كما في كل عام، أعلن مكتب الأمم المتحدة في العراق، في اليوم العالمي للمرأة «التزامه بدعم حقوق النساء والفتيات في العراق، والدعوة لتسريع تمكينهن وكذلك تعزيز المساواة بين الجنسين» مما يأخذنا إلى محاولة النظر في تفاصيل ما حققته إعلانات الالتزام بـ«التمكين» حتى الآن، وخلفية أسباب التدهور المُزمن في وضع المرأة؟
يتزامن يوم المرأة العالمي، منذ عشرين عاما، مع شهر تنفيذ مشروع القرن الأمريكي الجديد في العراق «لتشكيل قرن جديد يلائم المبادئ والمصالح الأمريكية». وكان غزو واحتلال العراق خطوته الأولى للامتداد في بقية البلدان العربية. وكان قدر المرأة العراقية أن يكون «تحريرها» أحد أسباب التسويق الإعلامي لسردية الحرب العدوانية. وما كان ذلك سيحدث لولا مشاركة «نسويات استعماريات» جمعن بين المصلحة الشخصية والرغبة بالانتقام وكسب المناصب. جراء ذلك حصدت المرأة، عموما، انعكاسات سياسة تجمع ما بين لا أخلاقية السياسة الخارجية المبنية على الهيمنة والاستغلال للغزاة. بالتحالف مع العمل على بعث الحياة في تقاليد كانت المرأة قد تجاوزت معظمها في مسيرة نضالها من أجل التحرر الوطني والمجتمعي. حيث كادت أن تصل إلى قمة هرم توفر الاحتياجات الإنسانية التنموية كالتعليم والصحة والعمل والانخراط في المجال العام، وما يترتب على ذلك من مشاركة سياسية، لولا حماقة النظام السابق في غزو الكويت، بعد حرب 8 سنوات مع إيران، وتوفير الأرضية الملائمة لفرض الحصار القاتل بقيادة أمريكا وفتح بوابات البلد للغزاة عام 2003.
والآن بعد عشرين عاما من الغزو… ماذا عن المرأة؟ عن تحريرها أو ادعاءات تحريرها؟
أولا: هناك حقيقة، مدعومة بالأرقام والإحصائيات، علينا ألا ننساها، آخذين بنظر الاعتبار أن ربع سكان العراق، هم بعمر سنوات الغزو والاحتلال. الحقيقة التي يجب أن تبقى محفورة في الذاكرة الوطنية، كما في جزائر الشهداء، كما في فيتنام هي أن مليون رجل وامرأة وطفل كانوا ضحايا الغزو والاحتلال أما بشكل مباشر أو غير مباشر. هذه الحقيقة، هذه التكلفة الباهظة من حياة المواطنين، يجب أن تكون العدسة التي ننظر من خلالها إلى واقع الحال العراقي، عموما، والمرأة خاصة، حاليا ومستقبلا. وأن نواصل النظر والتذكير. فكل من ساهم بالتطبيل للاحتلال وادعاءات التحرير سواء في أمريكا وبريطانيا وغيرهما من دول تحالف الغزو، بالإضافة الى من تعاون معهم من عراقيين، يريدون مسح هذه الحقيقة، آملين إصابة الشعب بالخرف وفقدان الذاكرة. هل رأيتم مجرما يُذكِر الناس بجريمته؟ وهل رأيتم قاتلا يرفع يديه المغطاة بالدماء معترفا بجريمته؟ ولنا في رئيس وزراء بريطانيا السابق توني بلير والرئيس الأمريكي جورج بوش أمثلة يتسابق على محاكاتها مسؤولو « العراق الجديد».
لا يمكن إطلاقا أن تتحرر المرأة بدون تحرر الرجل معها (شريكا الوطن) من كل أشكال الهيمنة والاستغلال الخارجية والداخلية، مهما كانت التسميات، سواء كانت احتلالا عسكريا استيطانيا أو استعماريا جديدا، بلا معسكرات على أرض البلد المُحتل، بل عبر منظومة القوة الناعمة والطائرات القاتلة
ثانيا: لا يمكن إطلاقا أن تتحرر المرأة بدون تحرر الرجل معها (شريكا الوطن) من كل أشكال الهيمنة والاستغلال الخارجية والداخلية، مهما كانت التسميات، سواء كانت احتلالا عسكريا استيطانيا أو استعماريا جديدا، بلا معسكرات على أرض البلد المُحتل، بل عبر منظومة القوة الناعمة والطائرات القاتلة عن مبعدة (الدرونز) و«معاهدات» التضليل المبنية على أن تواجد قوى الاستغلال يتم بناء «على دعوة الحكومة المحلية» والشراكة الاستراتيجية في محاربة الإرهاب وتقديم الاستشارة والتدريب والدعم وتبادل الخبرة.
بطبيعة الحال، لا تغفل سيرورة القوة الناعمة وجود المرأة ولكن وفق منظور يُعزز أيديولوجية المُستعمر (ولنتفق أن القوة الناعمة تغليف جميل للاستعمار القديم والجديد) حيث تقدم لنا سنوات الاحتلال أمثلة صارخة حول كيفية تطبيق ذلك كله على حساب حياة المرأة وامتهان كرامتها، في ظل توليفة جمعت مصلحة المُستعَمر بمن تم تنصيبهم ورعايتهم أو السكوت على جرائمهم من المسؤولين العراقيين الذين وجدوا في إحياء الممارسات المجتمعية الموشكة على الانقراض، أو بقاياها في القوانين، خزينا وأداة لحجب صوت المرأة وتغييب وجودها.
ثالثا: لنفترض أن ما تعيشه المرأة العراقية اليوم، مرده بالدرجة الأولى، ليس التدهور الصحي والتعليمي والاقتصادي والأمني العام الشامل للبلد ككل، وليس الفساد العنكبوتي الهائل وغياب القانون، وليس فشل الدولة بمؤسساتها المتقاسمة بين أحزاب وميليشيات ترى في المواطن عبئا لا ضرورة لوجوده في بلد ريعي، وترى المرأة سلعة للاتجار والمتعة. فما الذي ستقدمه السردية الرسمية لتدهور وضع المرأة وماهي سبل المعالجة المقترحة؟ تركز معظم التقارير الدولية، بضمنها الأمم المتحدة والبنك الدولي والاتحاد الأوروبي بالإضافة الى تقارير الإدارة الأمريكية والحكومة البريطانية، على ضرورة مشاركة المرأة في الحياة السياسية وسوق العمل. ومنذ عشرين عاما والحل المُقترح لا يخرج عما يُطلق عليه تسمية» إطلاق برنامج جديد لتمكين المرأة». وتحتل مفردة «التمكين» أهمية قصوى في تقارير المنظمات الدولية وتكررها معظم منظمات المرأة المحلية لضمان حصول الدعم المادي لبرامج مستحدثة، تُطلق في ورشات بفنادق فخمة، بحضور عدد منتقى من نسوة، غالبا ما يكُّن جزءا من المنظومة الرسمية، ولا يجدن ضيرا في تنفيذ سياسة أحزابهن، على حساب المرأة. وفي الوقت الذي لا يكاد يخلو بيان أو تصريح رسمي من « العمل على تمكين» المرأة، بل وذهبت أمانة مجلس الوزراء أبعد من ذلك وأسست مديرية تمكين المرأة. التي ستشرف على ما أطلقت عليه «استراتيجيتها الوطنية للمرأة العراقية 2023-2030 «. وفي الوقت الذي تُركز فيه التقارير الدولية، عند إشارتها إلى وضع المرأة على «الهوية الجنسية والتوجه الجنسي، وقوانين الأخلاق» وهي حقوق على المجتمع والسلطات التشريعية والتنفيذية العمل على تحقيقها، ولكن ليس بمعزل عن بقية جوانب الحياة الكريمة للمواطنين جميعا. من الطفل إلى المرأة والرجل، من الريف إلى المدينة. من الصحة لإعادة تأهيل البنية التحتية لخدمات الرعاية الصحية الأولية، والتعليم والسكن والعمل. وبدون النية السياسية الوطنية النزيهة الصادقة سيبقى العراق على ما عليه الآن بوضعه الكارثي: وجود ما يقرب من 3 ملايين شخص (1.3 مليون طفل) في حاجة إلى المساعدة الإنسانية. ويشمل مليون شخص من ذوي الاحتياجات الإنسانية الحادة.
لا يزال حوالي 1.17 مليون نازح داخليًا نازحين في المخيمات والمستوطنات خارج المخيمات والمجتمعات المضيفة. أقل من 15 بالمئة من النساء يشاركن في سوق العمل. وتواجه النساء، خاصة، الاستغلال الجنسي والإيذاء والعنف القائم على النوع الاجتماعي والاتجار بالبشر وانعدام الأمن الاقتصادي وعدم كفاية الوصول إلى الصحة والتعليم والخدمات الأساسية الأخرى، أي الافتقار إلى وسائل العيش في ظروف آمنة وكريمة. وإذا لم يتم النظر إلى معالجة الأسباب الحقيقية وتشخيص المسؤولية ومساءلة المسؤولين، سيبقى «تمكين» المرأة، إعلانا ترويجيا للاستهلاك السياسي المحلي برعاية دولية.
كاتبة من العراق