر من عالم متخصص في الفيزياء الفلكية قد طرح التساؤل التالي: ماذا سيحدث لو تعرضت الكرة الأرضية لغزو من حضارات فضائية، هل ستختار بين الثقافات والأمم؟
الجانب السلبي في غزو الفضاء هو المحاولات الأحادية للدول، في وقت كان يستوجب إجماعا وسط البشرية، إذ يسعى الغرب للريادة وتنافسه الصين وروسيا
وكان تعاطي العالم العربي مع الحدث الكبير لصور جيمس ويب خافتا وغريبا. لم تخصص له وسائل الإعلام حيزا مهما، ولم تفرد له قنوات التلفزيون الكبيرة برامج خاصة، ولم يحضر في افتتاحية أي جريدة عربية تقريبا. ولعل مرد هذا التصرف هو شعور العرب بأن هذا الموضوع لا يعنيهم، بسبب التخلف الحضاري الذين يعانون منه. ويتجلى هذا الشعور في مظاهر ثقافية أخرى وهي غياب الاهتمام بالخبر العلمي في وسائل الإعلام، ثم تخلف الأدب العربي عن ركب الخيال العلمي، إذ نادرا ما تجد مجموعة قصصية أو رواية حول الخيال العلمي. وواقعيا، لا يمكن لمبدع أن يكتب رواية في هذا الصنف من الأدب إذا لم يكن يتوفر على ثقافة علمية وافية ويواكب الاختراعات والاكتشافات.
في الوقت ذاته، انفجر في العالم العربي جدل عقيم بين تيار يشكك في التلسكوب ويعتبره تحديا للخالق والإسلام، وكاد يقيم المشانق للعلماء على شاكلة الكنيسة عندما أحرقت جيوردانو برونو حيا سنة 1600 أو فتوى عبد العزيز بن الباز سنة 1976 عندما أفتى بتكفير من قال بكروية الأرض، وتيار يتقمص جلد الذات معتبرا التقدم العلمي الذي حققه جيمس ويب هو حجة على تخلف المسلمين ودينهم. وإلى جانب التيارين، رحب الكثيرون بهذا الحدث العلمي. وفي حوار مع صديق لي حول جيمس ويب، وهذا الصديق باحث في جامعة هارفارد في قضايا الديمقراطية في العالم، توقفنا عند بعض النظريات العلمية المثيرة مثل «العوالم الموازية» أو «الأكوان الموازية» لهاي هيفرت الثالث، وتقول بوجود عالم آخر مواز لنا نعيش فيه وربما في سياق مختلف. وكان المسلسل الشهير Counterpart قد عالج في قالب فني رائع أحداث تقع لشخصيات في عالمنا وتمر شخصيات هي نفسها بوضع مختلف في العالم الآخر الموازي، وتنجح بعض الشخصيات في الانتقال من هذا العالم إلى الآخر في محاولة لتغيير التاريخ. وإذا بصديقي يسألني بسخرية سياسية «إذا افترضنا بوجود العالم الموازي، هل العالم العربي في ذلك العالم الموازي ينعم بالديمقراطية، وهل القادة العرب هناك ديمقراطيون؟» وبالسخرية السياسية نفسها أجبته «حتى علماء الناس سيعجزون عن إيجاد سؤال شاف، لكن عقولنا هي بمثابة كون آخر مواز نصنع فيه عوالم مختلفة، فلنتخيل العالم العربي ديمقراطيا، فعلى الأقل لم تنجح الأنظمة العربية حتى الآن في فرض الرقابة على الخيال السياسي لأنها تفتقد حتى الآن لمختصين مثل سيغموند فرويد»، وتابعت «وكثير من الأحلام تتحقق، من كان يعتقد في الحقب الماضية بوصول الإنسان إلى القمر؟
كاتب مغربي من أسرة «القدس العربي»
العالم العربي مهمته التشكيك بإنجازات الغرب العلمية !
فهناك الكثير من لازال يشكك بالنزول على القمر !!
ولا حول ولا قوة الا بالله
اعتقد أن عدم اكتراث وسائل الإعلام العربية بالصور التي التقطها القمر الصناعي الحديث جيمس ويب يرجع لعوامل مختلفة منها اعتبار هذا الحدث من الترف العلمي المسموح بتعاطيه حصرا للبلدان المتقدمة والغنية، أما بلداننا العربية فأولويات المرحلة تتمحور على الوضع الأمني في ظل تهديد الملالي لاستقرار بلدان الخليج واختراق الكيان المحتل للصف العربي ثم معاناة دول أخرى من تبعات حرب أوكرانيا على امنها الغذائي وعلى اسعار النفط والغاز، فيما محور اهتمام شعوبنا يتركز على استفحال آفة مصادرة حقوقه في الحرية واالعدالة الاجتماعية من طرف أنظمة حاكمة مستبدة. فالمقاربة كمن يعاني من داء عضال لا يجد معه قدرة على اقتناء دواء فيما البعض يتناصحون بينهم بتناول أغذية صحية ومزاولة الرياضة للمحافضة على قوام رشيق!!
الحقيقة أن الضجة الاعلامية التي رافقت عرض اكتشافات تلسكوب جيمس ويب لا ترقى لمستوى “تطور بشري مدهش” كما تم الاشارة إليه بقدر ما هي صور اكثر دقة لما سبق لتلسكوب هابل رصده منذ سنوات، نحن اليوم في المراحل الاولى لاكتشاف *بعض* اسرار الكون الفسيح وما قد نتوصل اليه من خلاصات في العقدين المقبلين قد تفك لنا *بعض* ألغاز ولادة ونشأة الكون، تلسكوب جيمس ويب بالاضافة إلى دراسته لبداية ولادة المجرات والنجوم سيهتم أيضا بدراسة ما يسمى Exoplanet التي رصد منها تلسكوب هابل حتى اليوم أكثر من ٥٠٠٠ كوكب في مجموعات شمسية خارج مجرتنا يمكن أن تحتضن كائنات حية قد تكون مجرد كائنات مجهرية كالبكتيريا أو فقط نباتات أو لربما كائنات تشبه الحيوانات والحشرات،بل ويذهب البعض لأبعد من ذلك ليفترض وجود كائنات ذكية وصلت لمستوى تطور خارق أصبحت معه تنظر إلى جنسنا البشري كما نرى نحن اليوم الانسان في العهد الحجري وبذلك لا تكلف نفسها عناء التواصل معنا بحجة استحالة قدرتنا على استيعاب مستوى التفوق الذي وصلوا إليه.
في المقابل إذا كان موقف الأديان السماوية الثلاث معروفا بخصوص نشأة الكون ونهايته لكن يبقى موقفها غير واضح بشأن إمكانية وجود كائنات حية أو ذكية في كواكب أخرى في هذا الكون الشاسع. لست من دارسي علوم الأديان لأقدم إضافة قيمة في هذا التعليق بيد أني إطلعت على تأويلات لفقهاء مسلمين يذهبون إلى تفسير سورة من سورة لقمان جاء فيها: “ومن ءاياته خلق السماوات والأرض وما بث فيهما من دابة” إلى إقرار وجود كائنات أخرى تستوطن *السماوات* قد تكون الجن أو غيره، لأن النصوص الدينية لم تفصل حقيقة وجود كل الكائنات بدليل ءاية أخرى توضح ذلك: “ويخلق مما لا تعلمون”. نتمنى أن يتفضل أهل التخصص بالمشاركة لاثراء هذا النقاش وتوضيح بعض ما يشوبه الغموض.
العالم العربي في حالة دفاع أمام تقدم الشعوب والثقافات الأخرى، وهذا يجره الى محاولة التشكيك كنوع من التنفيس عن النفس للتقليل من الإحباط. ولها، يتعامل بنوع من الحط من قيمة الإنجازات العلمية، تارة باسم الدين، وتارة بالتشكيك في القمة المضافة لأي منجز علمي. أشكر الكاتب على قدرته في الجمع بين عرض معلومات قيمة وتحليل مشوق ومزجه بالسخرية السياسية.
السيد حسين المجدوبي، مقالاتك دائما تكون دات قيمة ثمينة..اشكرك على هدا الموضوع
حسب علمي إبن باز لم يكفر القائل بكرويه الأرض إنما كفر من قال إن الشمس ثابتة