الخرطوم ـ «القدس العربي» : على الرغم من التحركات الواسعة التي قامت بها السلطات السودانية، لإقناع مجلس الأمن الدولي بأن الوقت قد حان لرفع العقوبات الخاصة بالنزاع في دارفور، إلا أنه قام بتمديد ولاية الخبراء الدوليين لمراقبة الأوضاع في السودان واستمرار الحظر الخاص بالسلاح والعقوبات المالية الأخرى، حتى 12 مارس/ آذار 2024.
وفي وقت امتنعت كل من روسيا والصين عن التصويت، أيد 13 عضواً في المجلس مساء أول أمس الأربعاء، تمديد العقوبات.
وسارعت وزارة الخارجية السودانية، في بيان، لوصف العقوبات بـ«غير العادلة» مشيرة إلى أنه «على الرغم من ذلك، بتبنّى مجلس الأمن الدولي القرار رقم (2672) الذي وضع قيداً زمنياً لرفع هذه العقوبات مدته ثمانية عشر شهراً، لأول مرة منذ فرض هذه العقوبات قبل 18 عاماً.
وخلال جلسة اعتماد القرار، وفق البيان، اعتبر ممثلو الغابون، غانا، موزامبيق، الإمارات، روسيا، الصين، والبرازيل، أن عقوبات مجلس الأمن التي فرضت بسبب النزاع المسلح في دارفور «لم تعد تلائم واقع الحال في دارفور، كما أن السلطات في السودان تبذل جهودا من أجل تحسين الأوضاع في دارفور».
وبينت هذه الدول أن «اتفاقية جوبا للسلام ووقف إطلاق النار في الإقليم، وتطبيق الخطة الوطنية لحماية المدنيين وإجراء السلم والمصالحات الأهلية، تستدعي رفع هذه العقوبات غير العادلة، والتي أصبحت معوقاً لإقامة السلم وحفظ الأمن في دارفور».
ووصفت ما سبق بـ «الإنجاز الكبير الذي بموجبه يمكن العمل على إنهاء العقوبات بعد إدخال فقرة المهلة الزمنية للقرار».
كذلك أكدت كل من روسيا والصين على «تحقيق السودان تقدما إيجابيا كبيرا في دارفور بالتوقيع على اتفاقية سلام جوبا والاتفاق السياسي الإطاري، وأن العقوبات لم تعد الوسيلة المجدية لتحقيق الأمن والسلم بل معيقة لفرض الاستقرار والأمن في دارفور، وأنها أصبحت وسيلة لخدمة المصالح القُطرية لبعض الدول مما يتنافى مع ميثاق الأمم المتحدة».
وقال نائب السفير الصيني في الأمم المتحدة، غينغ شوانغ، إن هذه العقوبات «عفا عليها الزمن ويجب أن ترفع لجهة تحسن الأوضاع في السودان» على حد قوله.
واندلعت الحرب في إقليم دارفور في في مارس/ آذار 2003، وحسب إحصاءات الأمم المتحدة يقدر عدد الضحايا بـ300 ألف قتيل بالإضافة إلى نزوح ولجوء نحو مليوني شخص.
وقبل أكثر من عامين وقعت الحكومة الانتقالية السودانية اتفاقا مع «الجبهة الثورية» المكونة من عدد من الحركات المسلحة والتنظيمات المعارضة، إلا أن تنفيذ الاتفاق، الموقع في 3 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، خاصة البنود الخاصة بالترتيبات الأمنية، والذي كان من المنتظر أن يقود لتهدئة الأوضاع في الإقليم، تعثر بشكل كبير. كما تواصلت النزاعات التي راح ضحيتها نحو 1000 قتيل في دارفور منذ انقلاب القائد العام للجيش عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021.
وفي عام 2005 أصدر مجلس الأمن الدولي القرار رقم (1591) لعام 2005، الخاص بالنزاع في دارفور، الذي أقر إنشاء لجنة عمل العقوبات الدولية بشأن دارفور، المؤلفة من خبراء تابعين للأمم المتحدة، وفي عام 2014 تم توسيع نطاق هذه العقوبات لتشمل الحظر العسكري وحظر سفر الأفراد الذين تحددهم اللجنة وتجميد أصولهم المالية.
وكانت السلطات السودانية قد أبلغت سفراء الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي في الخرطوم، الشهر الماضي، مطالبها بإنهاء نظام العقوبات المفروض على السودان بموجب قرار مجلس الأمن رقم (1591) للعام 2005م، الخاص بالنزاع في دارفور، والذي يقوم مجلس الأمن بتمديده بشكل دوري سنويا.
ترتبط بالنزاع في دارفور… محلل سياسي: عدم اكتمال الانتقال عزز قرار مجلس الأمن
وعقد وزير الخارجية السوداني المكلف السفير علي الصادق، وقتها في مقر الوزارة في الخرطوم، اجتماعا مع سفراء الدول الأعضاء الدائمين وغير الدائمين في مجلس الأمن.
وقالت وزارة الخارجية إن اللقاء خصص لإبلاغ سفراء هذه الدول موقف السودان المطالب بإنهاء نظام العقوبات المفروض على السودان، على خلفية اندلاع النزاع في دارفور.
وأشار الصادق إلى أن الأوضاع في السودان تختلف كليا في الوقت الراهن عما كانت عليه في عام 2005، وقت فرض العقوبات، وأن التطورات الجارية في السودان تستلزم دعم المجتمع الدولي لجهود الأطراف السودانية نحو انتقال سلس نحو الديمقراطية.
وأكد أن تنفيذ اتفاق السلام، الموقع في أكتوبر/ تشرين الأول2020، خاصة البنود المتعلقة بالترتيبات الأمنية يتطلب رفع هذه العقوبات وإنهاء ولاية فريق الخبراء المكلف وفق القرار 1591، كما طالب الوزير السفراء بإبلاغ حكوماتهم بموقف السودان، معبرا عن تطلعه لدعم هذا الموقف عند مناقشة الأمر في مجلس الأمن.
وخلال زيارته للخرطوم، في 7 فبراير/ شباط الماضي وعد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، بدعم السلطات السودانية، لرفع العقوبات التي فرضت عليه من قبل مجلس الأمن الدولي، مؤكدا على الدعم المتبادل بين الجانبين في القضايا الثنائية والدولية.
ورأت أستاذة العلاقات الدولية في جامعة الخرطوم، تماضر الطيب، في حديثها لـ «القدس العربي» أن «الأوضاع في السودان، في الوقت الراهن أسوأ مما كانت عليه، في ظل تعدد الجيوش وعدم الاستقرار الأمني والسياسي في البلاد وفي إقليم دارفور بشكل خاص».
وقالت إنه «على الرغم من أن السلطات السودانية تتحدث عن تغييرات، لكنها بالتأكيد ليست للأفضل» مشيرة إلى أن مجلس الأمن الدولي «سيواصل تمديد العقوبات طالما استمرت الأوضاع على ما هي عليه الآن».
ولفتت إلى أن «الانقلاب العسكري تسبب في تدهور الأوضاع الأمنية والسياسية في البلاد، في ظل انتشار السلاح وتواصل النزاع في دارفور» متسائلة: «كيف يرفع مجلس الأمن العقوبات التي من بينها حظر الأسلحة في ظل وجود ميليشيات تقرها القوات المسلحة السودانية كجزء من المنظومة العسكرية في البلاد، فضلا عن شبهات وجود علاقة بين بعض هذه المكونات وشركة فاغنر الروسية».
وتعتقد تماضر أن الرسالة التي وضعها مجلس الأمن الدولي في بريد السلطات السودانية بتمديد العقوبات حتى مارس/ آذار 2024، أنهم «ليسوا جهة موثوقا فيها وأنه حتى حال تشكيل حكومة مدنية، سيواصل المجلس مراقبة الأوضاع حتى العام المقبل بما يتضمن تنفيذ اتفاق السلام».
وأضافت: «إذا لم يحدث استقرار حقيقي في دارفور، والذي لن يحدث حال تواصلت مشاركة بعض المجموعات العسكرية السودانية في حروب بالوكالة في المنطقة، وانتشار السلاح في دارفور، من الصعب رفع العقوبات» مشيرة إلى الأوضاع المعقدة في الإقليم الواقع غرب البلاد.
كذلك رأى المحلل السياسي أمين مجذوب أن «تمديد العقوبات المفروضة على السودان كان متوقعا» مشيرا إلى «عدم تنفيذ اتفاق جوبا للسلام، وبالتحديد البروتوكولات الخاصة بالترتيبات الأمنية وتقديم التعويضات للضحايا والبنود الخاصة بعودة النازحين إلى قراهم».
وأضاف: «لا تزال الأسباب الأساسية التي فرضت بموجبها العقوبات في إقليم دارفور موجودة، وأيضا التقارير التي رفعتها بعثة اليونيتامس الخاصة بتأخر التسوية السياسية وعدم اكتمال الانتقال الديمقراطي وتشكيل الحكومة المدنية عززت قرار تمديد العقوبات عاما آخر».
ورأى أن «السياسة الخارجية للسودان تحتاج إلى التعديل وفق قراءة واضحة للاستراتيجية الدولية والإقليمية لتتماشى مع متطلبات المجتمع الدولي الذي ينظر للسودان كواحدة من مناطق الأمن الدولي، خاصة في مسألة الأمن الإنساني والغذائي».
وأشار إلى أن «تكوين الحكومة المدنية سيساعد السودان على الاندماج في المجتمع الدولي ومن ثم اكمال بروتوكولات اتفاق جوبا للسلام وفقا لما تم الاتفاق عليه من مصفوفة محدثة الشهر الماضي. كل ذلك، ربما يساعد في إزالة هذه العقوبات وإغلاق ملف أزمة دارفور بشكل نهائي».
وفي حال استمرار إدارة الأزمة في دارفور بالطريقة الحالية ذاتها ربما «تمدد العقوبات لأعوام أخرى» حسب مجذوب، الذي أضاف: «ما لم يتم التنسيق ما بين تقوية الجبهة الداخلية والخارجية وإكمال التسوية السياسية واتفاق السلام، لن تستطيع البلاد تفادي مثل هذه القرارات» التي رأى أن «المواطن والاقتصاد السوداني أكثر المتضررين منها».
التطبيع مع الكيان لم يعطي اي فائدة اذا !
غياب العدالة، يجعل بعض المواطنين يشعر أو حتى يعيش حالة الغبن، وهنا تبدأ الخلافات والنزاعات….الخ ويفتح المجال لتدخل المنظمات والدول الأجنبية في الشؤون الداخلية وبعدها فرض العقوبات على جميع المواطنين.