تلك الكلمات العابثة الماكرة!

حجم الخط
1

المدن الجديدة
توحدت الكلمات المحبة للإنسان والحيوان والنبات، وبنت أجمل مدينة في الدنيا، فهرع إليها الناس، وسكنوا في بيوتها، ومشوا في شوارعها، وقعدوا في حدائقها، وأرسلوا أبناءهم إلى مدارسها وجامعاتها ومرضاهم إلى مستشفياتها وموتاهم إلى مقابرها، ولكن أهل الرياء رأوا أنها تحتاج إلى إضافات لا بد منها، فبنوا قصوراً شاهقة لسلطانهم وسجوناً لمعارضيه، فصارت مدينتهم قدوة لكل مدينة جديدة.
القصيدة المطلوبة
طلبت الكلمات المبتلة بالدموع إلى شاعر أن يكتب قصيدة رثاء لشهداء دفنوا في قبور مجهولة لن يتاح لأمهاتهم وزوجاتهم وأطفالهم الوصول إليها، فسارع الشاعر إلى كتابة قصيدة طويلة يرثي فيها قطته الوديعة التي ماتت بعد مرض طويل.
وطلبت الكلمات نفسها إلى أديب معروف أن يكتب عن بيوت تحولت خرائب، فكتب مطولاً عن الموسيقى التي تهب مستمعيها أجنحة تتيح لهم التحليق في السماء السابعة.
رأس المهرج
ابتكرت الكلمات المرحة رجلاً مهنته إضحاك السلطان في كل الأوقات، ولكنه في أحد الأيام أخفق إخفاقاً ذريعاً، فغضب السلطان عليه، وأمر بقطع رأسه، فنُفذ أمره فوراً، وتدحرج الرأس المقطوع على الأرض، وارتطم بقدمي السلطان، فسأله السلطان بمرح: هل متّ؟
فقال الرأس المقطوع: من المؤسف أني متّ قبل أن أطلعك على آخر نكتة تروى عنك في البلد.
فسأله السلطان بفضول: وماذا تقول النكتة عني؟
فلم يجب الرأس المقطوع، وتدحرج بطيئاً نحو جسده، والتصق به، وأغمض عينيه، وهمدت حركته، فابتسم السلطان بغيظ لكونه حرم سماع آخر نكتة ومعرفة أسماء مختلقيها ومروجيها، ولكن أعوانه اعتقلوا القاعدين في المقاهي والسائرين في الأسواق والمصلين في المساجد والطلاب في الجامعات والنيام في البيوت، وانتزعت منهم الاعترافات المطلوبة طواعية أو قهراً.
المسرحية المنتظرة
صنعت بعض الكلمات البلهاء طرائف غير مألوفة تتهكم على القتيل معجبة بقاتله، ولكنها عندما رويت للمقتولين والقتلة لم تنجح في إغرائهم بالضحك، فالمقتول كان عاجزاً عن الضحك لأنه ميت، والقاتل كان يعتبر الضحك إسفافاً لا يليق به، فاضطرت الكلمات البلهاء إلى التخلي عن تأليف الطرائف الساخرة، وشرعت في تأليف مسرحية عن شعب ظالم وحاكم مظلوم واثقة بأنها ستحظى بالتقدير المادي والمعنوي.
أهل الموائد
سمعت الكلمات الكارهة للكذب أن ثمة كتّاباً يتزاحمون على الإستشهاد في سبيل الحرية، فأيقنت أن أولئك الكتاب مستوردون من كواكب أخرى لا صلة لها بالكوكب العربي لأن ما تعرفه عن الكثير من حملة الأقلام العرب هو أنهم يتزاحمون على الموائد فقط.
الطائر الأبيض
طارت الكلمات من مدينة إلى مدينة باحثة عن جائع حتى تحاول إقناعه بقهر جوعه ونسيانه، ولكن الكلمات سرعان ما تبدلت وانتقل إليها جوع الجياع، فطارت من حقل إلى حقل متنكرة في هيئة طيور بيض تبحث عما يؤكل، فبادر الجياع إلى اصطيادها.
النجاة النجاة
قابلت الكلمات الحكيمة حاكماً كثير السجون والجنود والمشانق، ونصحته بالتوقف عن ظلم رعاياه، فاستقبل نصحها بالاستنكار والغضب، وأمر باعتقالها، ولكن كل جنوده أخفقوا في القبض عليها، واعترفوا بعجزهم عن تنفيذ أمره.
المطر الحديث
توسلت الكلمات العطشى إلى الغيوم أن تمطر بغزارة حتى تروي كل عطشان، فأنصتت الغيوم للتوسل، ولكن المطر المنهمر كان أحمر اللون متدفقاً من أجساد متمزقة.
وشهقت الكلمات العطشى فزعة عندما استساغت طعم المطر الجديد.

خذوا الحكمة
سألت الكلمات الملطخة بالدم رئيساً يمقته الناس: إلى متى ستظل رئيساً؟
فأجاب الرئيس ممتعضاً متسائلاً باستغراب: ما هذا السؤال التافه السخيف؟! الرئيس باق والشعب زائل.
فازدادت الكلمات وعياً وثقافة، وازدادت معرفة الشعب بمصيره وطريقه.
نشاط اجتماعي
رافقت الكلمات الشبيهة بالعشب رجالاً باتوا بلا مأوى بعد أن تهدمت بيوتهم، وقالت لهم: لا تحاولوا بناء بيوتكم إلا بعد أن تتخلصوا من عشاق الخرائب.
وسارت الكلمات في جنازات أطفال، وزارت أهلهم معزية، وقالت لهم: سيعود أطفالكم إلى الحياة حين يتوارى قاتلهم تحت التراب.
ودخلت الكلمات إلى مستشفيات ملأى بالجرحى، ورأت الموت يتجول بين الجرحى والأطباء عجوزاً يئن متعباً، فقالت له: أما آن لك أن تستريح؟
وحاولت الكلمات أن تضحك، فأخفقت، فما حولها لا يغري إلا بالعويل والولولة.
الكلمات الخضر
اختارت الكلمات أن تقطن في إحدى القرى الملأى باللون الأخضـر، فانقضت الطائرات الحربية على تلك القرية، وقصفت منازلها بالقنابل والصواريخ، فمات سكان القرية أجمعون، وهلك اللون الأخضر، ولكن الكلمات بقيت حية لتروي ما حدث لمن اختاروا النوم أو التفرج.
الطيران اليومي
طارت الكلمات فوق بيوت مزدحمة بالأحياء.
طارت الكلمات فوق بيوت من غبار ورماد.
طارت الكلمات فوق شجر أخضر مثمر.
طارت الكلمات فوق بقايا شجر محترق.
طارت الكلمات فوق أطفال يلعبون ضاحكين.
طارت الكلمات فوق جثث أطفال ضاحكي الوجوه.

جنود بلا سلاح
هاجمت الكلمات المعادية للأغلال قصر الطاغية واحتلته، فلم يبال الطاغية بها واستمر في ضحكه الأبله لأنها ليست سوى كلمات عزلاء لا تستطيع أن تميت.
نوم الليل والنهار
نامت الكلمات المتعبة، ولكن الطغاة ظلوا مستيقظين يحمون كراسيهم وما نهبوا من ثروات.
نامت الكلمات تنتظر محبيها الصادقين الذين سيبنون لها قلاعاً لا تقهر.
نامت الكلمات، فاليوم ليس يوم الكلام بل هو يوم الأفعال.
نامت الكلمات، ورأت في نومها أنها قد تسلحت بأحدث الأسلحة وتهاجم أعداء الناس وترغمهم على الركوع والتلويح بالرايات البيض.
بين الأنبل والأنذل
قالت أنبل الكلمات إن عشاقها الحقيقيين هم العشاق الحقيقيون للحرية، وأي قول آخر هو هراء، ولكن أنذل الكلمات صاحت حانقة مطالبة الطغاة بالمسارعة إلى القضاء على كل العصاة وأمهاتهم وآبائهم وزوجاتهم وأطفالهم زاعمة أن الحقل لا يعطي بسخاء إلا إذا تخلص من العشب الضار.
راية للجميع
ابتكرت الكلمات الغاضبة راية سوداء، فمشى وراءها المظلومون والظالمون.

زكريا تامر

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    الحرية هى أقدس شيء خلقه الله فينا
    لقد خيرنا سبحانه باتباعه أو معصيته
    من شاء فاليؤمن ومن شاء فليكفر

    نريد ان نتنفس بحريه الرأي والعباده لله ولا نريد القيود وعبادة السلطان

    ولا حول ولا قوة الا بالله

إشترك في قائمتنا البريدية