موسكو: يخشى الروس المشتركون في تطبيق “تلغرام” الذي يُلاحَق مؤسسه بافل دوروف قضائيا في فرنسا، من حجب خدمة الرسائل المشفرة هذه التي أصبحت بالنسبة إليهم المصدر الرئيسي للمعلومات غير الخاضعة للرقابة.
أوقف دوروف مساء السبت في مطار لو بورجيه قرب باريس وخضع لتحقيقات في الأيام التالية، وأفرج عنه بعد أيام بكفالة مقدارها خمسة ملايين يورو شرط حضوره إلى مركز الشرطة مرتين في الأسبوع ومنعه من مغادرة فرنسا.
ووفق السلطات القضائية الفرنسية، لم يتّخذ دوروف تدابير للحد من إساءة استخدام مشتركين لتطبيق المراسلة، خصوصا عدم اعتماد آلية للحد من المحتوى المتطرف والتعاون مع المحققين.
وأثار توقيفه ضجة كبيرة داخل الكرملين وبين القوى الليبرالية الروسية المعارضة للهجوم في أوكرانيا.
وقال أليكسي فينيديكتوف، رئيس إذاعة “صدى موسكو” التي حظرت في روسيا بعد انتقادها الهجوم العسكري في أوكرانيا، إن “تلغرام هو تطبيق مراسلة عملي وموثوق للغاية للروس، بغض النظر عن آرائهم السياسية”.
وأضاف هذا الصحافي لوكالة فرانس برس، أن التطبيق “يُعرف بأنه مستقل عن الدولة” الروسية.
ولدى فينيديكتوف المدرج في قائمة “العملاء الأجانب” في روسيا، قناة إخبارية على تلغرام يتابعها أكثر من 200 ألف مشترك.
وبالتالي، سيكون حظر محتمل للتطبيق بمثابة “إجراء رقابي” بالنسبة إليه، إذ أن جزءا كبيرا من المواضيع التي تغطيها قناته والعديد من القنوات الإخبارية الأخرى مثل النزاع في أوكرانيا والمحاكمات السياسية للمعارضين وسبل تجنّب الالتحاق بالجيش، تخضع لرقابة صارمة في وسائل الإعلام الحكومية.
وقالت ميلا، وهي طبيبة نفسية تبلغ 45 عاما مشتركة في حوالي 80 قناة إخبارية على التطبيق “بدأت استخدام تلغرام بعد حظر فيسبوك، وقد أصبح اليوم مصدري الرئيسي للمعلومات”.
وأضافت “أستخدم التطبيق أيضا للتواصل مع رفاقي الذين يعارضون الهجوم” الروسي على أوكرانيا، مقرّة بأنه “إذا توقف تلغرام، سيكون ذلك صعبا جدا عليّ”.
بدورها، أكّدت نايدا وهي موظفة لوجستية تبلغ 56 عاما “أنا أثق في تلغرام أكثر” من خدمات المراسلة الأخرى. وأضافت “واجهة المستخدم مريحة جدا. كل المستجدات موجودة ولا تحتاج إلى تنشيط شبكة خصوصية افتراضية (في بي إن) طوال الوقت”.
ومذ حظرت روسيا شبكات اجتماعية غربية مثل إنستغرام وفيسبوك وتويتر التي أصبحت منصة إكس، في آذار/ مارس 2022، والعديد من وسائل الإعلام المعارضة التي لا يمكن الوصول إليها الآن إلا عبر شبكة خصوصية افتراضية، نمت شعبية تلغرام في البلاد بشكل مطرد.
واليوم، يُعد تلغرام التطبيق الرابع الأكثر استخداما متفوّقا على “يوتيوب” وشبكة “فكونتاكتي” الروسية للتواصل الاجتماعي، وفق دراسة أجرتها مجموعة ميدياسكوب للبحوث.
وأظهرت هذه الدراسة التي نشرت في كانون الثاني/ يناير، أن 67 في المئة من مستخدمي تلغرام في روسيا يفضّلون قراءة القنوات السياسية والمستجدات، فيما يركز 6% فقط على القنوات المتخصصة بالترفيه أو السينما.
وقالت الخبيرة في الشؤون السياسية تاتيانا ستانوفايا من مركز كارنيغي روسيا أوراسيا “ليس هناك بديل لتلغرام” في روسيا حيث “أصبح المصدر الرئيسي للمعلومات”.
واعتبرت أن حظر تلغرام سيكون “أمرا حرجا” بالنسبة إلى الروس “الذين يعيشون في ظروف يتضاءل فيها إمكان الوصول إلى المعلومات عبر وسائل الإعلام التقليدية” التي تعمل تحت ضغط السلطات.
وفي موسكو، حذّر الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف فرنسا من تحويل القضية إلى “ملاحقة سياسية”، مؤكدا أن دوروف “مواطن روسي” و”سنراقب ما سيحصل”.
من جهته، قال المعارض الروسي إيليا ياشين الذي أُطلق سراحه أخيرا من السجن ضمن عملية تبادل سجناء مع الغرب “أنا لا أعتبر بافل دوروف مجرما وآمل في أن يتمكن من إثبات براءته”.
وأضاف أن لدوروف “الحق في عدم التعاون مع الأجهزة الخاصة إذا لم يكن ينتهك هو نفسه القانون”.
منذ بدء الغزو الروسي، أصبح تلغرام أداة للدعاية الروسية وكذلك منصة للعديد من السياسيين والناشطين من طرفَي النزاع وصولا إلى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الذي يستخدم هذه المنصة يوميا لنشر رسائله الليلية وإظهار الحرب للروس من زاوية مختلفة.
ويستخدم الكرملين والوزارات وحكام المناطق الروسية التطبيق أيضا، خصوصا لإبلاغ السكان بهجمات جوية أوكرانية، كما يفعل الأوكرانيون فيما يتعلق بالهجمات الروسية.
كما أصبح تلغرام وسيلة تواصل وتنسيق لكل من القوات الروسية والأوكرانية، وفق مدوّنين في روسيا.
واعتبر العسكري الروسي السابق ميخائيل زفينتشوك أن “تلغرام أصبح الوسيلة الرئيسية لقيادة الوحدات (…) على جانبَي الجبهة”.
ويتابع مدوّنته Rybar المتخصصة في نشر آخر تطوّرات الوضع على الجبهة الأوكرانية، أكثر من 1,3 مليون مشترك.
من جهته، قال الصحافي الروسي الموالي للكرملين أندري ميدفيديف إن “تلغرام هو في الواقع تطبيق المراسلة الرئيسي لهذه الحرب. إنه بديل لنظام الاتصالات العسكرية السري”.
(أ ف ب)