تمجيد الهجرة

حجم الخط
0

الهجرة من البلاد تشغل بالي منذ سنوات. في بداية الثمانينيات شغلت منصب رئيس لجنة الهجرة والاستيعاب في الكنيست وموضوع الهجرة المضادة كان في مركز الاهتمام. تحدثنا مع المهاجرين عن امكانية عودتهم، التقينا بمهاجرين من رجال البلماخ السابقين في الولايات المتحدة، مع بنات لهم لا يمكنهن أن يتواصلن بالعبرية. كنا عالقين في الوعي الصهيوني التقليدي الذي رفض الهجرة من البلاد ووعظ بهجرة اليهود الى البلاد. وكانت اسرائيل في حينه مختلفة، حيث ساد الوعي الاجتماعي وليس فقط الفردي، وكان لديها ما تعرضه.
أتذكر أنه في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة في العام 1972، رافقت حملة يوبرت همفري، الذي هزمه في النهاية جورج ماكوورن.
وعندما وصلنا الى نقطة الانعطاف الاولى قال همفري «يوجد معنا شاب من اسرائيل. أنا أحب هذه الدولة، لأنها ديمقراطية في طبيعتها وثقافة «نحن» تسود هناك مقارنة بثقافة «أنا» عندنا». وأضاف: «إني اؤدي التحية لدولة فوارق الاجور فيها متدنية للغاية».
ومنذئذ اكتسب الوعي الرأسمالي السيطرة. فالخصخصات، التي حسنت احيانا الخدمات العامة، قلصت مسؤولية الدولة عن مواطنيها. ذات مرة كان للشباب تأمين اجتماعي معين. كان لهم راتب غير عال، ولكنهم كانوا مؤمنين ماليا لشيخوختهم. أما في اسرائيل اليوم فثقافة «أنا» سائدة، الحوار بين الاطفال هو عن ممتلكات الاهالي، وكأن هذا هو رمز المكانة المحترمة.
للانسان الفرد يوجد حق في أن يختار طريقه في الحياة وأن يقرر أين يكون منزله. ليس عندي شيء ضد انسان يقرر أن يعيش في لندن أو في برلين، ولكني حاولت ـ مع آخرين ـ أن اقنع بأن اسرائيل هي المكان الصحيح لتربية اطفال يهود واسرائيليين. ثمة فارق في نظري بين قرار فردي وبين محاولة جعله مشروعا جماعيا.
حتى انسان مثلي، يعيش في نزاع مع الواقع في البلاد، يرى المستقبل الاقتصادي الصعب الذي أنتظار الشباب الذين ينمون هنا، يمقت السلوك السياسي والمدني للحكومة، غير قادر على أن يحتوي الوعظ للهجرة من البلاد. لست متفاجئا من أن معدلات الهجرة المضادة قلت ولم ترتفع كما ينعكس، ربما، من الوعظ بالهجرة المضادة الجماعية. فالعالم ليس مغريا مثلما كان قبل ثلاثين أو اربعين سنة. اوروبا والولايات المتحدة توجدان في ازمات اقتصادية واجتماعية غير سهلة. وفكرة وعاء الطعام آخذة في التشوش وذلك لأن الوعاء ليس مليئا والطعام لم يعد لذيذا كما كان.
ولكن لا ينبغي أن نخفي حقيقة أن ثمة شبابا يهاجرون الى برلين وليس فقط اليها. عندي احساس بأن حجوم الهجرة المضادة قد لا تكون ارتفعت، ولكن مستوى المهاجرين يوجد في ارتفاع متواصل. أفضل الفتيان ذوو الماضي من العطاء والمساهمة، ذوو التعليم والمهن المتنوعة، يختفون عنا ولديهم الشجاعة والوقاحة لأن يدعوا الآخرين بأن يأتوا في أعقابهم.
اليوم ايضا علينا أن نتذكر دون وازع من الندم بأن اسرائيل هي الوطن القومي للشعب اليهودي، الذي يعيش في البلاد مع سكان عرب كثيرين. لقد أقام الدولة علمانيون ذوو رؤيا.
آمنوا بدولة يهودية ذات طابع علماني، تُقدر وتحترم تقاليد اجيال الشعب، ولكن بدلا من أن نسير نحو فصل الدين عن الدولة، فاننا نتجه الى ثيوقراطية ظلماء، يرافقها تطرف سياسي وعلائم قومية متطرفة لم يتميز بها جيل مؤسسي الدولة.
ضد هذه الاتجاهات ينبغي الكفاح هنا، في البلاد. في تل ابيب، في رحوفوت وفي الخضيرة، لا في برلين وفي نيويورك. هذا في واقع الامر كل الموضوع.

هآرتس 20/10/2014

عوزي برعام

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية