كلف الرئيس التونسي قيس سعيّد مؤخرا السيدة نجلاء بودن رمضان بمنصب رئاسة الوزراء، في سابقة غير معهودة في العالم العربي. السيدة نجلاء بدورها شكلت وزارة تضم عددا من الوزيرات في ملفات مهمة مثل، العدل والمالية والتجارة والصناعة والتعاون الدولي. وهذه أول مرة تصل سيدة عربية منصب رئيس الوزراء، ولعل هذه السابقة تكون فاتحة طريق أمام الدول العربية الأخرى، للاقتراب من تكليف المرأة بمواقع سيادية ظلت من نصيب الرجال، منذ بدأت ظاهرة تشكيل الحكومات.
من جهة أخرى أصدر وزير الدفاع الكويتي في منتصف شهر أيلول/سبتمبر الماضي قرارا بالسماح للمرأة الكويتية بالانضمام للجيش، في المواقع والمراتب كافة، بما في ذلك العمليات القتالية. وهو قرار مهم ذو أثر كبير في منطقة الخليج بالتحديد، حيث حالت كثير من القوانين والتقاليد، دون إعطاء المرأة دورا حقيقيا في نهضة تلك البلدان وإدارتها. وأهمية هذا القرار تكمن في أن تجربة المرأة الكويتية في المساواة والترشح والانتخابات حديثة العهد، لم تتجاوز 16 سنة، بعد أن تم تغيير القوانين عام 2005 للسماح لها بالدخول في مجال المنافسة في الانتخابات التشريعية. سابقتان مهمتان واحدة في تونس أكثر البلدان العربية تقدما في موضوع حقوق المرأة، والأخرى في الكويت أكثر البلدان الخليجية انفتاحا وتجربة وصاحبة أهم البرلمانات القوية التي تحاسب الحكومة وتراقبها، فقد صدف وحجب الثقة عن ولي العهد المرشح من الأمير.
وأود أن أشير هنا إلى أن تعيين المرأة في منصب رفيع لا يعني أن المرأة حققت إنجازات كبرى على طريق المساواة والتمكين، فالطريق ما زال طويلا، وقد يكون تعيين المرأة في مناصب عليا أسلوبا من أساليب أنظمة الطغيان، للتعمية على عزلة النظام وافتقاده للشرعية، فيستخدم ورقة المرأة لعل ذلك يعطيه بعض الأميال الإضافية قبل وصول نهاية الطريق.
المرأة العربية والاقتراب من الوزارات السيادية
لقد تكررت ظاهرة تعيين وزيرتين أو ثلاث وزيرات في معظم، إن لم يكن كل الحكومات العربية، وغالبا ما توكل إليهن مناصب غير سيادية مثل، وزارات شؤون المرأة والشؤون الاجتماعية والسياحة، وأحيانا التعليم أو التعليم العالي، أو الشؤون الإدارية وغير ذلك. الأمور بدأت تتغير تدريجيا. الأردن فتح عهدا بتعيين ريما خلف نائبة لرئيس الوزراء ووزيرة للتخطيط عام 1999 وصولا إلى اختيار مريم الصادق المهدي، أول وزيرة خارجية عربية في الحكومة الانتقالية للسودان، لحقت بها نجلاء المنقوش في وزارة انتقالية أخرى في ليبيا. وفي لبنان تقلدت السيدة ريا حفار الحسن منصب وزير الداخلية في حكومة الحريري السابقة، أما في الحكومة الحالية فلا يوجد إلا وزيرة دولة لشؤون التنمية الإدارية، السيدة نجلاء (ثالث وزيرة عربية تحمل اسم نجلاء). هذا يبشر بإمكانية تجاوز الخطوط الحمر للمناصب السيادية في الدول العربية. فايزة أبو النجا تقلدت مناصب رفيعة في مصر منها، وزارة التخطيط والتعاون الدولي، والآن تشغل منصب مستشار الرئيس للأمن القومي وهو أعلى منصب تصل إليه امرأة في تاريخ مصر الحديث. أما في المغرب فقد اختار رئيس الوزراء الجديد عزيز أخنوش سبع سيدات في وزارته من بينهن، وزيرتا الاقتصاد والمالية، بينما ضمت وزارة العثماني أربع سيدات قلص عددهن بعد التعديل الوزاري إلى اثنتين. رئيس وزراء السلطة الفلسطينية محمد إشتية، أبقى على وزارتي المرأة والسياحة في أيدي النساء وأضاف إليهما وزارة الصحة. تقدم واضح لا شك. ولكن رغم تعدد المناصب التي شغلتها وتشغلها سيدات عربيات، إلا أنني لا أذكر عبر خبرتي الطويلة في الأمم المتحدة، أن سيدة عربية جاءت لتخاطب الجمعية العامة باسم بلادها في الدورة العادية، وفي النقاش رفيع المستوى الذي يبدأ ثالث ثلاثاء في شهر سبمتبر من كل عام. لكننا نشعر بالفخر لوجود عدد من السفيرات المؤهلات، بلغ عددهن في فترة واحدة خمس سفيرات ينتمين للأردن وعُمان والإمارات وقطر ولبنان. كما انتخبت سيدة عربية واحدة لرئاسة الجمعية العامة، لم تكن مؤهلة لذلك المنصب، فلغتها العربية غير متقنة وركيكة ولا علاقة لها بقواعد اللغة ولا بالنطق السليم للحروف، أما لغتها الإنكليزية فالمصيبة أعظم، فلا أحد يفهم عليها ما كانت تقول. لقد أساءت لنفسها وبلدها وللعرب جميعا عندما قبلت ذلك الموقع المهم لا لشيء إلا لأنها تنتمي للعائلة الحاكمة فتضاف صورتها على حائط صور رؤساء الجمعية العامة منذ إنشائها.
الطريق لتمكين المرأة في العالم العربي ما زال طويلا وتعيين مجموعة منهن في مناصب عليا لا يغير من حقيقة أنهن مهمشات وعرضة للتمييز والظلم
ومع هذا التحول في عدد الوزيرات، أو زيادة حصة المرأة في البرلمانات العربية، إلا أن وسائل إعلام الأنظمة الاستبدادية ما فتئت تتاجر بقضية المرأة، وتدعي أنها تنتصر لحقوق المرأة ورفع مستواها وتمكينها، وذلك بالتفاخر بعدد المناصب التي تحتلها المرأة، وكأن توزيع عدد محدود من الحقائب على بعض السيدات يعني أن البلاد بلغت ذرى المجد في تمكين المرأة، فلا يستطيع حاقد أن ينتقد الحكومة الرشيدة التي تسير حسب تعليمات رئيس البلاد، أو ملكها أو أميرها «نصره الله» ودوره في الرقي بالمرأة وتمكينها. ولا أعتتقد أن السيد قيس سعيّد يبتعد عن هذه الظاهرة التي يوظفها لدرء موجات النقد، بعد أن قام بعملية أقرب إلى الانقلاب الدستوري منه إلى عملية إصلاح أملتها ظروف طارئة. فقد أصدر فرمانات فردية منها القانون 117 بتاريخ 22 سبتمبر الذي أعطى لنفسه صلاحيات مطلقة تجاوزت الدستور والسلطتين القضائية والتشريعية ما عرضه لنقد حاد داخليا وخارجيا. نحن نرحب بظاهرة تعيين سيدات مؤهلات في مناصب رفيعة، لكن عملية تمكين المرأة، في رأينا، أوسع وأعقد وأشمل من ذلك بكثير.
التمكين الحقيقي للمرأة يبدأ بتغيير القوانين
في رأينا أن تمكين المرأة ينطلق من مبادئ ثلاثة يجب الأخذ بها مجتمعة: تغيير القوانين كافة التي تميز ضد المرأة، وتعاملها بطريقة ناقصة. وثانيا الالتزام بالمعاهدات الدولية المتعلقة بمحاربة التمييز ضد المرأة. وثالثا إدماج المرأة في عملية التنمية المستدامة. فتمكين المرأة يبدأ بتغيير القوانين الحالية المجحفة بحقها، خاصة ما يتعلق بتأخير سن الزواج، والتعليم الإلزامي وتسهيل التعليم الجامعي، وتحريم الختان وردع التحرش، وإلغاء العذر المخفف وعقاب مرتكبي جريمة الاغتصاب، وإعطاء المرأة حق التنقل والسفر والحضانة، ومنح الجنسية لأولادها وزوجها من غير جنسيتها، وإقرار نظام المحاصصة في البرلمانات والوزارات. أما الانضمام للاتفاقيات الدولية فهو أمر في غاية الأهمية، خاصة تلك التي تناهض التمييز ضد المرأة وتحرّم التعذيب والتهميش، واحترام حقوق اللاجئين واللاجئات، وحقوق العمالة الوافدة. لكن أهم اتفاقية دولية تتعلق بالمرأة هي ما يطلق عليها اتفاقية «سيداو» أو «الاتفاقية الدولية للقضاء على أشكال التمييز كافة ضد المرأة» التي تم تشويهها في العالمين العربي والإسلامي بشكل كبير وكأنها حرب على الإسلام.
والاتفاقية مكونة من ديباجة و30 بندا يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أجزاء: الجزء الأول يتعلق بمسؤوليات الدول نحو المرأة. والجزء الثاني يتضمن أشكال التمييز ضد المرأة وكيفية التخلص منها، ورفع مستوى المساواة تدريجيا. والجزء الثالث يتعلق بالإجراءات والمسائل الإدارية حول تفعيل الاتفاقية وكيفية تنفيذها. وقد انضمت للاتفاقية كل الدول العربية ما عدا الصومال والسودان، مع تثبيت عدد من التحفظات، خاصة على البنود (2 و 9 و 16). لكن المهم ليس الانضمام للاتفاقية، بل السعي الجاد لتغيير المسلكية العامة للدولة بالنسبة للمرأة، في القوانين والمقاضاة والحماية والتعويض ومنظومة العقوبات. والأهم من هذا أن الدولة بانضمامها تضع نفسها ضمن نظام المراقبة والمساءلة، ولا تعود تعيش داخل خيمة يملكها الحاكم ويتصرف فيها على هواه.
أما عن عملية التنمية فلا يمكن أن تنهض الأمم ونصف المجتمع مهمش، لقد اعتمد مجلس الأمن الدولي مجموعة من القرارات تتضمن إدماج المرأة في عمليات التنمية والمفاوضات السلمية، وعمليات حفظ السلام، خاصة القرار 1325 (2000). كما أن أهداف التنمية المستدامة (2030) تتضمن عددا من الأهداف المتعلقة بإدماج النساء والفتيات، خاصة في ميادين الصحة والتعليم ومحاربة الفقر ومحاربة التمييز والعنف، خاصة الهدف الخامس الذي يدعو للمساواة بين الجنسين. وتؤكد مراجعة هذا الهدف لعام 2020 على أن المرأة رغم العديد من المكاسب، إلا أنها لا تزال تواجه عددا من التحديات في القوانين التمييزية والأعراف الاجتماعية، كما أن تمثيل المرأة ما زال ناقصا على جميع مستويات القيادة السياسية والاقتصادية والإدارية. هذا عدا عن العنف الذي تتعرض له سيدة أو فتاة من بين كل خمس فتيات أو سيدات.
الطريق إلى تمكين المرأة في العالم العربي ما زال طويلا وتعيين مجموعة منهن في مناصب عليا لا يغير كثيرا من حقيقة كون النساء أكثر فقرا وتهميشا وعرضة للعنف والتحرش والتمييز والظلم. الرجل يتحمل جزءا أساسيا من المسؤولية بسبب استدامة العقلية الذكورية القائمة على معاملة المرأة بطريقة فوقية وتهميشية، فمن الصعب أن تتجرأ المرأة على كسر قيودها وتنتصر على مضطهديها إلا إذا وجد إلى جانبها وخلفها وأمامها الرجل، أبا وأخا وزوجا وشريكا.
محاضر في مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة رتغرز بنيوجرسي
مقال رائع وعميق كل التحية والتقدير
المرأة مظلومة في كل العالم المتحضر والمحتضر مثل العالم العربي ولكن التركيز على ظلمها بالضغط من الدول الغربية ما هي الا استفزاز للشعب وصرف النظر عن الظلم والفساد والاستبداد التي اهلكت الزرع والضرع وابقت على الامة ومقدراتها بايدي غير مؤهلة بل متواطئة مع اعداء الامة.
كرامة المرأة حفظها لها الإسلام ولكنها ضحية التقاليد العمياء والممارسات القمعية التي يعتقد العامة أنها من الإسلام وما هي من الإسلام في شئ. فلو طُبقت تعالبم الإسلام المتعلقة بمعاملة المرأة والرفع من شأنها تعليمياً وأخلاقياً لكانت المرأة من أسعد خلق الله. أما القوانين الدولية فأغلبها يشجع على تسليع المرأة واستغلالها تحت غطاء الحرية والمساوات. سعادة المرأة والرجل معاً تكمن في الإسلام العظيم. أما ما عدا ذلك فكلها سبل الشيطان الذي يلقي بحبائله لاصطياد الغافلين عن ذكر الله.
صدقت
” ولا أعتتقد أن السيد قيس سعيّد يبتعد عن هذه الظاهرة التي يوظفها لدرء موجات النقد، بعد أن قام بعملية أقرب إلى الانقلاب الدستوري منه إلى عملية إصلاح أملتها ظروف طارئة. ” إهـ
منصب رئيس الوزراء يعني رئيس وزيرا الداخلية والدفاع!
لا يقبل العسكر ببلادنا العربية بمدني يحكم وزارتهم, فكيف بإمرأة ترأسهم؟ ولا حول ولا قوة الا بالله
مستشارة فقط موالية للحاكم
أعتقد أن إعطاء المرأة دوراً قياديا في هذا الزمن سابقاً لاوانه لان النضوج الأخلاقي عند معظم الحكام العرب لم يبلغ بعد ، والحيتان المتنفذين في الحكم لن يدعوا مجالا لإمرأة تقودهم وذلك بحكم أنها مهما كانت شخصيتها قوية ستكون ضعيفة أمام حاكم لا يؤيدها خاصة في دول الشرق الأوسط .
إن الدين عند الله الإسلام.هذا الدين الذي كرم وعظم المرأة ،والله أنزل آية قرآنية طويلة في كتابه العزيز،بإسم سيدتنا مريم ،ورسوله الكريم محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم اجمعين قال عن عظمة المرأة ،أمك أمك أمك ثم أبوك ،المقصود بالمرأة هنا هي ليس المرأة العلمانية ولا الشيوعية ولا اليهودية وغيرها،وأنما قصد هنا المرأة المسلمة التي تؤمن بالله ورسوله الكريم محمد (ص)
والإسلام هو أول من ضمن حقوق المرأة وحافظ على رعايتها ،والمرأة لم تهان إلا خارج دينها الإسلامي الحنيف،بل وأصبحت سلعة جسد رخيصة،وما المناصب التي تعطى لها ،الا أذى الرماد في العيون.،
يجب تمكين الرجال بدلا من اشباه الرجال الموجودين حاليا، ثم نبحث عن تمكين المرأة