تصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن المتناقضة تثير ضجة كبيرة. على سبيل المثال عندما قال إن وقف إطلاق النار في غزة مرهون بإطلاق حماس سراح المحتجزين. وفي الوقت نفسه قالت حركة حماس إن الموقف الأمريكي يظهر الانحياز لإسرائيل ويشكل تراجعا عن نتائج المفاوضات.
تصريحات الرئيس الأمريكي الأخيرة تظهر مدى التباين في تصريحاته بين الأمس واليوم، وقد جاءت محادثات باريس والدوحة والقاهرة بناء على دعم أمريكي يستند الى أسس تبادل الأسرى، وهذا بعلم الإدارة الأمريكية وبإيعاز منها.
ماذا جرى لبادين عندما أعلن وقف الحرب مقابل إطلاق سراح الرهائن؟ الحقيقة أن هنالك رجل أعمال إسرائيليا هدد بوقف تمويل حملة بايدن الانتخابية في حال تم إيقاف شحن طائرة الأسلحة الامريكية لإسرائيل، وتبعه بعد ذلك الكثيرون من الممولين اليهود الذين هددوا بايدن بمقاطعة تمويل حملته الانتخابية المزمع أن تبدأ خلال الشهور القليلة المقبلة.
بالحديث عن اضطراب المشهد السياسي للرئيس الأمريكي نشير الى أنه لا يستند الى أرضية صلبة من أجل الوقوف في وجه إسرائيل، وما تصريحاته الأخيرة حول عدم إرسال شحنة القنابل لإسرائيل إلا من أجل كسب الناخب العربي والإسلامي في الولايات المتحدة الأمريكية. اذن بايدن على مفترق طرق اليوم، لا يستطيع أن يرضي اللوبي الصهيوني في بلاده، ولا يقدر على إرضاء الناخب العربي والإسلامي. إنه في حيرة من أمره، ولا يعرف أين تميل كفة الميزان، فيحاول قدر الاستطاعة أن يمسك العصا من الوسط، وهذا أيضا صعب في ظل معادلة صهيونية وصوت ناخب صهيوني وداعم مالي يهودي.
بدون شك لا تسير الأمور في ظل هذه المعطيات لتصب في صالح القضية الفلسطينية، بل على العكس، تزيدها سوءا. لقد لاحظنا الهجوم الشرس من قبل الطغمة اليمينية الحاكمة في إسرائيل على الرئيس الأمريكي، وعلى رأسهم إيتمار بن غفير حينما اتهمه بالاصطفاف مع أعداء إسرائيل، ووصف مساعيه للضغط على تل أبيب بأنها خاطئة، وقال إن إدارة بايدن «تضر بالمجهود الحربي الإسرائيلي». ويعتقد أن المرشح الرئاسي الجمهوري دونالد ترامب سيمنح إسرائيل يدا أكثر حرية للقضاء على حماس.
دولة الاحتلال لم تكن يوماً جادة في تحقيق السلام في المنطقة قبل أن تحقق هدفها الاستراتيجي بالاستيلاء على الضفة الغربية وبعلم الولايات المتحدة
في الأثناء نجد أن الإدارة الأمريكية لا تحرك ساكنا للرد على تصريحات وزير الأمن القومي بن غفير أو وزير المالية سموتريتش، وتعتبر ذلك حرية رأي. في المقابل نجد أن المس برموز الحكام في البيت الأبيض من قبل غير اليهود بمثابة تعد على تلك الرموز. تلك هي السياسة الامريكية وهذا نهجها وكيلها بمكيالين.
لا يُغفل فإن التنافس الانتخابي الأمريكي المفروض أن يبدأ خلال شهور بين الديمقراطي والجمهوري سيكون عنوانه العريض طرق دعم إسرائيل والتفنن فيها، حتى يضمن الرئيس المقبل للولايات المتحدة الأمريكية الفوز برئاسة البيت الأبيض، فهو يبحث عن سبل لإرضاء إسرائيل. المفيد كل ما يجري اليوم من تعنت إسرائيلي وتبجح والوقوف في وجه أمريكا مرده لحجم الثقل البشري والمالي اليهودي داخل الولايات المتحدة، لهذا السبب شكل أنهاء الحرب في غزة لا يبدو واضح المعالم، والنصر الفلسطيني يبدو أيضا بعيدا المنال في ظل دعم غربي وأمريكي غير محدود لإسرائيل، حتى في أوروبا لليمين المتطرف هناك كلمة ليست بأقل من حجم اللوبي اليهودي الضاغط في أمريكا. اليمين المتطرف في أوروبا يلتقي كثيرا مع اليمين الصهيوني، وهو في الاتجاه نفسه: محاربة الهجرة، وتهجير العرب والمسلمين من أوروبا، لتبقى أوروبا للأوربيين فقط. وهذا ما يريده اليمين الصهيوني الذي يسعى لتهجير الفلسطينيين من غزة والضفة الغربية لتصبح إسرائيل، على حد قولهم، يهودية خالصة، وستعمل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة في المدى البعيد على سن القوانين التي تؤمن لها عملية الإقصاء الدائمة والتهميش المستمر للأقلية العربية في الداخل التي يبلغ تعدادها نحو 1.4 مليون عربي فلسطيني. وقد عقدت مؤتمرات بمسميات عديدة لطرح أفكار عن الهاجس الديمغرافي الإسرائيلي جراء التزايد الطبيعي المرتفع بين العرب، وهذا ما حصل فعليا في مؤتمرات هرتسيليا السنوية ما يفسر حقيقة الهدف وراء الشرط الإسرائيلي الجديد.
لن نضيف جديداً إذا قلنا إن دولة الاحتلال لم تكن يوماً جادة في تحقيق السلام في المنطقة قبل أن تحقق هدفها الاستراتيجي بالاستيلاء على الضفة الغربية وبعلم الولايات المتحدة. كانت دائماً تستخدم ما يعرف بـ «عملية السلام» كغطاء لسياسة الاستيطان، وهي سياسة لم تتوقف مع أي اتفاق تتوصل إليه مع أي طرف عربي. والشرط الأخير ليس إلا أسلوباً جديداً للممانعة في تحقيق السلام. إسرائيل كانت ولا تزال تصر في كل مفاوضاتها مع الأطراف العربية على أمرين: رفض وقف أو تجميد الاستيطان، ورفض تحديد هدف نهائي، أو سقف زمني للمفاوضات. ولن تقبل أيا من ذلك قبل تحقيق الاستيلاء على الأرض.
إن شرط الاعتراف العربي بالهوية اليهودية لـ «إسرائيل» هو محاولة جديدة للحصول على غطاء سياسي عربي للسياسة نفسها، وإذا رفض العرب ذلك، فلن تخسر «إسرائيل» كثيراً.
حاصل القول، وبناء على ما سبق، ثمة حقيقة لا بد من التوقف عندها تتلخص في تماهي المشروع الأمريكي في المنطقة مع المشروع الإسرائيلي، فهما وجهان لعملة واحدة، الهدف هو الهدف والاستراتيجية نفسها. لا نستغرب تحول تصريحات أي رئيس أمريكي سواء كان جمهوريا أو ديمقراطيا، فهي سياسة يراد منها كسب السذج، وذر الرماد في العيون. إن حل الدولتين، حسب الخطاب الأمريكي، أفرغ من محتواه سلفاً «دولة فلسطينية منزوعة السلاح» فالمخطط الإسرائيلي الأمريكي هو مزيد من تهويد الضفة الغربية وغزة وتهويد القدس.
كاتب فلسطيني