يسهل أن نفهم لماذا نشبت ازمة بين يئير لبيد والليكود بشأن المساواة في العبء، ويصعب أن نفهم حتى بعد احاديث طويلة مع المشاركين في القضية، لماذا تدهورت وأصبحت تهديدا معلنا حادا بنقض عُرى الائتلاف. يسهل أن نفهم أن لبيد والليكود مختلفا النظرة الى قضية تجنيد الحريديين، فهي عند لبيد الراية التي أدت به الى انجاز في الانتخابات، وهي الحفاظ على الثقة به في نظر ناخبيه؛ وهي عند يعلون ملاحظة هامشية. يوجد مسار طبيعي لدخول الحريديين الى المجتمع لا يجوز التشويش عليه. اتفق الطرفان على أهداف عددية لتجنيد الحريديين بخط صاعد من 3300 هذه السنة الى 5200 في 2016. ونشأ الخلاف في سؤال ماذا سيحدث اذا لم يُملأ النصاب وحينما لا يُملأ. يطلب ‘يوجد مستقبل’ ان تُستعمل على الحريديين فورا تعليمات قانون الخدمة الامنية. فيُعد كل أب صغير لا يُجند للجيش آبقاً ومخالفا جنائيا؛ ويرفض وزير الدفاع بوغي يعلون الطلب رفضا باتا فهو يقترح ترك التقدير لوزير الدفاع. تبين أن كثيرا من نوايا الوزراء الخيرة اثناء العمل في القانون، غير عملية. ومن جملة ما تبين أنه لا يمكن فرض عقوبات مالية على متهربين من الخدمة ـ فهي غير دستورية وغير قيمية وغير عملية؛ وتبين انه توجد فجوة واسعة بين الجيش الاسرائيلي، الذي يريد وقف جميع المدارس التمهيدية الخاصة حتى تلك المتعلقة بالشباب الطلائعيين والمعاهد التحضيرية، والساسة من الطرفين الذين يشغلون أنفسهم بصراع على الحريديين. إن لبيد على يقين من ان إصرار يعلون والليكود كله على أثره، مؤامرة ترمي الى إفراغ قانون المساواة في العبء من مضمونه، فلن يُجند الحريديون أو لن يُجندوا على كل حال بالعدد المطلوب، ويهتم يعلون باعفائهم من العقاب؛ وهو على يقين ايضا من ان تخليه عن هذا الطلب يوقع ضربة شديدة أو ربما ضربة بالغة بمنزلة حزبه. وقد قال لي أمس أحد المقربين منه، ‘سنعيش مع هذا القانون أو نموت’. إن يعلون على يقين من ان طلب ‘يوجد مستقبل’ اعلان حرب للوسط الحريدي. وبدل ان يزيدوا مشاركة الحريديين في الجيش والخدمة المدنية والقوة العاملة سيدفعونهم الى الانطواء على أنفسهم. وقال لي أمس: ‘كل حيوان في الطبيعة تهاجمه ينطوي على نفسه فورا، وهذا ما سيحدث في الوسط الحريدي’. عمل نتنياهو الى أمس في احراز مصالحة ودُعي نفتالي بينيت الى الوساطة فاجتمع مع نتنياهو أولا ومع لبيد بعد ذلك في مكتبه في الكنيست. وشارك في اللقاء مع بينيت ايضا هيلل كوبرنسكي رئيس مقر عمل ‘يوجد مستقبل’ وداني فسلي رئيس مقر عمل وزير المالية. ووافق يعلون على صيغة مصالحة وسعت هوية متخذي القرارات، فلم يعد وزير الدفاع وحده بل وزير الدفاع بتوصية من الحكومة وموافقة لجنة الخارجية والامن. وزعم يعلون ان ممثل ‘يوجد مستقبل’ الوزير يعقوب بيري الذي ترأس اللجنة الوزارية وافق على المصالحة لكن لبيد رفضها. سألت يعلون: ما هو خطك الاحمر. فقال ‘لن أوافق على ان يطبق قانون الخدمة الامنية على الحريديين على نحو آلي’. وهذه نقطة حرجة من وجهة نظر لبيد لأنه اذا لم يفهم الحريديون أنه ينتظرهم عند أقصى التهرب من الخدمة عقاب جنائي من غير تدخل السياسة والحماية فلن يُجندوا. وكان من الصحيح الى أمس أن لبيد تحصن في موقعه، فهو يراه في جملة ما يراه امتحان شخصية، وكان من الصحيح الى أمس ان يعلون على يقين من ان الحديث عن حيلة سياسية. وقد نطق الطرفان بعبارتي ‘دي جي فو’، و’كنا في هذا الفيلم’. وتفجر التفاوض في توصيات لجنة بلسنر في الحكومة السابقة بطريقة مشابهة على نحو عجيب، مع يعلون الذي فرض في آخر لحظة اعتراضا على الخطة المقترحة، ومع ليبرمان الذي يُصر على أن يشمل بها العرب ايضا، ومع نتنياهو الذي يريد الحفاظ على حكومته وان يسلك سلوكا بالغا مسؤولا بأن يتسم بالمساواة في العبء ويغمز الحريديين ايضا. هذه ازمة ثقة في أساسها ولهذا فهي صعبة جدا. ومصدرها احساس لبيد بأنه لا يوجد في الحكومة مساواة في العبء وهم يتوقعون منه ان يتصرف بمسؤولية وان يبتلع كل الانتقاد الذي يوجه اليه بصفته وزير المالية، وان يغطي على الأخطاء الاقتصادية للحكومة السابقة ويجيز ميزانية عامة. في حين يقضي وزراء الليكود واعضاؤه في الكنيست الوقت في استجمام. وتعلم على جلده ما علِّم به آخرون قبله وهو ان الليكود ليس حزبا حاكما، فحينما يطلب مساعدة في اللجنة المالية يُبينون له أن لغيلا غملئيل مُركزة الائتلاف في اللجنة أجندة خاصة بها، وان روبي ريفلين غاضب وان حاييم كاتس متمرد وان موشيه فايغلين مستخف بهم. ويتهرب اعضاء الكنيست من الليكود من العمل، في حين يفي اعضاء الكنيست من ‘يوجد مستقبل’ بنصيبهم في الائتلاف. ويعيق يعلون قانونا تحت جنح الظلام ويهرب نتنياهو الى الصين في الايام التي يتعرض فيها الجمهور لاحكام الميزانية الصعبة ويدعه يحارب عن الميزانية العامة وحده. كتب لبيد في فترة الاحتجاج منشوره الذي دعا الى تمرد الطبقة الوسطى الاسرائيلية، وهو ”. وهو يشعر الآن بأنه أصبح هو نفسه عبدا عبد المصالح والحيل الاعلامية وشعور نتنياهو والليكود التهكمي. يمكن حل الازمة بطريقة سهلة وبسيطة وسريعة، وهي طريقة لا احتمال، لأن يختارها الساسة. وخطرت هذه الطريقة ببالي حينما أوضح لي يعلون أمس ان ما أفشل ‘قانون طال’ لم يكن هو القانون نفسه، بل حقيقة ان حكومات اسرائيل لم تنفذه. ليس الحريديون مذنبين لأنهم لا يُجندون، بل الجهاز الذي لا يستطيع تجنيدهم. وأنا أقترح ان يرد في القانون ان وزير الدفاع مسؤول عن الوفاء بهدف التجنيد. واذا لم يمتلئ النصاب فلا يتحمل الحريديون العقوبة، بل وزير الدفاع فيضطر الى الاستقالة. وهكذا يُضمن ألا يُذل لبيد وحزبه على الملأ؛ وألا يستطيع وزير الدفاع التهرب من ملء النصاب بل يبذل جهده كله للوفاء بذلك؛ ولن تكون حاجة الى ارسال دبابات الى بني براك ويستطيع الليكود ان يزعم انه أسهم في المساواة في العبء. أعلم انه لا أمل لاقتراحي وقد حاولت فقط.