الرباط ـ «القدس العربي» : مع بدء الاستعداد للانتخابات البرلمانية والبلدية في المغرب، المزمع تنظيمها صيف العام الحالي، طفت على السطح حالة من التوتر بين حزب «العدالة والتنمية» الذي يقود الحكومة، ووزارة الداخلية ممثلة في ولاتها وعمالها، وذلك بسبب وقوف هؤلاء عند مكامن الخلل في عمل مجالس بلدية يرأسها منتمون إلى الحزب الإسلامي.
ومن جهة أخرى، حاول الحزب «الإسلامي» تحت تأثير الهاجس الانتخابي، اللعب على مشاعر مناضليه والمتعاطفين معه، من خلال إبراز انتقاد ضمني لقيام الدولة المغربية باستئناف العلاقة مع إسرائيل، رغم التناقض الذي وقع فيه الحزب نفسه، بحكم أن أمينه العام هو مَن وقّع على الإعلان المشترك بين الرباط وواشنطن وتل أبيب، بصفته رئيساً للحكومة.
هذا التناقض في المواقف أثار طائفة كبيرة من الرأي العام، مثلما أثار بعض الصحف المحلية التي نشرت مقالات وافتتاحيات منتقدة لسلوك سياسي غريب، فكتبت صحيفة «الصباح» في عدد أمس أن «صقور» هذا الحزب استغلوا انعقاد مجلسهم الوطني (ما يشبه برلماناً داخلياً) لصب الزيت على النار، من خلال العودة مجدداً إلى ابتزاز الدولة، عبر إصدار بلاغ شديد اللهجة، بسبب استئناف المغرب علاقته بإسرائيل، وإقرار أمريكا الاعتراف بمغربية الصحراء. وأطلق صقور الحزب نيران مدفعية الابتزاز صوب الولاة والعمال، لأنهم انتقدوا طريقة تدبيرهم السيئة للمجالس المنتخبة، ولم يجدوا بداً من إحياء شعار إسقاط الاستبداد والفساد، كأن المغرب كان دولة الحزب الوحيد، ولم تتصارع الأحزاب على شفافية ونزاهة الانتخابات.
صقور «العدالة والتنمية»
وأضافت الصحيفة أن صقور «العدالة والتنمية» مارسوا الابتزاز بإغلاق باب الاجتهاد لتغيير القوانين الانتخابية، لأنها تخدم مصالحهم، لتحقيق الفوز بولاية ثالثة، وإقصاء الأحزاب الأخرى. وتساءلت: أليس هذا استبداداً؟ ولاحظت أن المثير للاستغراب أن يؤكد الحزب رفضه عقد مؤتمر استثنائي للإطاحة بسعد الدين العثماني، بسبب توقيعه إعلان التطبيع مع إسرائيل، وفي الوقت نفسه يندد بشدة بالتطبيع معها، في فقرة طويلة، إذ كان عليه أن يدفع رئيس الحكومة والوزراء إلى تقديم استقالتهم، لأنه سيتم توقيع اتفاقيات بين أعضاء الحكومتين المغربية والإسرائيلية، وتبادل الزيارات قريباً.
وكان البيان الختامي للمجلس الوطني لحزب «العدالة والتنمية» أفاد أن «مؤسسات الحزب عازمة على الاستمرار في النضال ضد الفساد والاستبداد وتشبث أعضائه بمواصلة أداء مهامهم السياسية والتمثيلية على أفضل الوجوه الممكنة، رغم حجم الإكراهات والتحديات».
واعتبرت صحيفة «الصباح» أن البرلمان الداخلي لحزب رئيس الحكومة هاجم بشكل ضمني إذ عبّر عن «استهجانه لبعض العقليات الإدارية المعرقلة للتدبير المحلي، والمحكومة بثقافة متجاوزة، لم تنخرط بعد في روح دستور 2011، ولم تتشبع بمقتضيات القوانين التنظيمية الجديدة وعلى رأسها مبدأ التدبير الحر، الذي يعتبر مبدأ دستورياً راسخاً».
في السياق نفسه، اعتبرت صحيفة «الأخبار» أن الحزب الإسلامي اختار مرة أخرى «لغة الابتزاز السياسي لمخاطبة الدولة وإطلاق حملة انتخابية سابقة لأوانها».
واستطرت قائلة في افتتاحيتها أمس: مرة أخرى يعود إسلاميو المؤسسات لطريقتهم البشعة في ممارسة الضغط والتلويح بقضايا حقوق الإنسان واستهداف الولاة والعمال والتشهير بالقضاء، كما لو أنه حركة جذرية تعمل خارج الأطر المؤسساتية للنظام السياسي.
واعتبرت أن الحزب الحاكم يفضل لعب دور الضحية في كل ما يجري، وأنه حزب لا حول ولا قوة له أمام جبروت قوى غير مرئية بالعين المجردة.
ازدواجية المواقف
ورأت أن حزب العثماني عاد إلى هوايته المفضلة بازدواجية المواقف التي ظلت تلازم تدبيره جزءاً من السلطة طيلة عقد من الزمن، وأضافت: «فهو مولع بالتواجد في كل الأمكنة في نفس الوقت، يريد الزبدة وثمن الزبدة، يعشق ملذات السلطة وصولجان المعارضة. ولذلك، فهو دائم البحث عن المبررات التي تسمح له بممارسة الشيء ونقيضه.
واستطردت «الأخبار» قائلة: «في قضية عودة العلاقات المغربية الإسرائيلية لم يجد بيان برلمانه من ملاذ للهروب من المسؤولية سوى إشهار جدار الاختباء وراء الملك وإشهار ثقافة الإكراه على التوقيع ضد مبادئه بما يحمله مفهوم الإكراه من دلالات فقهية وتاريخية، لرفع الحرج عنهم، بمبرر أن العثماني وقع تحت ضغط الإكراه وبالتالي فمعظم تصرفاته أكره عليها ما يبطل عنه تبعاتها السياسية».
واستغربت الصحيفة من معجم بيان المجلس الوطني للحزب الحاكم، إذ استنجد بهيئة الإنصاف والمصالحة لمطالبة الدولة بالإفراج عن الصحافيين ومعتقلي الاحتجاجات الذين وصفهم في بيان رسمي بالانفصاليين، وكأننا في زمن الجمر والرصاص، وكأننا في عصر الاختطافات والاعتقال دون محاكمات، وهو الذي كان يقود حكومة توجد تحت إمرتها وزارة الداخلية، وكان يشرف وزيره مصطفى الرميد على النيابة العامة قبل فصلها عن وزير العدل، توضح «الأخبار».
واختتمت افتتاحيتها بالقول: «الجميع يدرك أن حزب العدالة والتنمية لا تهمه حقوق الإنسان أو مالات التطبيع أو القوانين المتعلقة بالاستحقاقات، ما يهمه هو الحفاظ على مصالحه الانتخابية وزبائنه الذين يصوتون عليه، حتى لو أدى به الأمر إلى التشهير بالمؤسسات الدستورية التي يقودها منذ عقد من الزمن أمام أعداء الوطن قبل أصدقائه».
القارئ العربي قد لا يعلم أن جريدتي “الصباح” و “الأخبار” هما أبعد ما يكون عن الموضوعية والتجرد عند حديثهما عن حزب العدالة والتنمية بالنظر لتوجههما العلماني المتطرف. أقول هذا للإنصاف رغم انتقادي للحزب المذكور.
ربما هذه الصحف غير موضوعية في تناولها للشؤون الداخليه للبلاد لكن ارى ان المقال اصاب عين الحقيقة.